مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الأربعاء، 23 سبتمبر 2009

فتاة اشتهت المال

يُحكى عن شابة جامعية أنَّها أحبت المال بصورة مَرَضية، حتى صار الثراء هدفها الوحيد فى الحياة، فماذا فَعَلتْ لكي تصير واحدة من الأثرياء؟
بدأت تجلس مع الشباب حتى تعرّفت على واحد، كان يملك عربة فاخرة فاعتقدت من مظهره أنَّه فتى الأحلام، الذي سيحقق لها كل طموحاتها، وتمر الأيام وتتوطّد العلاقة بينهما، لكنَّها لاحظت أن زميلها كثير الرسوب، كما لو كان لا يرغب فى التخرج من الكلية، فلمَّا سألته عن سبب رسوبه ذُهلت! إذ علمت أنَّه يتعمَّد الرسوب، لأنَّه يوزّع المواد المُخدّرة على الطلبة! وهذا هو مصدر غناه..
وبكل جرأة يعرض عليها أن تُشاركه هذه التجارة المُربحة، إن كانت تريد أن تصبح من الأثرياء! كل ما ستفعله أنَّها ستقف فى مكان ما على كورنيش النيل، فيأتي إليها شخص ويسلّمها المواد المُخدّرة، فتأخذها منه وتعطيها لبعض التجّار الذين يتعامل معهم..
فى البداية رفضت بشدة إلاَّ أنَّها تحت تأثير إغراءات المال قبلت، وبالفعل فى فترة قصيرة جداً قد صارت مليونيرة، فلمَّا اغتنت أصابها الكبرياء في مقتل، فاحتقرت زميلها، لأنَّه لم يعد يملك من المال مثلها، كما أصبح في نظرها بلا فائدة، فالنفعيون لا يعرفون من الزهور سوى رحيقها!

فلمّا رأى الشاب أنَّه قد جُرح، سعى إلى الانتقام منها رداً لكرامته، فأرسل للبوليس كل بياناتها، فتم القبض عليها وانتهت قصتها المأساوية بأن أودعتْ فى السجن!
فماذا انتفعت من حُب المال؟ المال الذي اشتهته ألقى بها في السجن، ولوّث سمعتها ، وقضى على شبابها...

هذا وقد حكى قداسة البابا شنوده، عن إنسان كان فى حياته يجمع مالاً ويكنزه، دون أن يعرف أحداً أين يخبئه، ثم مرض ولازم الفراش وفى أثناء مرضه لاحظوا عليه، أنه كان يمسك فى حرص بالوسادة التى يضع عليها رأسه، وفى ساعة موته كان يحتضن الوسادة، يحتضنها فى عنف كأنه يخشى أن يأخذها أحد منه، فتعجبوا ! وبعد موته فحصوا الوسادة وفتحوها، فوجدوا داخلها رُزمة من الأوراق المالية، هى إله ذلك المسكين، الإله الذى ظل يعبده حتى الموت!!

الاثنين، 14 سبتمبر 2009

مفهوم اللذة


لا نُنكر أنَّ اللذة شيء عظيم، والسعادة أعظم ما في الوجود، واللذة يسعى إليها الأبرار والأشرار على السواء، ولا عجب أن يتحلّى الأبرار بفضيلة تؤهّلهم إلى سعادتهم، إنَّما العجب أن يواظب الأشرار على خطاياهم بحثاً عن لذاتهم!!

أنت تبحث عن اللذة التي تقود إلى السعادة، وأنا أيضاً بل الجميع يُريدون أن يحيوا سعداء، فما من إنسان يبحث عن الألم إلاَّ المريض! ولكن أين نجد السعادة التي سعى ولازال حتى الآن يسعى إليها الكثيرون؟

الكتب السماوية تُعلن بوضوح أنَّ السعادة في الإيمان بالله والعمل بوصاياه... فنحن خرجنا من الله وستظل أرواحنا هائمة إلى أن نجد راحتنا فيه.

وعلماء النفس يقولون: إنَّها فى اتزان الشخصية، والتوازن بين قدرات الناس ومواهبهم.. ورغباتهم وطموحاتهم..

والمادّيون يقولون: إنَّ السعادة تتولّد عندما يتم إشباع حاجات الإنسان المادية وغرائزه الطبيعية كالطعام والجنس..

والفلسفة البوذية تُعلن أننا لن نجد السعادة في الحياة مصدر الآلام والأحزان، ولا سبيل إليها إلا بدخول (النيرفانا) أو النعيم، الذي لا يدخله إلاَّ من حارب أهواءه المادية، وترك المتع الدنياوية واللذات الجسدية..

والصوفية تقول: إنَّها في الاتصال الروحيّ المستمر بالله، والزهد في الماديات، والترفّع عن أغراض الدنيا الفانية.. فما هى اللذة وما هو مفهوم السعادة التي يسعى إليها الإنسان منذ أن دب بقدمية على هذه الأرض؟!

ربما يقول المرضى أنَّها في الصحة الجيدة، فيرد الأصحاء: لو كانت السعادة في الصحة لكانت الوحوش أسعد المخلوقات!


والفقراء يتوهّمون أنَّها في الغنى، لكن معظم الأغنياء عاشوا وماتوا تعساء، وقد كانت أموالهم سبب تعاستهم..

والفاشلون يقولون أنَّها في النجاح والتفوق، فيُجيبهم الناجحون: ما أبهظ الثمن الذي دفعناه من سعادتنا ثمناً لنجاحنا، لقد نجحنا ماديّاً ولكننا فشلنا روحياً!

والعُزَّاب يعتقدون أنَّها في الزواج والأولاد والدفء العائليّ، فيرد عليهم المتزوجون: إنَّ مشاكلنا أكبر من احتمالنا..

وما أكثر الذين بحثوا عن السعادة في الشهرة والسلطة والنفوذ.. وبعد أن حققوا هدفهم وذاع صيتهم كانت خيبة الأمل، فليس أشق على الإنسان في هذه الحياة من تكبير اسمه!!

إنَّ تعريفات السعادة كثيرة، وكل إنسان يستطيع أن يفهمها بحسب نشأته وتديّنه وثقافته وفكره.. ولكن أقرب تعريف لعقلي هو:

إنَّها ذلك الشعور المتصل بالمحبة والفرح والسلام.. الذي يرافق الإنسان عندما يحيا مع الله، برغم كل ما يعترض مجرى حياته من مشاكل أو أحزان أو آلام..

فنحن جُبلة الله ولن نجد راحتنا إلاَّ فيه، وبدون الله لا حياة، ولا أمل فى حياة ولا نمـو أو اخضرار.. إنَّما يعُم القحط كل حياتنا، وتظل أرض قلوبنا جرداء لا ثمار تنمو فيها، وإن أنبتت لا تنبت سوى الأشواك.

وقد يسعى البشر لتوطيد أواصر المحبّة، فيتقابلون ويتبادلون الهدايا...

ولكن مهما كانت أهمية المحبّة البشرية، فإنَّها لا تهب الناس سعادة كاملة إن لم تكن ثمرة من ثمار المحبة الإلهية، فالإنسان كثيراً ما يجد نفسه وهو مستغرق برمَّته في المحبة البشرية النفسانية، أنَّه لا يزال يعاني من آلام الوحدة، وأنَّه لم ينجح في التغلّب على القلق الناجم عنها، ومن هنا ينصرف عن هذا الحُب البشريّ بضعفه ونقصه لكي ينشد صورة أكمل وأنقى وأفضل ألا وهى: حُب الله ,

إنَّ اللذة في مفهومها في مفهومها البسيط هى حالة فرح، فكل ما تشتهيه وتحصل عليه يُولّد في قلبك لذة.

أمَّا اللذات فهي أنواع كثيرة، فهناك ما يُعرف باللذة الروحية، التي تقود إلى السعادة الحقيقية، ولا يستطيع أن يحصل عليها إنسان، إلاَّ إذا عاش مع الله حياة روحية صادقة وهناك اللذة الجنسية التي تتولّد نتيجة المؤثرات الشهوانية التي تُصادف الإنسان أو يتسبب فيها، سواء عن طريق حواسه أو أفكاره.. هذه اللذة وضعها الله في الإنسان لأجل الإنجاب وإنماء الجنس البشريّ، فإذا انحرف بها تحوّلت من وسيلة فرح إلى سبب خوف وقلق وعذاب ضمير.. فما أعطاه الله للإنسان كأداة للفرح تحوّل إلى أداة للتدمير، وذلك بسبب استخدام عطية الله الحسنة استخداماً سيئاً!

فى بداية القرن الماضي ظهر فرويد العالِم النفسيّ الكبير، فنسب كثير من الأمراض النفسية والعصبيّة والعاطفيّة إلى الكبت الجنسيّ متغاضياً عن العوامل الاجتماعية والثقافية وأساليب التربية الخاطئة.. ولهذا دعا إلى مُمارسة الجنس بحرية، كوسيلة علاجيّة للتخلّص من الأمراض التي تُصيب الإنسان!ولكن لو عاد (فرويد) هذه الأيام - وهو بالطبع لن يعود - لغيّر نظريته مرغماً وبالتالي منهجه الخاطيء في العلاج، ونسب الخوف والقلق والأنانية ومعظم المشاكل التي تعيشها البشرية اليوم ليس إلى الكبت الجنسيّ بل الفجور الجنسيّ!

وإنْ اعترض البعض وقالوا هناك الجنس المأمون الذي لا يضر ولا يؤذي فهم كاذبون ومتوهّمون! أو يُخدّرون ضمائرهم السقيمة! لأنَّ الجنس قد يكون مأموناً طبياً- معقّماً من الجراثيم وخالياً من الوباء ولكنَّه غير مأمون روحيّاً ونفسيّاً بالنسبة لوجع القلب الذي يتسبب فيه، والمشاكل الروحيّة والعقد النفسيّة التي تنتج عنه..وكما قيليغفر لنا خطايانا عندما نقدّم توبة صادقة من أعماق قلوبنا، ولكنَّ الجهاز العصبيّ لا يغفرها قط !! لماذا؟ لِِما سببته الخطية من أمراض كثيرة، قد طبعت بصمتها على أعصابنا وأجسادنا.. جعلت الخاطيء منَّا يُعاني من آلامها مدى الحياة.

يقول القديس أُغسطينوس: لا شك في أنَّك تريد أن تحيا أيامك سعيداً لكنَّك لن تكون سعيداً إن لم تحصل على ما تُحِب، ولن تكون سعيداً إذا نِلتَ ما تحب، وكان هذا المحبوب مُضراً ها نحن نتساءل: هل هناك أشر وأخطر وأضر من لذة الخطية؟

فالخطية كما يراها ذهبي الفم هي الكارثة الوحيدة في العالم ولهذا يقول: ليس في العالم إلاَّ كارثة واحدة ألا وهى: الخطية، فهي المصدر الأوحد لجميـع النكبات، وهى الأُم الولود لجميع الكوارث التي تحل بالبشرية ".

ليقل لنا محبو الخطية وعشاق اللذة الوهمية، الذين يقضون لياليهم بين الجدران المُغلقة المظلمة! متناسين أنَّ عيون السماء تُحدّق إليهم، ونجوم القبة الزرقاء تفضح أعمالهم القذرة: ما هي اللذة التي يتمتّعون بها وهم دائماً في حزن وقلق...؟!

أيَّة لذة تلك التي ثمارها الخوف من الفضيحة والعار والخجل من مواجهة الناس؟! قولوا لنا لماذا تُغلقون عليكم الأبواب وتبتعدون عن أعين الناس إن كنتم بحق على صواب؟!

لقد ارتضى الخطاة أن يعيشوا في الأوكار المُظلمة، يلهون ويعبثون، ويسكرون ويُدخّنون، ويرقصون ويُغنّون، بطريقة هستيرية كالمجانين بحثاً عن لذة جسدية فانية!!

ولكن لا تتعجبوا فالطير يبدو أنَّه يرقص عندما يُذبح!! أتعرفون السبب؟ لأنَّه يتألم!! لقد ش الأعمى الذي يحيا في الكون المُضيء ولكنّه لا يرى ضوءاً ولا شمس الظهيرة، والحق إنَّ الخطية تعمي الخاطيء عن رؤية نور الحياة، لأنَّ الله نور وكل من يحيا بعيـداً عن الله حتماً سيعيش في ظلام حالك، وأيضاً سيموت موتاً روحياً، فموت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد وموت الروح هو انفصال الروح عن الله، ألم يقل المسيح: " أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ، مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا (يو25:11).

فكيف يجرؤ إنسان يحيا فيالخطية أن يقول: إنّه حيلهؤلاء مجتمعهم الخاص الذي قد خلقوه لأنفسهم، وارتضوا أن يعيشوا فيه منبوذين ومحتقرين من الآخرين فأي مجتمع هذا الذي يقود إلى الذل والاحتقار.. وأهم سماته الإشباع الجنسيّ والفوضى الأخلاقية...؟!!نَّه كهف ضيق من كهوف الأودية الخالية من الفضيلة، فيه يُرددون صدى أصوات لا يفهمون معناها لتُصبح حياتهم بين شتاء قارص غطَّاهم بأوحاله! وصيف ألهب بحرارته عظامهم!أمَّا وصايا الله فلا يعرفون عنها شيئاً، ولا يعلمون متى يكون الإنسان خاطئاً!! فيعيشون بالجهل ويستوي أمامهم المُجرم والبريء، والبار والشرير،وهذا ليس بغريب لأنَّهم ينظرون بعين الشهوة، فمن على السطوح وفى الأروقة وبين الأزقة لا يرون سوى أشباح المفاسد وخيالات الانحطاط!

انظروا إليهم فلا تجدوا سوى أُناس عديمي الإرادة، لا كلام إيجابيّ في أفواههم إنَّما كلامهم عن الجنس والمتع الجسدية! ولا نية تعمير أو إصلاح في عقولهم مع أنَّ فيهم من يملك الملايين! حتى الشعور الإنسانيّ والعطف على الفقراء لا تجد في قلوبهم! وهذا ليس بغريب لأنَّ:الشهوة عمياء لا ترى دموع المحتاجين وصماء لا تسمع أنين الفقراء والمعوزين إنَّها لا ترى ولا تسمع إلاَّ ما يُثيرها فقط!!

كل العبارات التي ابتدعها الخطاة مثل: سعادة، متعة، لذة، نشوة نّي لا أظن أنَّ من يتحدى قانون الطهارة الإلهيّ يمكن أن يحيا سعيداً، يكفي أنَّ الخطية تفقد الإنسان سلامه لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلَهِي لِلأَشْرَارَِ (إش21:57)، فهل يمكن لإنسان أن يحيا سعيداً بدون سلام؟!

حقاً إنَّ النشاط الجنسيّ هو غريزة قد وضعها الله في الإنسان لا يمكن إغفالها أو القضاء عليها، ولكن في العلاقة الجسدية الطبيعية بين الزوج وزوجته تنطلق الطاقة الجنسية لكي تربط بينهما بقوة مغناطيسية فيغمرهما إحساس عميق بالاستقرار والرضى والشبع والراحة.

أمَّا في حالة الزنى فإنَّ العلاقة الجنسية يصاحبها أيضاً متعة حسّيّة، كما قال سليمان الحكيم اَلشَّهْـوَةُ الْحَاصِلَةُ تَلُذُّ النَّفْسَ (أم19:13) إلاَّ أنَّها تكون ممزوجة بالقلق والتوتر والإحساس المرير بالذنب... مما يجعلها تفتقر إلي عمق الاستقرار والشبع الحقيقيّ! وأفضل ما يمكن أن يفعله البشر تجاهليس هو إشباعها بطريقة غير شرعية، وإنَّما بتحويلها إلي أنشطة مفيدةللإنسان وبنَّاءة للمجتمع، وهذا هو ما يُعرَفْ في علم النفس بالتساميّ.

والحق إنَّ فقراء ومرضى ومعوَّقين كثيرين، ضبطوا شهواتهم وهذَّبوا غرائزهم.. فعاشوا سعداء وأفادوا البشرية بعد أن صاروا قدوة.. والعظمة من كل ناحية، ولكنهم لم يُقدّموا للبشرية سوى صورة مُقززة للفساد والمتع الجسدية، ولذلك عاشوا في القصور كالأفاعي السوداء المتقلبة في كهوف الجحيم.

لقد صارت القصور أشبه بصحراء الموت، يُدفنون أحياء بين رمالها، أعني أموالهم وذهبهم وفضتهم وكل كنوزهم الفانية.. ومن هنا جاءت العبارة القائلةلا راحة لرأس تحت تاج ملوث بالخطيةفإذا اتّخذتَ اللذة هدفاً تسع إلى تحقيقه بكافة الوسائل وشتى الطرق... فتأكد أن حياتك على الأرض ستظل مثقّلة بالآلام، مليئة بالمخاوف، الشهوات تفسدها والشكوك تستعبدها، فالخطية هى نبع الأحزان بما تتركه في الضمير من توبيخ، وما تتركه في النفس من أثرها الدنس، وها نحن نتساءل:

ما قيمة لحياة تظل صفحة ملوثة في كتاب الوجود، لم يُكتَبْ فيها كلمة فرح أو عزاء أو سلام..؟‍‍‍! وماذا ينتفع الإنسان لو أتى من الذنوب ما يجلب عليه سخط إلى آخر الدهور؟‍!

يقول مارَ أفرام السريانيّ: اهرب من اللذة فإنَّ أثمارها الخزي، فقبل اللذة شهوة وبعد اللذة حزن، كرر الافتكار في أنَّ اللذة يعقبها حزن وخزي .

إن أردتَ أن تعرف هل فى الخطية لذة أم لا؟ فاعمل بمشورتي، واسأل الذين لبسوا الزنى كرداء، أو أدمنوا المسكرات، أو احترفوا السرقات.. سلهم وهم على سرير المرض مطروحون، أو في سجون الحبس مُقيَّدون، أو فى الشوارع على الأرصفة مُلْقَوْنَولماذا تسأل الآخرين بل إسألْ نفسك وخاطبْ كل عضو من أعضائك قد تدنس بوحل الخطية وقل له: لقد تلذذت وتمتعتَ كثيراً.. فما هو الربح الذي ربحتَهُ من الخطية؟

أعتقد أنَّ الإجابة على مثل هذا السؤال واضحة ألا وهى: لا سعادة نلتُها ولا لذة قد ربحتُها وأنا أحيا فى الخطية إن كان لها أفراح!صدقوني لو فُتحتْ قلوب الخطاة، أو كُشفتْ أفكارهم على الملأ॥ ورأينا ما قد ترسّب في أعماقها من نتائج الخطية لصرخنا قائلين: مجنون من أضاع حياته فى أوهام الخطية।

السبت، 5 سبتمبر 2009

قصص لقديسين فضلوا الموت عن أن يتدنسوا بالخطية


يحكي لنا تاريخ الكنيسة عن أمثلة رائعة، لأبطال قديسين فضلوا الموت وتقطيع الأعضاء، عن أن يُدنسوا أجسادهم بالخطية. حتي إن الحكام الوثنيين الذين ملكت عليهم الشهوة الدنسة، كانوا يندهشون لطهارة المسيحيين والمسيحيات.


يقول القديس القيصري

" لم يكن النساء أقل من الرجال بسالة، في الدفاع عن تعاليم الكلمة الإلهية، إذ اشتركن في النضال مع الرجال ونلن معهن نصيباً متساوياً من الأكاليل من أجل الفضيلة، وعندما كانوا يُجرّوهن لأغراض دنسة، كن يفضلن تسليم حياتهن للموت عن تسليم أجسادهن".


ومن بين هؤلاء الألوف الأطهار نذكر الآتي:


++ شاب عفيف

في الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطور ديسيوس، إذ فشل أحد الولاة الوثنيين في أن يثني شاباً قبطياً عن إيمانه، سلّمه إلي إحدي الشريرات لتُسقطه في الخطية، أمّا هي فطلبت أن يُرسل الشاب إلي بستان، وينصب له سريراً مفروشاً بالحرير بين الورود والرياحين وتحيط به جداول المياة، ثم أمرت أن يُربط يدي الشاب ورجليه ووسطه بمنديل من حرير، واندفعت إليه بغير حياء لتُسقطه في الخطية، فكان يُظهر لها بكل جفاء، ولكنها استمرت في محاولتها بقوة، فلمّا ضاقت به المسالك، و لم يجد وسيلة للهرب من هذا الشر، وخاف علي طهارته، ضغط علي لسانه بأسنانه وبصقه في وجه تلك المرأة الشريرة بدماء كثيرة، وإذ تملكها الرعب هربت، وهكذا حفظ طهارته، مفضلاً أن يهلك عضواً واحداً من جسده ولايترك جسمه ونفسه للهلاك الأبديّ.

++ فيرونيا

في أثناء الاضطرابات التي عمَّت مصر سنة ( 749 م )، دخل جنود مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، دير للعذارى نواحي أخميم، وبعد أن نهبوه أرادوا اغتصاب راهبة صغيرة تُدعي فيرونيا، فتنوا بجمالها! أمّا هي فاستمهلتهم قليلاً ودخلت قلايتها، وألقت بذاتها بين يدي الله باكية، طالبة الخلاص من الدنس.. وسرعان ما خرجت إليهم بحيلة ألا وهي:


أن يتركوها لعبادتها مقابل جميلاً تُعطيه إليهم تعلّمته من أسلافها، وكان هذا الجميل زيتاً تقتنيه إذا دُهن به أيّ جزء من الجسم لا تعمل فيه السيوف، ولكي تُبرهن لهم صدق كلامها دهنت عنقها بالزيت، وطلبت أن يضرب أحدهم بسيفه علي عنقها، وما أن فعل ذلك، حتي انفصلت رأس العذراء العفيفة عن جسدها، فلمّا رأي القائد والجنود هذا المنظر المرعب اعتراهم خوف شديد، وندموا علي ما فعلوا، وأسرعوا بمغادرة الدير، بعد أن تركوا ما كانوا قد نهبوه!

++ ثيئودوره

وُلِدت هذه القديسة بالإسكندرية، وعندما بلغت سن السابعة عشر من عمرها، صدرت أوامر دقلديانوس باضطهاد المسيحيين، فشكاها البعض أمام والي الإسكندرية بأنَّها مسيحية، فأحضرها الوالي وأمرها أن تبخر للأوثان وإلا فإن عقوبتها ستكون إيداعها في أحد بيوت الدعارة، لكنها رفضت كلامه وقالت له: إنّها واثقة أنَّ الرب يسوع سيخلصها، وهذا هو ما حدث بالفعل، فقد أتاها الخلاص علي يد شاب مسيحي يدعي ديديموس، لمَّا عرف بقصتها أراد إنقاذها.. فتنكّر في زي جندي، وذهب إلي ذلك المنزل الذي أودعت فيه وطلب الدخول إلي غرفة ثيئودورة، فسمحت له صاحبة البيت بالدخول، فلما شاهدته ثيئودورة ارتاعت وأخذت تبكي خوفاً من تدنيس عفتها، أمَّا هو فهدأ من روعها، وناداها وهو يبكي قائلاً: لا تخافي يا أختي المباركة، يا عروس المسيح، لقد أرسلني خطيبك لنجاتك، ثم نزع عنه الذي العسكريّ، وقال لها: خذي هذا الثوب وارتديه وأعطني ثوبك لألبسه، وأخرجي أنت وأنا أظل مكانك، ففرحت لأنّ الرب استجاب لصلواتها، وخرجت متخفية في زي الجندية وبقي ديديموس في الحجرة حتي انكشف أمره، فسيق إلي الوالي وحُكم عليه بالموت..


فلمّا عرفت ثيئودورة ذهبت إلي مكان الإعدام وأمسكت به، وقالت: إنني وافقت أن تحفظ عفتي فقط، ولكني لم أقبل أن تأخذ إكليلي ومكاني في الشهادة، فأجابها ديديموس: يا أختي لا تقابلي إحساني بالإساءة، لقد حافظت علي عفتك، دعيني الآن أنال عوض ذلك إكليل الشهادة، فنال كلاهما إكليل الشهادة بقطع رأسيهما معاً!!

++ أربسيما

اشتهي دقلديانوس الملك أن يتزوج بفتاة حسناء، فأمر أن ينطلق المصورون في البلاد، لاختيار أجمل فتاة، فلما ذهبوا كأمره وجدوا راهبة في أحد أديرة العذاري بروما اسمها أربسيما، وكانت أروع من قابلوا في جمالها، ففرح الملك جداً لمّا رأي صورتها، فلما علمت بقية العذاري اللاتي كن معها في الدير بهذه التجربة القاسية، اتفقن جميعاً علي الهروب من الدير إلي بلاد أرمينيا.


أما الملك فلمّا أرسل في طلب أربسيما ولم يجدها تضايق جداً وأرسل يبحث عنها، حتي علم مكانها فأحضروها إليه، ففرح بها جداً وأراد أن يتزوجها، لكنها رفضت بإصرار، فأحضر أمها أغاثي لتثنيها عن عزمها، ولكن أمها المسيحية التقية شجعتها علي حفظ بتوليتها، وأعطي الرب قوة للقديسة أربسيما، فطرحت الوالي علي الأرض رغم قوته فاغتاظ جداً، وأمر بقطع لسانها وقلع عينيها ثم رأسها.. وأخيراً قتل الأم أغاثي وبقية العذاري أيضاً.

++ إجنس

ولدت هذه القديسة في أواخر ( ق3) في روما من أبويين تقيين، وإذ كانت جميلة جداً أراد ابن حاكم المدينة أن يتزوجها أما هي فرفضت، فمرض الشاب فدعا أبوه إجنس وخيّرها بين أمرين إمّا أن تعبد الآلهة الوثنية وتتزوج ابنه، وإمّا أن تموت! أمّا هي فأصرّت علي إيمانها فعذّبها الوالي، ولمّا لم يفلح في إرهابها، أرسلها إلي بيت فساد، فشرع الجند يجردونها من ثيابها.


ولكن فجأة غطي شعرها كل جسدها حتي تعجب الجميع.. كما أن البيت أضاءه نور من السماء، حتي إنَّ بعض الأشرار ممن أتوا لفعل الشر مع هذه العذراء، لما رأوا المنزل مُضيئاً لم يجسروا أن يلمسوها، غير أنّ ابن الحاكم الذي كان يرغب أن يتزوجها، عندما دخل البيت ليفسدها سقط ميتاً.


فلما تذلل أبوه إليها صلت القديسة فقام ابنه الميت، فانتشر خبر المعجزة!! فادّعي كهنة الأوثان أنّ إجنس ساحرة!! وطلبوا قتلها، أما الوالي أمام صخب الناس ترك الأمر لوكيله، الذي استحضر إجنس وعذبها، وأخيراً أمر بقطع رأسها فنالت إكليل الشهادة، من أجل حفظ طهارتها وعفتها.