مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الأربعاء، 28 أبريل 2010

قام المسيح وحررنا من عبودية الخطية



اإن كل من رجع إلى التاريخ القديم، عرف أنَّ الخطية كانت هى السبب في كل المصائب التى قد حلّتْ على العالم.. فهى التى أفسدتْ آدم وطردتْه من الجنَّة، وجعلتْه يشعر بعُريه وملأتْ قلبه بالخوف..

وجعلت قايين يخرج
هائماً على وجهه، هارباً من مكان إلى آخَر وقلبه مضطرباً خوفاً من أن يحصد ما زرعتهيداهلولا الخطية ما أغرق الله العالم القديم بماء الطوفان، ولا أنزل ناراً وكبريتاً من السماء لكي تحرق سدوم وعمورة، ولولاها ما سقط شمشون الجبار النذير لله من بطن أُمه.. ولا سقط داود رجل الصلاة والمزاميرفي الزنى، ولا بخَّر سليمان الحكيم للأوثان
..


هى التى جعلتْ هيروديا تطلب رأس يوحنا المعمدان، وعندما أحبَّها يهوذا أسلم سيده إلى الأثمة، لأنًّه لمَّا اشتهى المال أضاع الحياة، وماذا أعطاه حُب المال؟ لم يُعطهِ سوى ثلاثين من الفضة ثمن حبل المشنقة الذي شنق به نفسه!

لقد صيّرتْنا الخطية عبيداً بعد أن كنَّا أحراراً، قيَّدتْنا بعد أن
كنَّا معتوقين، أفنتْ شجاعتنا، أضعفتْ قوتنا، فصرنا نخشى الحيوانات التي كنَّا أسياداً عليها، ملأتْنا من كل شهوة ردية، فصرنا محبين للخلاعة، نلهث وراء اللذة الممنوعة
.


صارتْ الخطية كسيف حاد فصلتْ الإنسان عن خالقه، وكحجاب أسود حجبتْ عنَّا نور شمس البر فصرنا كما قال إشعياء النبي: " نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ، قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَما فِي الْعَتَمةِ "، إلى أن جاء ابن الإنسان وحمل خطايا البشرية في جسده المقدس، وحرقها على مذبح الصليب بنار الغضب الإلهيّ، وعندما نزل إلى القبر دفنها معه، ولكنَّه عندما قام خرج من القبر تاركاً إياها في أعماق الهاوية.

قام المسيح وأصبحنا أحراراً، الأمر الذي جعل مُعلّمنا بولس الرسول أن يُقدّم الشكر لله قائلاً: " فَشُكْراً لِلَّهِ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيداً لِلْخَطِيَّةِ وَلَكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا، وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيداً لِلْبِرِّ" (رو18،17:6).

ويوضّح كيفية هـذا التحرر فيقول
: " لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّأمَّا العِتق فيتم عن طريق شراء المؤمنين بثمن، تُرى ما هو هذا الثمن؟ إنَّه دم ابن الله المسفوك على الصليب! الذى أشار إليه معلمنا بطرس الرسول بقوله: عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ دَمِ الْمَسِيحِ وبما أنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ (رو2:8).


فنحن إذن مطالبون بأن نمجد اللهَ فِي أَجْسَادِنا وَفِي أَرْوَاحِنا الَّتِي هِيَ لِلَّهِ ولا نستخدم ما نلناه من حرية ستراً للشر، فيقول:لأَنَّ هَكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ " (1بط2: 15, 16).أمَّا ثمار التحرر فيوضَّحه مُعلّمنا بولس الرسول بقوله " وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ وَصِرْتُمْ عَبِيداً لِلَّهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ.

الخميس، 22 أبريل 2010

تدريب على الصلوات القصيرة

كثيرون بدأوا ولكنهم لم يكملوا! وغيرهم جاهدوا لكنهم استسلموا! أتعرفون لماذا؟ لأن البداية فاقت قامتهم الروحية، ونوعية الصلاة لم تتناسب ظروفهم، فقد يبدأ إنسان بصلاة الأجبية كاملة لكن صلاتة لا تتعدى يوما واحدا! فما هى أنسب وأسهل طريقة للمبتدئين في حياة الصلاة؟

إليكم هذا المنهج البسيط والعميق جدا


عندما يستيقظ الإنسان وهو لا يزال على فراشه يقول هذه الآية من مزاميز معلمنا داود النبي:
" يا الله إلهي إليك أبكر إذا عطشت نفسي يشتاق إليك جسدي "
فالبداية يجب أن تكون لله وليست للعالم، وعندما تكون البداية لله يسعى الإنسان وهو يعمل أن يمجد اسم الله، فإذا عرضت عليه رشوة يرفض...

أو يقول مع معلمنا داود النبي:
" هذا هو اليوم الذى صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه "
لقد دخل في عهد أن يبدأ يومه بالفرح فإذا جاءته تجربة يكون مهيأ بالفرح ولا يسمح لها أن تسلب أفراحه، تخيلوا أم أخذت على نفسها عهد الفرح هل ستنفعل أو ترفع صوتها على أولادها؟

وعندما يغسل وجهه يقول هذه الآية في المزمور الخمسين:
" إنضح على بزوفاك فأطهر أغسلنى فأبيض أكثر من الثلج "
فنحن عندما نغسل وجوهنا بالماء نطلب من الرب أن يغسل قلوبنا بماء التوبة، ومن تعذبه شهواته يطلب أن يغسله بماء الطهارة..

وهو يجهز ويأكل طعامه يقول مع داود النبي:
" وجدت كلامك كالشهد فأكلته "
فالطعام يغذي الجسد وكلمة الله تغذى الروح

وعندما يبدأ عمله يقول:
" ياربى يسوع المسيح ابن الله الحي أعن ضعفى "
فنحن ضعفاء وقوتنا مستمدة من السيد المسيح، ولا ننسى أن قول الرب: " بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا "

وإذا ووضع فى موقف يجبره على الكذب أو الادانة أو انكار المسيح يقول
" يا ربي يسوع المسيح أعن ضعف إيمانى "

وعندما تشتد عليه التجارب العاطفية يقول:
" يا ربي يسوع المسيح ارحمنى انا الخاطيء "

ولكن مهم قبل الصلاة الاستعداد وتصفية حياتك أول بأول عن طريق الاعتراف لأن الله النور لا يلتقى مع ظلمة الخطية.

لقد أردت أن أضع في أفواهكم قطع من السكر لتتذوقوا حلاوة الصلاة، بعدها نبدأ بمزمور واحد تصليه إلى أن تحفظه فتضيف الثاني وهكذا بعد فترة ستصلى بالأجبية كاملة

أنصحكم بقرأة كتاب سائح روسى على دروب الرب

الأحد، 11 أبريل 2010

بقيامته كسر شوكة الموت


يعود علينا عيد القيامة في كل عام، فيُذكّرنا بأحداث تُبهج القلوب وتُعزّي النفوس، وها نحن نتساءل: كيف سقط الموت مستصغراً عند قبر مخلصنا ؟ سؤال ما كان ممكناً أن نجد له إجابة مقنعة لولا أن قام المسيح منتصراً ن بين الأموات.

بقيامة المسيح انكسرتْ شوكة الموت وأُبطل سلطانه، فلم يعد بالشيء المُخيف كما كان بل صار شهوة المؤمنين " لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً " (فى23:1)، كما صار ربحاً كقول مُعلّمنا القديس بولس الرسول: " لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌلقد سقط الموت تحت قدمَي مخلصنا، ففقد هيبته، وضعُف سلطانه، فلم نعد نخشاه لأنَّ يسوع نزع شوكته السامة المُميتة، فمات به ولكنَّه قام منتصراً عليه!

ألم يقل معلمنا يوحنا الحبيب " وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّار؟ " (رؤ14:20)، وهكذا سيمسح الله كل دمعة من عيون المؤمنين " وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ "

لا نُنكر أننا جميعاً سنموت، وسوف تأكل أجسادنا الديدان ولكن كما وُجد قبرُ يسوع فارغ، هكذا أيضاً ستفرغ كل قبور المؤمنين، بقيامتهم من بين الأموات، وهل يمكن أن تُسلّم القبور ما استولتْ عليه من جثث لو لم يقم المسيح؟!أعتقد لو أنَّ القبر استطاع أن يضم جسد ابن الله، لباقي الأجساد الميتة لفقدت المسيحية قوتها في مهدها، ولم يبقَ لها أثر في الوجود، ولكنَّ المسيح قد نزل إلى القبر لا ليُدفن مثل الموتى فقط، بل ليدفن الموت أيضاً!قال أحد الآباء: إننا كطيور قد حبسنا الموت في فخه المخيف.

ولكن هذا الفخ حطّمه مُخلّصنا أولاً وطار منه بعد قيامته، وأصبح الفخ مكسوراً، وإن كنا نجتاز فيه إلاَّ أنَّه ليس له باب يحبسنا، ولهذا نهتف مع داود النبيّ قائلين: " نَجَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ، الْفَخُّ انْكَسَرَ وَنَحْنُ نَجونا، عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ " (مز7:124). نعم لقد نجونا ولم نعد بعد أسرى أذلاّء!

وإن كنَّا نقع كأموات إلاَّ أننا ننهض أحياء، وإن كان يُغلق علينا في قبر مظلم، إلاَّ أنَّ المسيح بسلطانه يُقيمُنا، وبنور قيامته يُضيء علينا، والآن بعد أن قام المسيح منتصراً على الموت، كاسراً شوكته، هازماً سلطانه، أصبح الموت أشبه بمركبة سخّرها ابن الله لتحمل أولاده، من أرض الشقاء إلى أرض الراحة.

الأحد، 4 أبريل 2010

الأحد: يوم الاحتفال بالعيد


إنَّ يوم قيامة المسيح هو يوم الشروق العظيم، شروق ابن الله القائم منتصراً من الأموات بين ظلام الأشرار المنافقين.. وهو يوم الحياة لأنَّ فيه قد قام الحيُّ الذي ذاق الموت بالجسد وأحيا معه الأبرار.. يوم فرح السمائيين والأرضيين، إذ فيه تم الصلح بعد أن كانوا متخاصمين!

يقول مار يعقوب السروجيّ :
اليوم هو البكر لأنَّ فيه قد قام البكر من بين الأموات، لكي يرفع جنس أُمه إلى مكان أبيه، اليوم هو حامل كل البشارات لأنَّه عزى التلاميذ الحزانى، اليوم اجتمع الخراف المبددون لأنَّ الراعي قام وهرب الذئاب، في هذا اليوم نسأل: أين شوكتك يا موت أين غلبتك ياهاوية؟

كان اليهود يُقدّسون يوم السبت (خر20: 8-10) ولكن بالرجوع إلى التاريخ القديم، نرى أنَّ الذين قد اعتنقوا المسيحية من اليهود في القرون الأولى تحوَّلوا من تقديس يوم السبت، وأخذوا في تقديس يوم الأحد مع الذين آمنوا من الوثنيين، الأمر الذي يدل على أنَّهم كانوا يعلمون علم اليقين أنَّ المسيح قد قام

قال القديس برنابا:

" إننا على العكس من اليهود نُقدّس اليوم الثامن، أو بالأحرى يوم الأحد " ، وبابياس يقول: " إننا نحفظ يوم الأحد بدل من يوم السبت لأنَّه يوم القيامة ".وقد أُطلق على الأحد " يوم الرب "، وهى تسمية مسيحية مأخوذة عن سفر الرؤيا، حيث رأى يوحنا الحبيب رؤياه في ذلك اليوم فقال: " كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ " (رؤ10:1).

كما أنَّ إعلان ربوبية السيد المسيح من خلال قيامته المقدسة في " أول الأسبوع " (مر2:16)، كان هو السبب في إطلاق " يوم الرب " على اليوم الأول من الأُسبوع الذى يُكتب باللغة القبطية " ويُنطَق: كيرياكي ".

أمَّا تاريخ يوم الأحد، فيبدأ بقيامة السيد المسيح، التي بشهادة الأناجيل تمتْ فجر الأحد، وأول احتفال بيوم الرب تم في الأحد الأول بعد القيامة، يقول القديس يوحنَّا الإنجيليّ " وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ لَهُمْ سلاَمٌ لَكُمْ " (يو20: 19).

وقد نالوا في يوم الأحد عطية الروح القدس كما جاء في سفر الأعمال: " وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَصَارَ بَغْتَةًمِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ.. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ " (أع2: 1- 41).

ومنذ العصر الرسوليّ وإلى الآن، لايزال المسيحيون يُقدّسون هذا اليوم العظيم، الذى خصصوه للعبادة بكل فرح وشكر كما أمرت الدسقولية .ففى سفر أعمال الرسل، نقرأ عن اجتماع القديس بولس الرسول، مع المؤمنين في ترواس أول الأُسبوع (الأحد) وذلك لكى يكسروا الخبز: " وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزاً، خَاطَبَهُمْ بُولُسُ وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمْضِيَ فِي الْغَدِ وَأَطَالَ الْكَلاَمَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ.." (أع7:20)، وفى الرسالة الأولى لأهل كورنثوس يقول: " فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ خَازِناً مَا تَيَسَّرَ حَتَّى إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ " (1كو2:16).

وهكذا صار يوم الأحد ركيزة الأُسبوع وبدؤه، منه ننطلق وإليه نعود، ويوم لقاء المؤمنين حول سر الإفخارستيا، ويوم لقاء الرهبان والنسّاك في الكنيسة، كما ورد في تقليد القديسين باخوميوس ومقاريوس..

ولدى اعتناق الملك قسطنطين المسيحية، وإعلانها ديناً رسمياً للإمبراطورية الرومانية، قرر أن يكون يوم الأحد يوم راحة، لكي يتحرر المسيحيون من أعباء العمل، وذلك لكي يتفرغوا للعبادة باستعداد روحيّ وجسديّ، والاحتفال بذكرى قيامة الرب مع الإفخارستيا التي توحّد أجساد المؤمنين في جسد واحد ألا وهو: جسد المسيح.

ولأنَّ الأحد هو يوم قيامة الرب، الذى يجب أن نفرح ونُسر فيه (مز24:118)، لذلك منعت الكنيسة الصوم الانقطاعيّ فيه، فقد جاء في قوانين الرسل: " إذا وجد أحد الإكليروس يصوم الأحد أو السبت، ما خلا السبت الكبير الذي للبصخة فليُقطَع، وإن كان علمانياً فلا يُقرَّب " .وفى هذا اليوم المُقدّس لا يجوز عمل ميطانيات، فقد جاء في قوانين ابن العسال: " ولا يكن في أيام الآحاد والأعياد المجيدة سجود لأنَّها أيام فرح ".

اعتراض

لقد صرَّح السيد المسيح بأنَّه سيكون في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍلأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ " (مت40:12)، في حين أنه دُفن يوم الجمعة وقام يوم الأحد، مما أدى إلى اعتراض البعض قائلين:إنَّه لم يمكث في القبر سوى يوم واحد ألا وهو: يوم السبت، وجزء من يوم الجمعة الذى دُفن فيه، وقام باكراً يوم الأحد..

الـــرد

اعتاد كتبة الكتاب المقدس، أن يطلقوا الجزء على الكل أو على اليوم، وهم في الحقيقة يُريدون جزء منه فقط، فعلى سبيل المثال: طلبتْ أستير الملكة أن يصوم قومها ثلاثة أيام، لكي تدخل إلى الملك (أس16:4)، في حين أنَّها في اليوم الثالث وقفتْ أمام الملك (أس2,1:5).

يوسف الصديق أمر بحبس إخوته ثلاثة أيام، ولكنَّهم في اليوم الثالث وقفوا أمامه وقد خاطبهم (تك42،18:17).

وعندما أتى يربعام والشعب إلى رحبعام، طالبين أن يخفف عنهم نير أبيه قال لهم: ارجعوا إليّ بعد ثلاثة أيام، فذهب الشعب (1أى5:10)، لكنَّهم جاؤا إليه في اليوم الثالث (1أى12:10).كما أنَّ العقل بل الشرع من عادته إطلاق اسم الكل على الجزء، مثل مَنْ يقول: رأيتُ فلاناً وهو لم يرَ منه إلاَّ لباسه فقط، أو بعض أعضائه الدالة عليه.

وعلى الرغم من أنَّ المقابلة تمتْ في جزء من المدينة إلاَّ أنَّه يقول: لقد رأيتُه في مدينة القاهرة أو الإسكندرية..وقد يقول قائل: لقد قابلتُ اليوم صديقاً لي في اليوم الفلانيّ، وجلستُ معه يوماً.. ولا يشترط في ذلك أن تكون المقابلة طالتْ إلى يوم كامل، فربَّما كانت عدة ساعات.

هذا بالإضافة إلى أنَّ المسيح لم يقل: إنَّه يبقى في باطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ كاملة، بدليل أنَّه قال أكثر من مرَّة: إنّه في اليوم الثالث يقوم (مت21:16)، فلو أنَّه مكث في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ كاملة لكانت قيامته في اليوم الرابع لا الثالث كما وعد.ولمّا كان اليوم أو جزء منه، يُحسب في العادة يوماً، فإنَّ المسيح وقد أسلم روحه الإنسانية في الساعة التاسعة من نهار جمعة الصلب، ومكث في القبر يوم السبت بأكمله، وقام باكراً يوم الأحد، فإنَّ فجر الأحد يكون هو:اليوم الثالث الذي قام فيه السـيد المسيح كما قال.

السبت، 3 أبريل 2010

شهود مـوت المســيح

شهود كثيرون


انطلقت أرواح المصلوبين الثلاثة المعلقين على الجلجثة، ولف الصمت الربوة الحزينة، وخلا الجبل من البشر، هدأ كل شئ، لا صوت إنما حركة الطبيعة وحدها هى التى يُسمع صوتها، ضباب كثيف كأنه أشباح هائمة، برق ورعد، زلازل واضطراب عظيم قد سرى فى المدينة المقدسة.. لقد تكلمت الطبيعة لتؤكد حقيقة الصلب، وما أجمل الطبيعة عندما تتكلم، فهى دائماً صادقة ولا تعرف الكذب الذى أصاب البشر!


إن حقيقة الصلب حقيقة مؤكدة، أما الشهود فكثيرون، ففى وسط الجو المظلم الذى غطى سماء الجلجثة، حيث خرجت ضجة الشعب كصوت البحر المضطرب يصرخ " أُصلبه أُصلبه " خرجت أصوات الشهود ترتل أُنشودة الحب الإلهى، وإن كان الترتيل يغلب عليه نغم الحزن! فمن عالم الطبيعة، ستشهد الشمس التى أظلمت، والصخور التى تشققت، والأرض التى تزلزلت، والقبر الذى وضع فيه مخلصنا..ومن عالم النبات، ستشهد الشجرة التى أخذوا منها خشبة الصليب المقدس، والقصبة التى وضعوا عليها الإسفنجة المملؤة خلاً ليسقوه، ونبات الزوفا..

ومن البشر سيشهد بيلاطس وهيرودس واليهود الذين حاكموه زوراً وصلبوه، وسمعان القيروانى الذى حمل صليبه، والعسكر الذين اقتسموا ثيابه، والجندى الذى طعنه بالحربة فى جنبه، والنساء اللواتى كن حاضرات، ويوسف ونيقوديموس اللذان كفناه، واللص اليمين الذى آمن به على الصليب، وقائد المئة والذين معه ..

ستشهد أيضاً الخمرة الممزوجة مراً التى قُدمت له وقت عطشه، والدم والماء اللذان خرجاً من جنبه عندما طُعن بالحربة، وحجاب الهيكل الذى انشق، وأجساد القديسين الذين قاموا من الأموات..

ونظراً لكثرة شهود الصلب، سوف نتحدث عن بعض منها، لا لتأكيد حقيقة الصلب، فحقيقة الصلب مؤكدة، وإنما لدراسة الظروف التى صاحبت موت المسيح وتفسيرها.

الشمس المظلمة


عندما ولد المسيح ظهر نور غير عادى فى صورة نجم لينبئ المجوس بميلاد المسيح (مت2 : 2) ولذلك كان لائقاً أن تظهر ظلمة غير عادية لتنبئ بموته لأنه هو نور العالم (مت27 : 45) الذى جاء ليشرق بنوره على الجالسين فى كورة الموت وظلاله ( مت 4 : 16).

لقد أخفت الشمس أشعتها، وكأن الأرض لا تستحق بعد نورها، وابتدأت السماء أمام أنظار الجميع تكسوها ظلمة حالكة، ليس فوق جبال اليهودية فقط، بل فوق الأرض كلها، وهل كان ممكناً أن تُرسل الشمس أشعتها وشمس البر خالقها على الصليب عريان!

لم تستطع الشمس أن تنظر عرى خالقها فحجبت نورها حزناً، وهكذا القمر لم يرسل هو الآخر ضوءه، لأن نور العالم رُفع على الصليب، العالم المادى فى حالة حزن، وها هو يرتدى ثوب الحداد الأسود، لأنه لم يرَ من قبل شراً هكذا، أما الإنسان الذى كان أولى بالحزن ، فلم يحزن، وإن كانت قلة قد بكت، إلا أن بكاءها أشبه بنقطة ماء سقطت فى بحر سرعان ما تلاشت.


قال مار يعقوب السروجى

" أظلمت الشمس وهرب النور وانتهى الشعاع، لبس الجو لوناً مكمداً بألم عظيم، الشمس والقمر انحجبا كسام ويافث لئلا ينظرا نوحاً مفتضحاً، قالت الشمس كيف أُشرق على الخليقة وشمس البر العظيم على الصليب ! وبأى وجه يُظهِر النهار نوره وسيده عارٍ بين اللصوص ! صار الظلام باباً أخفى العريان خلفه، حتى لا يرى الصالبون النجسون عُرى سيدهم ! "


إن هذا الظلام ليس إلا إعلاناً على رفض اليهود حياة النور، لأنهم أحبوا الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة (يو3 : 19) ولأنهم رفضوا أن يخلعوا عنهم أعمال الظلمة ويلبسوا أسلحة النور (رو13: 12) صاروا مثل اللصوص الذين يسرقون فى الظلام (أى 24 : 16) وقد انطبق عليهم قول الكتاب:

" اَلْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَسْلُكُ فِي الظَّلاَمِ" (جا2 : 14)، " أَيْضاً يَأْكُلُ كُلَّ أَيَّامِهِ فِي الظَّلاَمِ " (جا5 : 17) أما نهايته فإنه " يَذْهَبُ وَاسْمُهُ يُغَطَّى بِالظَّلاَمِ" (جا6 : 4) .


فيا أيها النهار لماذا هربت واختفيت؟ لماذا خفت وأظلممت؟ وأين هو نورك أيتها الشمس يا ذات الإشراق والإشعاع؟ من أعماك؟ لماذا انطفأت؟ هل حقاً كنتِ حزينة على صلب خالقك؟ أم كنت تبكتين الخطاة الذين أنكروا خيراته وإحساناته؟!


حجاب الهيكل المنشق


كان الحجاب يفصل بين القدس وقدس الأقداس، الذى لم يكن ممكناً أن يدخله أحد إلا رئيس الكهنة وحده مرّة واحدة فى السنة، ليكفر عن نفسه وعن جهالات شعبه ... فلما مات المسيح، إنشق الحجاب إلى اثنين من فوق إلى أسفل (مت27 : 51). وهذا إنما يشير إلى الآتى:


الحزن


قديماً عندما كان يسمع إنسان خبر موت أحد أقربائه أو أصدقائه كان يمزق ثيـابه، كما حدث مع أيوب الصديق الذى مزق جبته ما أن سمع خبر موت أولاده (أى1 : 20).


فإن كان تمزيق الثياب من علامات الحزن الشديد، يكون إنشقاق حجاب الهيكل إشارة إلى حزن الهيكل على صلب المخلص، وكيف لا يحزن الهيكل والكاهن الأعظم مقدم الذبائح يُذبح ويُقدم كمحرقة على مذبح الصليب!


إنتهاء النظام الموسوى


كان الهيكل معداً لتقديم الذبائح، التى كانت ترمز إلى المخلص الذبيحة الحقيقية، فلما أتى المرموز إليه وذُبحت الذبيحة الحقيقية على الصليب بطل الرمز فانشق الحجاب إلى اثنين، ليعلن ظهور الحمل الحقيقى الذى جاء ليرفع خطايا العالم..


وعندما قال السيد المسيح قبل صلبه أنه ابن الله (مر14: 61-63) مزق رئيس الكهنة ثيابه.. وقد كان هذا العمل تأكيداً لزوال الكهنوت القديم لابتداء كهنوت العهد الجديد، ولم تعد الحاجة بعد إلى هيكل، الذى بدأ خرابه بانشقاق حجابه إلى اثنين، وإنتهى بالهدم على يد تيطس الرومانى سنة (70م ).


إتمام السلام


كان الحجاب يحجب رئيس الكهنة وهو فى قدس الأقداس عن الشعب .. فلما انشق أصبح من السهل أن يرى الشعب رئيس الكهنة بلا حجاب، بل وكل ما فى الهيكل أصبح منظوراً، وهذا إنما يشير إلى أن المسيح رئيس كهنتنا الأعظم أوجد لنا سلاماً بيننا وبين الله .. لقد كان الضمير مثقلاً بآلام كثيرة من شدة الخطية، ولكن لما انشق الحجاب إذ تم الفداء ، صار لنا سلام فياّض، وأصبح لنا الحرية أن ندخل إلى قدس الأقداس ونرى كل ما فيه.


شق الخطية


تسلطت الخطية على البشرية آلاف السنين، إلا أن المسيح له المجد الذى وقف مرة يقول لليهود : "من منكم يبكتنى على خطية " (يو8: 46) استطاع أن يشقها بموته، ويكسر شوكتها بصليبه، ويحررنا من سلطانها، أتى إلى عالمنا قدوساً طاهراً بلا عيب، وحمل عقابها فى جسده ومات على الصليب ليُميت سلطانها.. غلبها وداس عليها فأصبح من السهل أن نتركها وننتصر عليها.

زلزلة الأرض


وكما أظلمت الشمس ولم تعطِ ضوءها ، حزناً على صلب خالقها شمس البر، الذى يضئ المسكونة كلها ببهاء مجده، هكذا الأرض أيضاً تزلزلت (مت27:51) معلنة حزنها وعدم رضاها، عما فعله الساكنون عليها بصلبهم مخلص البشرية، الذى جاء ليصلح السمائيين مع الأرضيين بدم صليبه، ويحّول الأرض الملعونة إلى أرض طاهرة، بسقوط دمه الطاهر عليها .

لقد جاءت الزلزلة علامة واضحة، تعلن عن سلطان المصلوب وجبروته، فهو ليس ضعيفاً كما ظن اليهود، إنما هو الذى " أُسُسُ السَّمَوَاتِ ارْتَعَدَتْ وَارْتَجَّتْ، لأَنَّهُ غَضِبَ" (2صم22: 8) وفى نفس الوقت شهدت ببراءة المصلوب وشر صالبيه، كما أنها حددت مستقبل العالم القديم، أنه معد للدمار وأنه سوف يطرأ عليه تغيير عظيم.


ويخيّل إلىّ أن يهوذا أسرع بالصعود نحو الكواكب، فضعفت أجنحته وهبطت به إلى الهاوية، فحدثت ضجة أو زلزلة عظيمة ليس لها مثيل ضاعفت من زلزلة الأرض ، أو كأن أنفاس الملائكة هيجت نسمات الليل فانقلبت ريحاً شديدة لتمزق الخطاة وتجرفهم كالغبار إلى أعماق الهاوية.


لقد تزلزلت الأرض كأنها خافت أن تفتح فمها لتقبل دم المسيح الأثمن من دم هابيل، الذى عندما قبلته لُعنت من أجله (تك4: 11، 12) وكأنها استعدت لفتح فمها، لابتلاع أولئك العصاة المتمردين الذين صلبوه، كما ابتلعت من قبل بنى قورح من أجل جريمة أقل من هذه (عد 16).


تشقق الصخور


أراد اليهود تفتيت الصخرة الروحية على الصليب، فتفتتت الصخور الحجرية لتعلن سخط الله على الأشرار، وفى نفس الوقت كانت وعظاً وإنذاراَ لليهود ومن معهم، الذين أظهروا بأعمالهم أن قلوبهم أشد قسوة وصلابة من الصخور، فالصخور لانت وأما قلوبهم فلم تلن، وعنادهم لم ينثنِ ! ولهذا قال أحد الآباء: " وأما تشقق الصخور فقد كان لتبكيت الذين قلوبهم لحمية كما يزعمون، وكيف الصخور لقتله تشققت وهم الذين يقرأون الناموس لم تلن قلوبهم ولم تتخشع ليغفر لهم بكثرة تحننه ".


لقد صرخت الحجارة حزناً على خالقها، ومن شدة صراخها تشققت، لعل الشعب الذى لم يؤمن يخزى ويتوب عن شره.. أحست الحجارة بالظلم الذى حل بالمسيح أكثر من اليهود قساة القلوب، الذين سوف يفتشون قريباً عن نقر فى الصخور وشقوق فى المعاقل، وذلك لكى تخبئهم عن وجه الجالس على العرش (إش2: 11) (رؤ6: 16)، وهنا نتذكر قول السيد المسيح للفريسيين: " إِنْ سَكَتَ هَؤُلاَءِ فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ ! " ( لو19: 40).


ولكن شكراً لليهود فقد شقوا يسوع صخرتنا الروحية، لكى نختبئ فى شقوقها، كما اختبأ موسى فى شق الصخرة فى حوريب .. فنرى من هناك مجد الرب كما رآه هو (خر33: 22) ولكى تفيض من شقوقها ينابيع مياه حية نشرب منها فلا نعطش إلى الأبد.

قيل عن حمامة المسيح إنها اختبأت فى محاجئ (مخابئ) الصخر (نش2: 14) أى احتمت فى جراح الرب يسوع الصخرة المنشقة.


تفَتّح القبور وقيام أجساد القديسين


كانت القبور أيام السيد المسيح، عبارة عن حفرة فى الأرض، أو صخرة مسدودة بحجر مثل القبر الذى دُفن فيه المسيح وتفتح القبور بعد حادثة الصلب (مت27: 52) يعنى: إن المسيح بموته أبطل سلطان الموت، وبقيامته أعطانا عربون القيامة الأبدية، فلم يعد للموت سلطان على القديسين، ولا للقبور قوة أن تغلق أبوابها على أولاد الله، أما قيامة أجساد القديسين، فكانت من المعجزات التى تمت بعد أن أسـلم المسيح روحه، ولعل الهدف منها هو الآتى:

توبيخ اليهود


فقد قال أحد المفسرين : إنهم عندما دخلوا أورشليم بعد قيامتهم وتعرفوا على أقاربهم، كان الأحياء يسألونهم عن حياتهم وعن الموت والأموات.. أما هم فكانوا يسألونهم عن الذى حدث منذ ثلاثة أيام... ما الذى عملتموه ؟ فكان الأحياء يقولون: لم نفعل شيئاً .. فيقولون: أما عرفتم أن الأرض ارتجت وتزلزلت أساساتها ، فيقول الأحياء: إن رجلاً ضالاً صُـلب بيننا، فيقولون لهم: الويل لكم فإن الذى أدعيتهم أنه ضال هو الذى أقامنا بقوة لاهوته وأمات الموت ودحض الهاوية..

إثبات حقيقة قيامة المسيح


فالسيد المسيح لو لم يقم من الأموات ما كان أقامهم من الموت إذ كيف يقيم الميت ميتاً ؟ أما السبب فى أنهم دعوا قديسين ، هو إيمانهم بالسيد لمسيح قبل صلبه وقبل موتهم فلابد أنهم عاصروا المسيح والدليل: إنهم تعرفوا على الأحياء.

يُقال إنهم مكثوا فى أورشليم ثلاثة أيام لم يأكلوا خلالها شيئاً وبعد أن بشروا فيها عادوا إلى الفردوس الذى كان السيد المسيح قد فتحه وأدخل معه اللص اليمين


اللص اليمين


ثلاثة صلبان رُفعت على الجلجثة فوقها ثلاثة أجساد عارية، مزقها الجلد والضرب والجوع والعطش، وغمرها الطين والدم والدموع ، ثلاثة أجساد بشرية لا فرق بينها، فكلها ملطخة بالألم والجروح، وكلها تنزف الحياة قطرة قطرة، صليبان صُلب عليهما لصان ورب المجد كان فى الوسط فتم قول الكتاب " وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ" (إش53: 12).

كان يجب أن يحمل صليب يسوع بارباس، لكنهم اختاروا يسوع ليصلبوه، أما بارباس المدان فأطلقوه، لكن يسوع نهض وأما ذاك فقد سقط، لقد تحرر بارباس من قيوده ومشى مع الجمع وراء صليبه، وإذ لم يقدموه ضحية أو تقدمة للفصح ، إلا أنه كان رجلاً حياً يسير إلى قبره، وقد كان الأليق به أن يهرب إلى الصحراء حيث يحترق العار بأشعة الشمس، ولكنه مشى مع الذين أطلقوه ليلعن يسوع الذى على كتفية يحمل جريمته !


لقد صار يسوع بين اللصين كراع وسط خراف ضالة! وقد استطاع أن يعلن لنا أنه ديان العالم، ولهذا يقول مار يعقوب السروجى" هو الديان، فقد اختار أن يظهر الحكم على الجلجثة فأقام الخراف عن يمينه والجداء عن يساره".


فى نظر الناس كان المصلوبون بمثابة ثلاثة مجرمين، حكمت عليهم محكمة البشر بالموت، موت العبيد وقطّاع الطرق، موت الخونة وعتاة المجرمين، ولن تكف محاكم الدنيا عن إصدار أحكامها بالإعدام والقتل على الأفراد والجماعات، وحتى فى الموت عند بنى البشر ألوان ودرجات، موت للنبلاء والشرفاء، وموت للصعاليك والمجرمين !


أما اللصان فكان كلاهما يجدفان عليه فى أول الأمر (مت27: 44)، ولكن أحدهما وهو اللص اليمين لم يعد كذلك، بل آمن بالمصلوب رباً وإلهاً أما الآخر فظل أثيماً كما هو، رافضاً الخلاص إلى النهاية، ولما كانت يداه ورجلاه موثوقة كان يضرب بلسانه مجدفاً " إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا "، لكنّ الآخر كان ينتهره قائلاً " أمّا نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس فى محله، ثم قال ليسوع أذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك، فقال له يسوع بنغمة مفعمة بحلاوة الغفران، ولاحت على وجهه أشعة شبيهة بذلك النور الذى ينبثق من أجفان الأطفال " الحق أقول لك إنك اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو23 : 39ـ43).

أية قوة أنارت هذا اللص حتى آمن بالمسيح ؟ أو من أعلمه أن يعبد هذا المحتقر الذى كان مصلوباً معه ؟ لا نعرف على وجه التحقيق، ما الذى كان له التأثير المبارك على هذا اللص، محوّلاً قلبه بهذه الصورة الفريدة وهو الذى قبل ذلك اشترك فى حملة التعيير ضد يسوع، ربما صلاة رب المجد يسوع المؤثرة فى طلب الغفران لقاتليه، فاعتقد اللص أن الذى يغفر لقاتليه لا يمكن أن يكون قد ارتكب ذنباً يستحق عليه الموت ! ولابد أنه كان يرغب فى حياة التوبة.. ولهذا عندما كشف الله له القناع، استخدم هذا النور لمنفعته وفائدته، فقد استطاع من خلال هذا النور أن يرى مجد الفادى وسط الظلام الذى كان يحيط بالصليب ! ولهذا لم يقل اللص يا معلم أو يا سيد، ولكنه نادى المسيح بلقب الجلال " يارب " وبذلك أعلن للواقفين أن هذا الذى يظهر كالدودة التى داستها الأقدام هو ملك المجد السماوى!


لقد صرخ اللص وتضرع فى ثقة كاملة لكى يذكره الرب فى ملكوته، فياله من بشير للمسيح فى ظلمة ليل الآلام، ياله من نجم ساطع يرشد كل الذين يريدون ميناء الراحة فى بحر الحياة العاصف، ياله من إيمان جديد يعطينا برهاناً جديداً على أن أعمق أسرار السماء تتكشف لأى إنسان تنبه ضميره فجأة وأحس بحاجته للخلاص ولو كان يلفظ آخر أنفاس حياته !!

أنت بحق سارق ماهر أيها اللص، استطعت أن تسرق الجوهرة الثمينة، ولكن هذه المرة بإيمانك وليس بمكرك وخداعك.. لقد تعودت النهب والسرقة ويبدو أنك لم تشبع بما سرقت فجاهدت لتسرق الملكوت العالى الذى لا يقدّر بمال.. لم يكفك غنى العالم الذى سرقت ونهبت منه الكثير، فسعيت لتسرق الحياة الجديدة التى غناها لا يحد ، وها أنت قد نلت.

أنت لص وسيظل هذا الاسم يتبعك حتى وأنت قائم فى الخزانة العظيمة، يحيط بك الذهب والمعادن الكريمة من كل ناحية.

فطوباك ثم طوباك أيها اللص الطوباوى، وطوبى للسانك الحسن المنطق، الذى به تأهلت بالحقيقة لملكوت السموات وفردوس النعيم.

قائد المئة والذين معه


كان قائد المئة على رأس قوة من الجنود لحراسة الصليب (مت 27: 54) والجنود يكونون عادة قساة القلوب ولا تتأثر مشاعرهم كسائر البشر، لا بعوامل الخوف ولا بعوامل الشفقة، وكانوا رومانيين أى وثنيين لا يعرفون الكتب، ومع هذا آمنوا واعترفوا بألوهية المسيح وببنوته لله ! فكيف آمن الوثنيون، الذين لم يكونوا بعد يعرفون النبوات، ولم يتتلمذوا عند قدمى معلمى اليهود ؟ لابد أنهم رأوا فى يسوع شيئاً فريداً لم يروه فى أحد من قبل، تُرى ما هو هذا الشئ ؟ لنبدأ القصة:


بعدما ارتفع ابن الإنسان فوق خشبة الصليب، وبعد أن سُمّرت يداه ورجلاه فى وحشية وقسوة، وتفجرت الدماء من كل أنحاء جسده ، ظل المصلوب يحمل ابتسامة على شفتيه المغطاتين بالدماء، ونظرات الحب تشع من بريق عينيه، وكلمات الصفح تخرج من شفتيه، يغفر لصالبيه، يشيع الأمل فى اللص اليمين، يحن إلى أمه ويطلب من يوحنا أن يرعاها.. كل ذلك أثار دهشة القائد ، فآمن أن المصلوب ليس إنساناً عادياً بل شخصاً يفوق البشر أو أحد أبطال الأساطير التى سمع عنها ! فنطق بلهجة عسكرية رومانية وكأنه يؤدى للقائد العظيم تحية الوداع الأخير ، وقال " حقاً كان هذا ابن الله " (مت27: 54) فكانت هذه العبارة أعظم تحية يقدمها قائد رومانى لقائد آخر يشعر بعظمته، وسموه، ونبله، فى الحياة وفى الموت.


نه اعتراف بأن المصلوب لم يكن إنساناً كباقى البشر، أو نبياً مثل الأنبياء الذين قتلتهم روما، ولكنه شخص آخر غير كل هؤلاء.. فالقائد لم يؤمن بقوة المسيح التى انبثقت منه فى عنفوان شبابه، ولكنه آمن بالقوة عندما انبثقت منه فى وقت ضعفه، وقد تخلى عنه الأحباء والأصدقاء، وحين أُحيط بالأعداء والحاقدين من كل ناحية، وحين رأى الموت يسعى إليه على طريق ملئ بالأشواك، ولم يفقد هذه القوة النابعة من كيانه!

لقد التفت القائد إلى أعماق المتهم ، إلى كلماته ، إلى نظراته، إلى صلاته، لقد أيقن أن المصلوب وإن كان إنساناً بالجسد، إلا أنه يحمل فى كيانه البشرى طاقة إلهية لا تُرى، إلا لمن كان له بصيرة روحية، وقلب خاشع ملتحف بالنور.. وهكذا آمن بالمسيح حين رآه يتشح بالجلال فى مواقف المذلة والهوان ! ويتشح بالنبل والسمو وقد أحاطت به كلاب الحقد والتعصب والكراهية ! وحين رآه يتدفق حباً وقد غلب بحبه كل قوى الأعداء ! ورآه يفيض نوراً ومن حوله تتكاثف الظلمات!


لا ننكر أن اليهود قد رفضوا الاعتراف ببنوه المسيح لله ، لكن الله لا يترك نفسه بلا شاهد، ففى الوقت الذى رفض فيه اليهود الاعتراف بألوهية المسيح وبنوته لله، وكانوا يعيرونه بأنه لا يمكن أن يكون ابن الله لأنه لم يستطع أن ينزل من على الصليب (مت26 : 63 ، 64 ) نرى قائد المئة والجنود الذين معه يقدمون هذه الشهادة وهى خلاصة الإيمان المسيحى: حقا كان هذا هو ابن الله.

يقول الأنبا بولس البوشى

" القائد والجند الذين معه لما نظروا الآيات الكائنة مع الزلزلة التى حدثت عند إسلام الروح خافوا جداً وخشعت قلوبهم، وبفعل المصنوعات استدلوا على الصانع وقالوا : " حقاً كان هذا هو ابن الله ".