مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الأحد، 19 ديسمبر 2010

زمن ميلاد السيد المسيح


يصعُب على الباحث في التاريخ الكنسيّ الوصول إلى جدول دقيق، سُجلت فيه حوادث المسيحية الهامة في القرن الأول الميلاديّ، وقد نشأت هذه الصعوبة عن عدة عوامل أهمها الآتي:

1- اعتزال المسيحيون الأُول شئون العالم، ونفرهم مادياته لأنَّ " سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ " (في2:3).

2- اعتقاد المسيحيون قُرب نهاية العالم " هَيْئَةَ هَذَا الْعَالَمِ تَزُولُ " (1كو31:7)، فاهتموا بما يقودهم للسماء، ولِذا بدأوا وهم على الأرض يعدّون أنفسهم للحياة الأبدية.

3- لم يسرد المسيحيون حوادث تاريخية ولم يعنوا بتوقيتها، إلاَّ إذا كان الغرض منها تهذيب النفس روحيّاً، وصقلها بالمعرفة والفضيلة

لكنْ حدث في القرن السادس الميلاديّ (524م) ، أن طلب البابا بونيفاشيوس (619- 625م) من راهب يُدعى " ديونيسيوس أكسيجون " المُلقب بالصغير أو السكّيثيّ، الذي كان متولّيّاً نظارة السجلات البابوية في روما، أن يحسب بدقة تاريخ ميلاد المسيح، فبحث وانتهت حساباته إلى سنة (753 من إنشاء مدينة روما).

وقد بنى ديونيسيوس حساباته على المعطيات الآتية:

1- قول مُعلّمنا لوقا الإنجيليّ: " َفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ " (لو1:3،2)، وقد بدأ المسيح رسالته بعد ذلك بقليل.

ولأنَّ بعض مصادر التاريخ الرومانيّ، تذكر أن " طيباريوس قيصر" خلف الامبراطور " أُغسطس قيصر" عام (767 من إنشاء مدينة روما)، فالمسيح إذن- كما رأى- يكون قد بدأ رسالته عام (782 من إنشاء مدينة روما) : (767 + 15 = 782)।

2- فهم ديونيسيوس ما جاء في (لو23:3) " كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً "، على أنَّ المسيح كان عمره ما يقرب من (30 سنة)، أي (29 سنة).

3- وهكذا حدد ديونيسيوس ميلاد المسيح في عام: (753 من إنشاء مدينة روما) (782 – 29 = 753).

ولكن هذه النتيجة لا تتفق مع مُعطيات الإنجيل الثابتة، التي تذكر بوضوح أن ميلاد المسيح حدث في أيام هيرودس الملك (مت1:2)، ومن الأكيد أن الميلاد كان قبل وفاة هيرودس ببضعة أشهر على الأقل، كما يتضح من أخبار: زيارة المجوس، وقتل أطفال بيت لحم، والهروب إلى مصر، ثم العودة إلى الناصرة (مت2).

ويُعطينا " يوسيفوس " المؤرخ اليهوديّ المعاصر للمسيح (37– 95م)، معلومات ثمينة نستطيع بواستطها أن نحدد بكل دقة سنة وفاة هيرودس الملك:

1- فهو يخبرنا أنَّ هيرودس قد نال لقب ملك اليهودية، من مجلس الشيوخ الرومانيّ وذلك في عهد القنصلين " دوميسوس كالفينوس Domitius calvinus وأزينيوس بوليون Asinius pollion "، اللذين شغلا هذا المنصب عام (714 من إنشاء مدينة روما)

2- كما يذكر أن وفاة هيرودس الملك، كانت في السنة الـ (37) من مُلكه ، قبل الفصح وبعد خسوف القمر بمدة قصيرة ونستنتج من ذلك أنَّ هيرودس قد توفى في عام: (750 /751 من إنشاء مدينة روما) (714 + 36/37 = 750 /751).

ولكنْ أورشليم لم تشهد أي خسوف قمريّ عام (751من إنشاء مدينة روما)، وإنَّما تتحدّث الوثائق القديمة عن خسوفين قد حدثا قبل ذلك:

الأول: كان في (15سبتمبر عام749 من إنشاء مدينة روما)، ولكن هذا التاريخ يبتعد كثيراً عن ميعاد عيد الفصح، الذي يقع فئ شهر نيسان العبريّ والذي يوافق (مارس/ أبريل).

الثاني: حدث في (12/ 13 مارس عام750 من إنشاء مدينة روما)، ويتفق هذا التاريخ مع عيد الفصح، الذي وقع في تلك السنة يوم (11 أبريل).

من الأكيد إذن أنَّ وفاة هيرودس قد حدثت قبل فصح عام (750 من إنشاء مدينة روما)، أي أنَّه يسبق التقويم الحالي بحوالي (4 سنوات) على الأقل، أي عام (749)، وليس عام (753 من إنشاء مدينة روما).

من هذه المعلومات يتبين لنا أنَّ ديونيسيوس قد أخطأ في حساباته لسببين:

+ فمن جهة لم يحدد القديس لوقا سن المسيح بدقة، وإنَّما فقط يقول إنَّ يسوع كان عمره " نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً " لمَّا بدأ خدمته العلانية (لو23:3).

+ ومن جهة أُخرى تؤكد مصادر تاريخية كثيرة، أنَّ " طيباريوس قيصر " اشترك مع " أُغسطس قيصر " في الحكم، قبل وفاة أُغسطس بحوالي سنتين على الأقل، أي عام (765 من إنشاء مدينة روما)، ولكن ديونيسيوس يحسب السنة الخامسة عشرة من مُلك طيباريوس قيصر، اعتباراً من عام (767 من إنشاء مدينة روما) .

وتعرف الكنيسة هذه الحقائق كلها، بل العالم كله يعرف خطأ ديونيسيوس، وإنَّما يتعذر عليها الآن أن تقوم وحدها بتغيير التقويم الحاليّ، ولا سيَّما بعد أن أخذت به كل بلاد العالم.

عيد الميلاد في التاريخ

إنَّ كل من يرجع للتاريخ القديم، لا يجد أي أثر للاحتفال بعيد ميلاد المسيح في فجر المسيحية، ويرجع ذلك لعدة أسباب:

1- كان الاحتفال بعيد القيامة يستقطب كل شيء، وقد استمر يوم الأحد بمثابة عيد فصح أُسبوعيّ، ثم ظهرت بعد ذلك رغبة شديدة، في الاحتفال بواحد من آحاد السنة بطريقة مُميَّزة كونه عيداً للقيامة

2- كانت الكنيسة ترى أن الاحتفال بأعياد الميلاد هى عادة وثنية يجب نبذها، وقد صرّح أوريجانوس في أوائل (ق3)، بأنَّ الكنيسة لا تنظر بعين الرضى إلى مثل هذه العوائد، وأشار إلى أنَّ الكتاب المُقدَّس لم يذكر إلاَّ عيد ميلاد فرعون وهيرودس، فأحدهما في نظره وثنيّ والثانيّ كافر

3- أما السبب الثالث فهو روحيّ فقد رأت الكنيسة، أنَّ عيد ميلاد القديس الحقيقيّ يوم نياحته ودخوله السماء، ولهذا عندما بدأت تُكرم الشهداء والقديسين في (ق3م)، صارت تحتفل بذكراهم في يوم استشهادهم.

من هذا نفهم عـدم اهتمام الكنيسـة الناشئة، بالبحث عن تاريخ ميلاد المسيح والاحتفال به.

لكنَّ الفكر المسيحيّ بدأ يتطور، وأدرك المسيحيون أنَّ المسيح يمتاز عن الرسل والشهداء والقديسين بكونه مُخلّصاً وفاديّاً.. ولهذا فكل حدث تاريخيَّ في حياته له معنى لاهوتيّ وقيمة خلاصيّة لا يُستهان بها وبالتالي لا يجوز تجاهلها.. ولأنَّ التجسّد هو أول حلقة في سلسلة الفداء، فكان ولابد أن تبحث الكنيسة عن يوم ميلاد المسيح ولو على وجه التقريب، كما أنَّ المناظرات العنيفة من (ق 4- 6) حول لاهوت المسيح وتجسّده، قد ساهمت في تزايد أهمية العيد.

ويحاول البعض نسبة عيد الميلاد إلى الرسل، مستندين في ذلك إلى ما جاء في الدسقولية: " يا إخوتنا تحفَّظوا في أيام الأعياد التي هى عيد ميلاد الرب وكمّلوه في خمسة وعشرين من الشهر التاسع الذي للعبرانيين، الذي هو التاسع والعشرون من الشهر الرابع الذي للمصريين (كيهك)

إلاَّ أنَّ كتاب الدسقولية متأخر العهد، وذلك بشهادة العلماء والمؤرخين الكنسيين، فقد ظهر في سوريا، وهو من مدونات القرن الثالث الميلاديّ وقد رفض الدارسون أن يكون كاتب الدسقولية أحد الرسل، وإلى الآن لم يستطع أحد أن يتعرّف على كاتبها، أمَّا اسم الدسقولية أو تعاليم الرسل، فيقصد به واضعها أن يُقدّم صورة واضحة ومختصرة لتعاليم المسيح كما علّمها الرسل للأمم.

في القرن الثاني، ومن كتابات القديس أكليمنضس السكندريّ (150-215م)، نعرف أنَّ أتباع باسيليدس قد أقاموا عيداً خاصاً للاحتفال بظهور الرب(الغطاس) في (11طوبة = 6 يناير) وكرَّسوا عشية هذا العيد للصلاة وقراءة الكتب الدينية

أمَّا باسيليدس فهو أحد رؤساء جماعات الغنوسيين، أو العارفين بالله كما يُترجم اسمهم، وهو المؤسس الأول للمدرسة الغنوسيّة في مصر سنة (130م)، وقد انحرفوا في معتقدات كثيرة أخطرها بدعتهم أنَّ المسيح إنسان كسائر البشر، ثم أصبح ابن الله في عماده، عندما حل عليه الروح القدس على هيئة حمامة، وتبناه الآب بقوله: " هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ " (مت17:3).

ولكن لماذا تم اختيار يوم " 6 يناير " بالذات كميعاد ثابت للاحتفال بالعيد؟! يرجع ذلك إلى اعتقاد كان سائداً لدى سكان الإسكندرية، يُوحي بأنَّ مياه النيل تنال في هذا اليوم قوة عجائبية خاصة، تمنح الشفاء لكل من يستخدمها بسبب إلقاء جسد الإله أوزوريس فيها، كما كانت الإسكندرية تحتفل فى نفس اليوم بعيد ميلاد إله المدينة " إيون " وهو حسب اعتقادهم ابن العذراء " كوري " وهى على وجه الترجيح " إيزيس ".

فماذا فعلت الكنيسة إزاء هذه المعتقدات الفاسدة؟

شجبت بدعة باسيليدس وأتباعه، ولكنها ظلت تحتفل بعيد ظهور ابن الله ولكن ليس حسب مفهومهم الخاطيء، فكانت تُقيم عيد الميلاد في (5 يناير) مساءً، وتحتفل بالعماد في صباح اليوم التالي أي (6يناير).

وهكذا بقيت الكنيسة تُقيم العيدين معاً فترة من الزمن، ثم فصلت أحدهما عن الآخر، فبقي عيد الغطاس كما هو في (6يناير)، وتم نقل عيد الميلاد إلى (25 ديسمبر)، ولا ندري متى تم هذا الفصل بالتحديد، فالأرجح أنَّ كنيسة روما هى التي قامت بهذه الخطوة في عهد البابا يوليوس الأول، في الفترة ما بين (336 – 352م)، ولا تزال القضية بين يدي علماء التاريخ

نستطيع أن نقول: إنَّ روما هى أصل نشأة عيد الميلاد، كما أنَّ الإسكندرية أصل نشأة عيد الغطاس، ولكن عيد الغطاس متقدّم في الزمن عن عيد الميلاد الذي لم يظهر إلاَّ في وقت متأخر نسبياً، ففي مطلع القرن الثالث لم يكن عيد الميلاد معروفاً، لكن في هذا الوقت ظهرت محاولات مختلفة لتحديد تاريخ عيد ميلاد المسيح، ويؤكد هذا ما جاء في كتاب " حساب الفصح " المنسوب للقديس " كبريانوس " أسقف قرطاجنة (200- 258م)، والذي يضع ميلاد المسيح في (28 مارس).

أمَّا في منتصف (ق4) كانت روما تحتفل بعيد الميلاد في (25 ديسمبر)، وأول ذِكر محقق لذلك ورد في التقويم الفيلوكالي

فما هى الأسباب التي دفعت كنيسة روما إلى الاحتفال بميلاد المسيح في (25 ديسمبر)؟ أغلب المؤرخون يعتقدون أنَّ سبب ذلك اليوم يرجع إلى سببين:

الأول: لاهوتيّ.

الثاني: رعويّ.

فمن المعروف أنّ مجمع نيقية سنة (325م)، قد أعلن أُلوهيّة المسيح منذ ميلاده، فكان ولابد من رفع الالتباس الناتج عن الاحتفال مع أتباع باسيليدس بعيد الظهور الإلهيّ، ثم تقييم ذكرى الميلاد وكشف رموز هذا السر العظيم وإظهار معانيه، وهذا يعني ضرورة فصل العيدين، فبقى عيد الغطاس في (6يناير= 11 طوبة)، ونُقل عيد الميلاد إلى (25 ديسمبر).

أمَّا اختيار يوم (25 ديسمبر) فقد فرضه على الكنيسة داعٍ رعويّ محض، فمن الواضح أنَّ يوم (25ديسمبر) يقع في الشتاء، وحوادث الميلاد تؤكَّد أنَّ المسيح لم يولد في الشتاء، لأنَّ الكتاب المقدس قد ذكر أنَّ الملاك عندما بشّر الرعاة، كانوا ساهرين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، ولا يُعقل أنَّهم في الشتاء القارص يسهرون فى العراء (لو8:2).

فالذي حدث هو الآتي:

إنَّ الإمبراطور الرومانيّ أوريليان (270 – 275م)، قد أدخل في سنة (274م) إلى العاصمة الرومانية، الاحتفال بالشمس التي لا تُقهر في (25 ديسمبر)، ومن علماء الكنيسة من يقول:

إنَّ يوم (25 ديسمبر) كانت تُجرى فيه الاحتفالات بعبادة الإله " مثرا Mithras "، إله النور عند الفرس الأقدمين للميلاد وقد ذُكر اسم " مثرا " كأحد الآلهة الهندية في القرن السادس عشر قبل الميلاد، كشاهد قوى على معاهدة أُبرمت بين ملكين، ولمَّا ظهرت الديانة الزَرَادشتية انتقل " مثرا " من غرب آسيا إلى بلاد فارس (إيران)، وأطلقوا عليه لقب إله النور، ثم ارتفعت مكانته حتى صار حارس البشرية في كل مكان، ومراقب كل المعاهدات، والمنتقم من كاسرى العهود، والمنتصر في كل الحروب..

وأخيراً دخل " مثرا " إلى الإمبراطورية الرومانية، وبدأت ديانته تنتشر من بدء حكم القيصر تراجان، وقد عُرفت باسم الديانة المثرية "Mithrsism "، ويرجع سبب انتشارها بهذه السرعة وهذا العمق، إلى عساكر الجيوش الرومانية الذين اعتنقوها وحملوها إلى أي مكان ذهبوا إليه، ثم إلى أسرى الحروب الذين حملوها معهم إلى روما قلب الدولة الرومانية.

هذه هى ديانة " مثرا " وفيها نجد التشابه الكبير بينها وبين ديانتنا المسيحية في طقوس كثيرة، كالمعمودية والمائدة المقدسة واختبار الموت والقيامة مع الإله.. ولكن ما الذي يميّز المسيحية عن الديانة المثرية؟

الفرق العظيم هو أنَّ المسيحية بُنيت على حقيقة تاريخية ملموسة، ومركزها هو شخص حقيقيّ عاش في التاريخ ومات ثم قام.. أمَّا ديانة مثرا فهى طقسية بُنيت على أُسطورة لا أساس تاريخيّ لها هى من خيال الإنسان، الذي يُريد الخلاص من التعاسة والإحساس بالخطية والخوف من الموت وضمان الخلود لنفسه

إذن فعيد ميلاد الشمس شرقيّ الأصل، فهو جزء من عبادة الإله " مثرا "، وهى ديانة وثنية ذات طقوس سرية يعرفها من يعتنقها، ومركزها عبادة الشمس الإله غير المقهور، فالشعوب القديمة كانت تعتقد أنَّ الشمس تسير في طريقها إلى الموت بسبب ضعف حرارتها في الشتاء، حتى تصل إلى أقصى الضعف يوم (21 ديسمبر) ثم تبدأ بعد ذلك في الحياة.

أو بمعنى آخر إنَّ الشمس تولد من جديد كل عام في (25 ديسمبر) وهو اليوم الذي فيه تعود الشمس إلى الارتفاع في كبد السماء، فيطول الليل وترتفع درجة حرارتها، كأنَّ الشمس قد استعادت قواها وانتصرت على قوى الظلام! وتكريماً لهذا الإله كان الرومان يقيمون الألعاب ويشعلون النار ويسجدون للشمس..

ونظراً للاحتفالات العظيمة التي كانت تُقام في هذا العيد، انقاد المسيحيون الذين لم يكن إيمانهم قد كمُل للتيار الوثنيّ، وراحوا يكرمون هم أيضاً الشمس! فلمَّا أرادت الكنيسة أن تحمي وتُبعد أبناءها عن هذه المعتقدات الوثنية الفاسدة، نقلت عيد الميلاد إلى هذا اليوم، وبهذا المنهج في فهم سيكولوجية الشعوب، نجح الغرب في استبدال عيد الشمس بعيد ميلاد المسيح، الذي وصفه ملاخd النبيّ بـ " شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا " (ملا2:4)، و" النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ " (يو9:1)، وقد ساعد على ذلك أنَّ المسيحية قد صارت الديانة الرسمية في الإمبراطورية الرومانية، في عهد قسطنطين الملك في (ق4م).

يقول (بروفسير شيرني) أُستاذ المصريات بجامعة أُكسفورد:

إن اختيار (25 ديسمبر) الذي كان يوافق (29 كيهك) قبل التعديل الغريغوريّ، تاريخاً لميلاد المسيح واحتفالات الكريسماس، هو تخليد لعيد الشمس القديم للاحتفال بميلاد " رع " إله الشمس، وهو يعرف بالمصرية القديمة باسم " ما سو رع " أي " ميلاد رع "

هذا وقد جاء في قاموس أُكسفورد: ومثل عيد الميلاد عيد الفصح، تحوّل من عيد وثنيّ إلى عيد مسيحيّ

وفي منتصف القرن الرابع كانت روما تحتفل بعيد الميلاد في هذا التاريخ (25 ديسمبر)، كما يظهر في التقويم الفيلوكاليّ سنة (354م).

وقد أشار القديس أُمبرسيوس أسقف ميلانو (ق4)، إلى ذلك بقوله: " إن المسيح هو شمسنا الجديدة ".

وقد حث القديس أُغسطينوس مسيحيّ إفريقيا الشمالية فى (ق5)، على السجود في يوم (25 ديسمبر) لا للشمس بل لخالق الشمس

لكن كنيسة روما لم تكتفِ بأنْ تعيّد لميلاد السيد المسيح في (25ديسمبر)، بل راحت تسعى إلى نشره في الشرق أيضاً، فلقيت الفكرة في البداية بعض الاعتراضات، لأنَّ الآباء الشرقيين وجدوا أنفسهم في حيرة، عندما حاولوا تحديد يوم ميلاد المسيح، لأنَّهم لم يهتموا قبل ذلك بهذه المسألة، ولكن مساعي كنيسة روما كُللت أخيراً بالنجاح.

وكانت أول كنيسة تبنت هذا التقويم الجديد هى كنيسة أنطاكية سنة (375م)، في عهد القديس يوحنَّا فم الذهب، الذي روى في عظة ألقاها سنة (386م)، أنَّ كنيسة أنطاكية بدأت ممارسة عيد الميلاد منفرداً عن عيد الغطاس منذ (10 سنوات) فقط، اعتماداً على مراسلات جرت له مع كنيسة روما، التي كانت سبقت أنطاكية في تحديد زمن العيد بوقت كثير.

يقول القديس يوحنَّا ذهبيّ الفم

" والحقيقة أنه لم يمضِ حتى الآن سوى عشر سنوات منذ أن تعرّفنا على هذا اليوم ( يقصد به يوم الميلاد 25 ديسمبر)، وبالرغم من ذلك ها هو قد ازدهر هذا اليوم وانتشر بسبب غيرتكم، وكأنَّه قد تُسلّم لنا منذ البدء، وهكذا لا يُخطئ الإنسان لو قال إن هذا العيد جديد وقديم معاً، جديد لأننا قد عرفناه حديثاً، وقديم لأنَّه هكذا اكتسب مساواة مع الأعياد القديمة.. وهذا اليوم كان معروفاً منذ البدء عند رجال الغرب، غير أنَّه وصلنا أخيراً منذ مدة وجيزة.. "

ثم حذت القسطنطينية حذو أنطاكية ففي عام (380م) كانت القسطنطينية تحتفل بعيد الميلاد في (25 ديسمبر)، ونستدل على ذلك من عظة ألقاها القديس غريغوريوس النزينزيّ بطريرك القسطنطينية (330– 390م) عن عيد الميلاد في (25ديسمبر)، وعظة أُخرى عن الموضوع ذاته في نفس اليوم من العام التالي

وفى عام (380م) كانت كنائس قيصرية كبادوكية في آسيا الصغرى، تحتفل هى أيضاً بعيد الميلاد في يوم (25 ديسمبر)، ونجد الدليل على ذلك في الخُطبة التي ألقاها القديس غريغوريوس النيسي- أُسقف نيسُس بتركيا (340 – ..4م) فى هذه السنة لتأبين القديس باسيليوس أسقف قيصرية، فنراه يُميّز بوضوح بين عيد الميلاد وعيد الظهور الإلهيّ

ومنذ عام (432م) كانت الإسكندرية تحتفل بعيد الميلاد في (25 ديسمبر) وقد كان هذا التقليد مجهولاً قبل ذلك الوقت، لأنَّ القديس يوحنَّا كاسيان (360 – 450م)، يؤكد لنا:إنَّ الكنيسة في مصر كلها، كانت لا تزال في أيامه، تُعيّد الميلاد والغطاس معاً في عيد الإبيفانيا، حيث تأتي كلمة " الإبيفانيا " بصيغة الجمع، أي تشتمل على عدة ظهورات ألا وهى: الميلاد بالجسد. ظهور النجم للمجوس. استعلان بنوة المسيح لله في العماد بصوت السماء استعلان لاهوته بمعجزة قانا الجليل . يذكر لنا كاسيان هذا الخبر في كتابه الذي يرجع إلى عام (411 – 427م)، يقول فيه:

وفى إقليم مصر هذه العادة قديمة بالتقليد، حيث يراعى أنَّه بعد عبور الإبيفانيا، التي يعتبرها الكهنة في هذا الإقليم، الزمن الخاص بمعمودية الرب وأيضا ميلاده بالجسد، وهكذا يُعيّدون التَذكَارين معاً، ولا يعيدونهما منفصلين كما هو في إقليم الغرب، ولكن في عيد واحد في هذا اليوم "

ولكننا نرى بولس أسقف إيميس يُلقى عظة رائعة عن ميلاد المسيح في يوم ( 25 ديسمبر سنة ) في كنيسة الإسكندرية، في حضور البابا كيرلس عامود الدين (400- 432م)، ومنها نستنتج أنَّ هذا التقليد دخل إلى الإسكندرية قبل ذلك بقليل، أي حوالي سنة (430م)، قبل أن يُغادر كاسيان مصر وقد جاء في المجلد الخامس من قاموس : إنَّ عيد الميلاد أُدخل لأول مرّة في كنيسة مصر بالإسكندرية عام

: إن الاحتفال بهذا العيد رسمياً في كنيسة الإسكندرية، كان في عام (430م) دائرة المعارف الدينية والأخلاقية المجلد الثالث ص406 جاء ما يلي: ولا يمكن أن يُحدد بالضبط التاريخ الذي جُعل فيه يوم (25 ديسمبر)، عيداً رسمياً للسيد المسيح في الكرسي الإسكندريّ، ولكنّه يقع يقيناً بين (400 –

أمَّا أورشليم فقد ظلت متمسّكة بالتقليد القديم، أي تُقيم العيدين معاً في (6 يناير)، لكنَّ المقاومة زالت أخيراً في منتصف (ق5)، والدليل الأكيد على ذلك هو الموعظة التي ألقاها باسيليوس أسقف سلوقية في يوم عيد القديس إسطفانوس، ونراه فيها يمدح يوفينال أسقف أورشليم، لأنَّه أول من احتفل بعيد ميلاد المسيح في (25ديسمبر) في كنيسة أورشليم، وكان يوفينال بطريركاً على أورشليم من (424 – 458م)

بعد ذلك انتقل الاحتفال بعيد الميلاد في (25 ديسمبر) إلى سائر كنائس الشرق، وقد قبلت كنائس ما بين النهرين هذا التقليد في (ق14) فقط، واليوم لا يبقى سوى الكنيسة الأرمينية، فتحتفل في يوم (6 يناير) بعيد ظهور الرب مقترناً بذكرى الميلاد، أي بعيدي الغطاس والميلاد معاً.

كما ذكرنا أنَّ أصل عيد الميلاد الغرب ثم انتقل إلى الشرق، أمَّا عيد الغطاس فأصل نشأته كنيسة الإسكندرية، وعن طريقها انتقل إلى الغرب في النصف الثاني من (ق4)، وقد أصبح عيداً رسمياً في كل الكنائس منذ بداية (ق5)، وعلى إثر هذا التبادل في الأعياد أصبحت جميع الكنائس في الشرق والغرب تحتفل بعيد ميلاد المسيح يوم (25 ديسمبر)، وبعيد الغطاس في (6يناير=11 طوبة).

لكننا نرى الآن كنيستنا تحتفل بعيد الميلاد فى يوم فما هو سبب الانتقال من (25 ديسمبر) إلى (7 يناير)؟ إنَّ الأسباب فلكية محضة، ولا علاقة لها بالعقيدة أو اللاهوت أو الروحيات.فكنيسة الإسكندرية تسير على التقويم المصريّ القديم الذي يبدأ بشهر توت، وقد حددوا رأس السنة (1 توت) في يوم قران الشمس مع ظهور نجم الشعري اليمانية، وهو ألمع النجوم في السماء ويُسمى باليونانية " سيروس وبالمصرية " سبدت وبموجب هذا التقويم يبلغ طول السنة: (365 يوم + 6 ساعات).

فلمَّا أراد الأقباط بعد دخول المسيحية مصر، عمل تقويم خاص بهم ابتدأوا من سنة (284م)، وهى السنة التى اعتلى فيها " دقلديانوس" العرش، وقد عُرف تقويمهم بتقويم الشهداء، مع أنَّ دقلديانوس لم يضطهد الأقباط سنة (284م)، بل أصدر في (23 فبراير303م)، منشوراً يقضي بهدم الكنائس، وحرق الكتب المقدسة، وحرمان العبيد من الحرية إن أصرّوا على الاعتراف بالمسيحية.. وقد حسبوا السنة كما كانت: (365 يوم + 6 ساعات). أمَّا الغرب فكان يسير حتى عام (1582م) على التقويم اليوليانيّ، الذي يحسب طول السنة مثلنا تماماً، فمن المعروف أنَّ يوليوس قيصر قد كلّف العالم الفلكيّ السكندريّ بضبط التقويم الرومانيّ القديم، فوضع تقويماً جديداً في عام (45 ق.م)، عُرف باسم التقويم اليوليانيّ نسبة إلى يوليوس قيصر.

إذن فالشرق والغرب كانوا يسيرون على تقويم واحد من حيث طول السنة، فما الذي حدث وأدى إلى هذا الاختلاف؟ كان مجمع نيقية قد قرر وقوع الاعتدال الربيعيّ في (21مارس)، ففي هذا اليوم تتساوى عدد ساعات النهار والليل وتكون كل منهما (12) ساعة في كل أنحاء العالم.

لكن في عام (1582م) لاحظ البابا غريغوريوس بابا روما (1572 – 1585م) وقوع الاعتدال الربيعي في (11) مارس بدلاً من (21) مارس، إذن هناك فرق قدره (10) أيام، فلجأ إلى علماء اللاهوت ليعرف منهم السبب، فأجابوه بأنه ليس لديهم سبب من الناحية الكنسية أو اللاهوتية، فالأمر مرجعه إلى الفلك، فرجع البابا لعلماء الفلك، فأعلموه بأن السبب يرجع لحساب السنة، فبحسب التقويم اليوليانيّ يبلغ طول السنة: (365 يوم+6 ساعات) بينما السنة في حقيقتها التي يقرّها علماء الفلك هى: (365 يوم + 5 ساعات + 48 دقيقة + 46 ثانية).إذن هناك فرق قدره: (11دقيقة + 14 ثانية)، وهذا الفرق يُكوّن تقريباً (يوم) كل (128 سنة)، و (3 أيام) كل (400 سنة)، ومنذ انعقاد مجمع نيقية سنة (325م) حتى البابا غريغوريوس (1582م) كوّن فرقاً قدره (10 أيام)، فماذا فعل بابا روما لتلافي الخطأ؟ أجرى تصحيحاً عُرف بالتصحيح الغريغوريّ يمكن اختصاره في نقطتين:

1- من جهة الـ (10 أيام) الفرق، أصدر أمراً بأنْ ينام الناس يوم (4 أكتوبر) سنة (1582م)، ليستيقظوا يوم (15 أكتوبر) بدلاً من (5 أكتوبر)، أي بدل أن يقطعوا ورقة من النتيجة قطعوا 11 ورقة (ورقة اليوم + 10 ورقات فرق الأيام ).
2– ولضمان فروق المستقبل، وضع قاعدة بموجبها يتم حذف (3) أيام كل (400) سنة.

بعد إتباع الكنيسة الغربية التقويم الغريغوريّ سنة صار ميعاد عيد الميلاد في الشرق يختلف عنه في الغرب، وقد بلغ الفرق إلى الآن (13 يوماً)والسؤال الحائر لماذا نترك دورة الشمس تفرّق بين
من تجمعهم محبّة المسيح شمس البر؟

كيفيَّة ضبط التقويم؟

إنّ مسألة ضبط التقويم ليست عقائدية حتى تقلقنا، فقبل أن يجرى الغربيون تعديلهم أجراه وأيده علماء الفلك، فالمسألة إذن فلكية بحتة! فما الذي يضيرنا من ضبط التقويم وقد ضبطه غيرنا؟! إنها حالة يمكن تشبيهها بإنسان مات وترك ساعتين لابنيه ولكن غير مضبوطتين، واحد ذهب برضاه للساعاتي وضبط ما فيها من عيب، والآخر رفض وتشدد بأن هذه الساعة عزيزة علىّ لأنَّها ميراث من أبى وسوف أتركها كما هى، هذا هو شأننا!

ألسنا نتناول جسد الرب ودمه تحت أعراض الخبز والخمر، دون أن نسأل في حقل من زُرع القمح؟ أو بيد من غُرس أو حُصد أو طُحن..؟ ربَّما تكون يد مسيحي أو غير مسيحي، وما نقوله عن القمح نقوله عن نتاج الكرمة أيضاً.. وعلى صانع الصينية والكأس والذي وضع رسم الكنيسة وبناها.. فالكنيسة لا يهمَّها اليد التي صنعت، إنَّما الشخص الذي يقدّس والصلوات التي عن طريقها يتحوّل الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه.

بكل بساطة وبدون الدخول في تفصيلات، نبدأ سنة الشهداء في عام يُتفق عليه قبل موعده بـ (13 يوماً) - الفرق الآن بين السنة الميلادية وسنة الشهداء - وتسير المواسم والأعياد في موعدها بدون خلخلة، مثل إنسان عنده دولاب فيه كتب وحركه بما فيه (13سم)، هل حدث تغيير في صفوف الكتب والرفوف؟ وبذلك يصبح عيد الميلاد عندنا موازياً لـ (25 ديسمبر) ميعاد عيد الميلاد عند الغرب كما كان من قبل.

نفترض أنَّ قطاران قد خرجا من القاهرة إلى الإسكندرية ليصلا في وقت واحد، فسبق أحدهما الآخر في الطريق، فضاعف الآخر سرعته فوصل القطاران في وقت واحد، فهل يمدح واحد ويُذم الآخر؟! أمَّا لضبط فروق المستقبل فيمكن حذف (3 أيام) كل (400 سنة)، وهذه أيضاً ليست معضلة، فالسنوات القرنية التي لا تقبل القسمة على (400) يُحذف منها يوم، مثل السنوات (1700، 1800، 1900)، أما سنة (2000) لأنها تقبل القسمة على(400) بدون باقي فهى تُعد كبيسة، وهكذا كل حقبة مقدارها (400) فيتم حذف(3)أيام .