مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الأربعاء، 30 مارس 2011

مرض اسمه الخطية

" كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ وَكُلُّ الْقَـلْبِ سَـقِـيمٌ
مِنْ أَسـْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ "
( إش 1 :5 ).

الخطية مرض روحيّ وأدبيّ من أخبث الأمراض وأشرها، إذ يفتك بالروح ويقضي على الحياة.. هذا المرض أصاب البشر فأذلّهم وأضنك قواهم.. وإن كان البعض يظنون أنَّ المرض لا يُصيب إلاَّ الجسد فيضعفه ويقضي عليه، لكن الحقيقة إنَّ المرض لا يكون بضعف الجسد فقط بل بالخطية أيضاً، ومرض النفس أشد من مرض الجسد، ومرض الروح أصعب من كلاهما!

الخطية بشعة والمرض عضال، يبتلي النفس فيشل طاقتها ويجعلها مستحقة للنار الأبدية، إنها الشر المرتكب طوعاً وجرثومة القصد السييء، ونحن إذ نفعل الشر طوعاً نرتكب الخطية لقد فعلت الخطية في النفس أشر مما تفعل أخبث الأمراض في الجسم، إذ شوَّهت جماله، وجعلت منظر الإنسان كئيباً، والذاكرة مرضت بالنسيان، والضمير قد صار في إنحطاط، والقلب فقد الشعور بالرحمة والإحساس بالله، وبعد أن كان هيكلاً لله جعلته الخطية مقراً لإبليس وجنوده يأتوا ويسكنون فيه إذ في قلوب الخطاة يجدون راحتهم.

قال أحد علماء الغرب:

" إننا نحيا في عالم يحترق بنار الخطية، وفي كل بلد يموت ألوف البشر وهم مشوهون بنار الإثم، وياليت الإنسان كما يبحث عن الحقيقة العلمية، يبحث أيضاً عن علاج وحل لأخطر مرض أصاب البشرية ألا وهو: مرض الخطية " .

إنّها مرض مؤلم، تؤلم الجسد إذ تُصيبه بالأمراض التي ربَّما تقضي على حياة الإنسان، وتؤلم الروح إذ تفقدها سلامها فتهيم هنا وهناك، لعلّها تجد مستقراً لها ولكن دون جدوىالأبناء تحمَّلوا آلام الفقر والأجساد المشوَّهة والصيت الرديء نتيجة خطايا الوالدين؟!

وما أكثر الأقارب والأصدقاء والأصحاب الذين تلطّخت سمعتهم، بسبب أصدقاء السوءهى مرض مؤلم وأيضاً مرض مشوّه، وتستطيع أن تتحقق من هذا لو نظرت إلى وجوه الزناة والسكّيرين، الذين يقضون لياليهم بين جدران مغلقة ومظلمة، وكم من أُناس تشوَّهت خلقتهم وقُطِعت أعضائهم وقضوا حياتهم في عجز تام، بسبب الأمراض الخبيثة التي حلّتْ بهم نتيجة حياة النجاسة التي تمرَّغوا في وحلها.

قصة

طُُلِبَ من أحد مُصوّري فرنسا أن يرسم صورة ترمز إلى حياة (الطهارة)، فانتقى طفلاً جميلاً ذا صورة ملائكية، له من العمر خمس سنوات، ورسم صورته وكتب تحتها (الطهارة).. وتمر السنون وبعد عشرين سنة، طُلِبَ من نفس الفنان أن يرسم صورة لتكون رمزاً لحياة (النجاسة)، فماذا فعل؟ ذهب إلى (خمَّارة)، وبعد أن جال ببصره بين الحاضرين، رأى شخصاً له عينان غائرتان كشمس المغيب وهى تُطفأ أنوارها، ووجهه مصفر كأوراق الخريف المتساقطة على بقعة مُلوَّثة من الماء، فاصطحبه إلى بيته بعد أن اتفق معه أن يرسم صورته نظير مبلغ من المال، وحدث أثناء الرسم أنَّهما تجاذبا أطراف الحديث، وكان موضوع حديثهما حياة الرجل المدمن، وبينما كان الرجل يسرد سيرته، انتفضت يد المصور حتى سقطت الريشة على الأرض، وذلك لأنَّه علم أنَّ الشخص الذي يرسمه الآن، لكي يُقدّم صورته كرمز النجاسة، هو ذلك الطفل الذي رسمه من عشرين سنة وكتب تحت صورته الطهارة! وكان سبب التغيير في منظره.. إنّما هو الخطية!!

أقول هذا ليس لتهبيط عزائمكم، أو إدخال اليأس إلى قلوبكم.. ولكن للقضاء على فكر شرير قد سيطر على أُناس كثيرين، يوهمهم بأن يحيوا شبابهم كما يحلوا لهم، فالكنيسة لن تغلق أبوابها في وجوههم متى عادوا إليها، والكاهن لن يمنع عنهم غفران الله، وجسد المسيح موجود كل يوم على المذبح.. وهذا ما يحدث بالفعل، ولكن من أعلمهم أنَّ حياتهم ستستمر؟! ألا يأتي الموت كلص في ساعة لا نعلمها؟!

يُحكى عن شاب أدمن الزنى، فكانت النتيجة أنَّه أُصيب بمرض في عينيه، فذهب إلى أحد الأطباء فلمَّا كشف عليه، أدرك أنَّ حياة النجاسة التي يتمرغ في وحلها هى سبب مرض عينيه، فقال له: أنا لا أعدك بأنَّ عينيك ستعود كما كانت، ولكن إن كنت تريد أن تبقى كما هى الآن ولا تزداد سوءاً، فعليك أن تبتعد عن حياة النجاسة التي تحيا فيها.. فلمَّا سمع الشاب هذا الكلام أطرق ببصره إلى أسفل ونظر بحزن إلى الأرض، ثم رفع عينيه في ذل واستصغار وقال والألم يتموج في كلامه: أيها الطبيب أيسر لي أن أتخلى عن بصري، من أن أتخلى الجنس الذي قد أصبح كل شيء في حياتي!! ومن هنا جاءت العبارة القائلة: أمام مرض الخطية يعجز الأطباء!!

والحق إنَّ الخطية والمرض يتشابهان في أشياء كثيرة، فعلى سبيل المثال نجد أنَّ المرض والخطية:

يُضعفان المُصاب بهما

فمادام المريض مُلقى على الفراش فقوته إذن لابد أن تكون في ضعف، وهكذا أيضاً الخاطيء، إذا تملَّكت عليه الخطية تُصيبه بضعف تام، وإلى هذا الضعف قد أشار مُعلمنا بولس الرسول قائلاً: " لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ " (رو6:5).

وهذا الضعف الذي يشمل الجسد ويتملك الإرادة.. يجعل الإنسان معرّض للسقوط على الدوام أمام أقل تجربة، فمجرد نقد يُثيره، وكلمة جارحة تُغضبه، ورؤية منظر فاسد يُسقطه في الزنى..

يشوّهان جماله

ما من مريض إلاَّ ونراه: إمّا فاقد نضارة الوجه، أو مشوّه الأعضاء، وهكذا أيضاً الخطية تشوّه جمال الإنسان، وتجعل وجهه كما لو كان صحيفة باهتة ملتوية، كُتب عليها بقلم معوج يسيل منه حبر شيطاني وبلغة واضحة ذات أحرف بارزة: خاطيء وشرير! لأنَّ إبليس عندما يحل في قلب إنسان، يطبع صورته القبيحة على وجهه، حتى إنَّ كل من يقترب منه ويتعامل معه ينفر منه! إلاَّ إذا كان مثله فالطيور على أشكالها تقع!

يؤلمـانه

المريض هو إنسان لا يعرف طعم الراحة، بل يحيا في آلام مستمرة وعذاب دائم، وهكذا أيضاً الخاطيء، ولهذا يقول مُعلمنا داود النبيّ: " تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي، أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي، أُذَوِّبُ فِرَاشِي " (مز6:6)كما أنَّ الخاطيء يحيا بلا سلام لأنَّه شرير، وقد ابتعد بأعماله الشريرة عن الله القدوس مصدر السلام، وإشعياء النبي يقول: لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلَهِي لِلأَشْرَارِ " (إش21:17)، وها نحن نتساءل: كيف يحيا إنسان بلا سلام ولا يتألم؟!

كلاهما يعُم تأثيره باقي الأعضاء

فالألم الذي يُصيب عضواً في الإنسان يؤلم الأعضاء الأخرى، والضعف الذي ينشأ عن مرض أحد الأعضاء، يشعر الإنسان بتأثيره على باقي الأعضاء، وقد أشار معلمنا القديس بولس الرسول إلى هذه الحقيقة بقوله: " فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ " (1كو26:12).

والخطية التي تُصيب عضواً واحداً يعُم تأثيرها الجسد كله، فالكلمة الرديئة التي يتنجس بها لسانك، لا تنجس الجسد وحده بل سائر أعضاء الجسد " فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ، هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ " (يع6:3)، وهكذا النظرة الفاسدة " إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً " (مت23:6).

يفقدان الإنسان شعوره

عندما يشتد المرض تكثر الأدوية، التي يمكن أن تجعل الإنسان يفقد شعوره في أوقات كثيرة، كما أنَّ المرض يجعل الإنسان دائم التكفير في ذاته ووسائل شفائه.. وهذا يجعله يتمركّز حول نفسه، مما يدفعه في مواقف كثيرة إلى فقدان الشعور بالآخرين، وعدم التعاطف معهم والسؤال عنهم..والخاطيء أيضاً يحيا بلا شعور، لأننا نراه يسعي نحو اللذة بكل طاقته، ولكي يُحقق شهوته قد يسرق أو يقتل أو يكذب..

وهذه كلها عوامل تعلن أنَّه فقد التعاطف مع الآخرين، حتى وإن ظهر أمام كأنَّه يُعطي فإنَّ عطائه ليس عن حُب لأنَّ لا يعرفه ولم يختبره، بل من أجل تحقيق أغراض دنيئة وشهوات خبيثة..

كلاهما يؤدي إلى الموت

المرض إنْ لم يُعالج حتماً سيؤدي بالإنسان إلى الموت، وهكذا الخطية أيضاً تقود الإنسان إلى الموت الروحيّ إذ تفصله عن خالقة، والموت الأبديّ إذ تلقي به في نار جهنم، وفي هذا يقول معلمنا بولس الرسول: " أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ " (رو23:6).

ومعلمنا يعقوب الرسول يقول: " الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتاً " (يع15:1).

وقد جاء في سفر حزقيال النبيّ: " اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ (حز20:18.

الأحد، 20 مارس 2011

أمير يترك قصره ويرعى خنازير


في حديقة مترامية الأطراف، تتلاقى في جوانبها الأشجار وتتعانق الأغصان، وتُعطر فضاءها رائحة الزهور، كان يوجد قصر بديع فسيح، طلى الحب جدرانه، وغطى الحنان بلاطه، وكست تيجان الورود أعمدته في هذا المكان المعبق بأرواح الملائكة الحائمة في الفضاء، عاش الابن الضال ينظر الرياحين وهى تتمايل مرنمة أناشيد سليمان والعصافير مغردة مزامير داود..

ولكن عطر الربيع لا يدوم فقد أتى الخريف بزوابعه، فالفتى الغض الذى لم يذق بعد خمر الحياة ولا خلها يحرك جناحيه ليطير، سابحاً في فضاء واسع ملبد بالغيوم، وفى يوم قضى النهار أنفاسه بين تلك الحدائق، وغابت الشمس تاركة على الأشجار قبلة صفراء، جلس الابن وحده يتخيل مناظر هى في الحقيقة أشباح، فشعر بعاطفة غريبة بثتها أرواح الشر في قلبه، الذى اختلت نبضاته، ثم أخذت تنمو إلى أن لفت بذيلها السام الطويل عنقه كانت هذه الفكـرة الخبيثة الجهنمية أول فصـل فى رواية الابـن الضـال مع الخطيئة!

لقد ترك الابن قصر أبيه ليحيا كعصفور ميت فى زاوية قفص حبكت ضلوعه يد شيطان ماهر، وينطلق الابن مسرعاً فى طريق الموت، كما لو كانت أجنحة شيطانية قد حملته إلى بقعة انبثقت من الجحيم، فعاش بين قوم عراة من الفضيلة، فى مكان لا تظهر فيه الشمس ولا يطلع فيه القمر، بل يتشح بظلام وظلام، فبانت تلك الخرائب كأنها جبار يهزأ .

فى تلك اللحظات شعر وكأن يد ح
ريرية تبسط ثوبها على رأسه العارية لتغطى عاره، فنظر إلى السماء نظرة نائم أيقظه شعاع الشمس، فرأى طيف أبيه وتذكر عندما كان يسير معه والعفاف ثالثهما، والحب صديقهما، والقمر رقيبهما، ويعود الابن ويعانقه أبوه ويقبّل عينيه راشفة الدمع، وقال بصوت ألطف من نغمه الناي: إبني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد

وهكذا استيقظت الروح النائمة لأن فجر التوبة قد لاح ولم يعد أحد يسكب قطرة من مرارة الحزن، أو يذرف دمعة من دموع اليأس، لأن نسيم الصباح قد مر لتعود الحياة للزهور الحزينة النائمة!

لقد ذهب إلى كورة بعيدة ليشرب كأس الموت، فلمت الشمس وشاحها الذهبي، وجلست أسرته تذرف الدمع على طين داسته الأقدام لكنه عاد فعادت الشمس هى الأخرى تُشرق بأشعتها المذهبة لتعيد إليهم الحياة، ومشى الحبيبان – الابن وأبوه – يتعانقان بين الورود والأشجار، وقد علق كل منهما
على عنقه قلادة من ذهب قد كُتب عليها:

لقد جمعنا الحب فمن يفرقنا!

الأحد، 13 مارس 2011

دعوة للتوبة


إليك الآن نداء إلهيّ يقول: " الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ " ( مز95: 7،8)، فصوت الله يُنادي، يرن في الأُذن، عن طريق الأنبياء ينادى، وعن طريق الخدام يُنادي، بأعمال المحبة يُنادي، وفى التأديبات يُنادي لإيقاظ ضمائرنا وتنبيه عقولنا، صوت الرب يناديك لتهرب من نجاسات العالم، لتُنكر الفجور والشهوات العالمية وتعيش " بالتَعَقلْ واَلَبرْ والتَقوىَ " (تي12:2).

ضع في اعتبارك أنَّ كل وقت يمضى وأنت بعيد عن الرب، تزداد الخطية تأصّلاً في قلبك، وما لا تُتممّه اليوم قد لا تُممّه في الغد، لأنَّ الحياة: " بُخَارٌ يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ " (يو14:4)، أليس مكروباً صغيراً لا يُرى بالعين كافٍ أن يقضى علينا؟! ولا تنسى الميتات الفجائية التي تقضي على الإنسان فى لحظة، فكم من أُناس خرجوا من بيوتهم سالمين، وعادوا إليها محمولين على الأكتاف، فالوقت مُقصّر والأيام شريرة، ولأتفه الأسباب يموت الإنسان "! لأنَّ سمة الإنسان الأساسية ليس قوته بل ضعفه.

إنَّها دعوة الآن للخروج من سجن إبليس المظلم، والانحلال من قيوده، انتهر هذا الصديق الشرير وتحرر من صداقته الفاشلة، وقل له: قد أفنيت حياتي في خدمتك! لكنى لم آخذ منك سوى الحزن والألم والخزي والعار والفقر والمرض॥ لقد وجدت من هو أحسن منك، يسوع حبيبي الذي سأصادقه مدى الحياة، لأنّه لا يأخذ منى شيئاً بل يُعطيني بسخاء ولا يُعيرني، يُعطيني محبّة، فرح، سلام... التي هى ثمار روحه القدوس، أنت تجرح وهو يعصب جروحي، أنت تُميت وهو يحيى، أنت تهلك وهو يُخلّص ما قد هلك، أنت إلى الموت تُسلمني وهو إلى الحياة الأبدية يقودني.

قد أوشكت حياتك أن تغرق فى بحر العالم المملوء إثماً والمضطرب بأمواج الشر، ولكي تعبر لابد من سفينة، وليس هناك أفضل من سفينة التوبة ذات الأشرع الحريرية والمجاديف الذهبية، نستطيع بها أن تصل إلى بر الأمان.

لا تيأس فالأرض مهما امتلأت أشواكاً، بمجرد أن تُفلح تصير جيدة وصالحة للزراعة، فابدأ من الآن بحرث تُربة قلبك من جديد، إجمع أشواكها واحرقها بنار الحُب الإلهيّ، وأروها بماء التوبة، وألقِِ عليها بذار الإيمان والرخاء، وتأكد أنّها سوف تثمر، ولا تقل: إنّي سقطت ولا أستطيع القيام، فاليأس من حيل الشيطان، وهو الذي قاد يهوذا الإسخريوطيّ إلى الانتحار! فما أكثر الذين قد سقطوا وقاموا من قبلك، وها سليمان الحكيم يقول: " الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ " (أم16:24)، وكيف لا نستطيع القيام والمسيح قد وضع لسقوط وقيام كثيرين؟ (لو34:2).

تطلّع إلى راحاب الزانية، التي سقطت مراراً، وقد لقبت بالزانية، كيف عندما تابت قبلها الرب، وزادها شرفاً بأن جاء من نسلها المسيح؟ وانظر إلى السامرية والحياة الفاسدة التي عاشتها، لقد عاشت مع ستة رجال في الخطية، ولكن ما أن تقابلت مع يسوع ورأت الطهارة تملأ عينيه، تحرَّكت عواطفها النبيلة، فآمنت وبشَّرت بعريسها السماوى (يو18:4)، وتأمّل سقطة داود الملك والنبيّ العظيم॥ كيف زنى وقتل؟! ألا يستحق هذا الزاني الموت رجماً بالحجارة كما تنص الشريعة، لكنه تاب ونظر الله إلى توبته أكثر مما نظر لسقطته.

ظلت مريم المصرية (17 سنة) تحيا فى الخطية وبسببها قد هلك شبان كثيرون، ولكنها عندما تابت قبلها الله وصارت قديسة عظيمة، وها نحن الآن نُطوّبها ونطلب شفاعتها، أيضا أُغسطينوس كان يشرب الإثم كالماء، وقد وصل به الفساد أن أنجب طفلاً من الزنى، ولكنّه عندما عزم على ترك الفساد ليحيا مع الله قَبِله فرحاً.

فتقدم إلى الطبيب وأسكب أمامه دموعك، فالطبيب السماويّ يريد أن يشفى جراحاتك بدموع التوبة الصادقة، فهى أعظم دواء لأخطر داء، ولا تخف منه فهو ليس قاسياً، ولا عديم التحنن، ولا فاقد الرحمة، ولا يستعمل دواء مضراً ومؤلماً، لتكن لك الثقة فى المراحم الإلهية، فالله على استعداد أن يقبل توبتك ويغفر لك، ولو كنت على فراش الموت، هذا ما فعله السيد المسيح مع اللص اليمين وهو فى آخر لحظات حياته.

الجمعة، 11 مارس 2011

عصر القلق 1

إنسان اليوم يمكن وصفه بصفات كثيرة أهمها القلق، فهو قلِق وهمومه كثيرة، وكثيراً ما يتساءل عن مصيره وعائلته وأمواله في عصر سادت فيه السرقة والنهب، بل ساد الظلم والإرهاب..!! ملايين من البشر في أنحاء العام يتألمون من شدة الكبت، ومن كثرة مظالم لا تُحصى ولابد لهم أن يتساءلوا:


لماذا الظلم والطغيان ؟! لماذا الضغوط والصراعات ؟! لماذا الذل والقيود إن كان الله خلقنا لنعيش أحراراً ؟! وثمة ألوف من البيوت المحطمة والمزعزعة، التي خلت جدرانها من الفرح، وقد صارت أشبه بمستشفى كبير للأمراض النفسية والعصبية يتساءلون: أين سطور الفرح في كتاب حياتنا ؟! هل تظل أنفسنا بين جدران مظلمة تتنفس هواءً مفعماً بالكراهية ؟! إلى متى نرتدي ثياب الفقر المبطنة بأنفاس الموت ؟!


إننا نحيا في عصر يتألم فيه الأبرار والخطاة على السواءعصر يذبح الشر الخير بسيف حاد علناً وعلى مرأى من جميع الناس.. وهذا دفع البعض أن يتساءلوا: هل رسالة الإنسان في الحياة أن يحيا بوجه حزين، مكتئب رغم ما في الحياة من متع، وما في الطبيعة من جمال، ورغم ما في الإنسان من رغبة في التمتع بكل ما في الطبيعة من جمال ؟! أين بذور السعادة التى وضعها الله في قلوبنا ؟! لماذا طُرحت على الصخر لتلتقطها الغربان وتذريها الرياح ؟!


وفي ظل المشاكل الاقتصادية المعقدة، نرى ملايين البشر يذبحهم الجوع ذبحاً، والبشرية في أماكن كثيرة تئن ثراءً وشبعاً وتخمة، ملايين يموتون جوعاً، وملايين غيرهم يموتون تعذيباً واضطهاداً، لأن الزعماء في أماكن كثيرة يسجنون الحرية ويقيدون الفكر ويقتلون الإبداع، وكل هذا يجعلنا نتساءل: أى عالم هذا الذي نعيش فيه ؟! إنسان يموت جوعاً وإنسان يمـوت شبعاً! إنسان يموت بالحرية وإنسان يموت بالعبودية !!



أسئلة كثيرة يطرحها المتألمين، وما أكثر البلدان التي تنتابها ويلات الحروب وفيها مؤمنون أتقياء يتساءلون: لماذا صارت الأرض كأنهار من الدماء ؟! لماذا يستبد الغنى بالفقير، والقوي بالضعيف ويريد أن يقضي عليه وينهب خيراته ؟!

هؤلاء وغيرهم يتساءلون:
لماذا.. لماذا.. لماذا...
؟؟

قال شاب: أُريد أن أحيا حياة مسيحية مثالية، أواظب على الكنيسة، أُصلى، أخدم ولكن كيف يتحقق هذا ؟! كيف أستقر روحياً وأنا غير مستقر لا فكرياً ولا نفسياً ولا جسدياً ؟! فمنذ أن تخرجت وحصلت على شهادتي الجامعية، وأنا دائم البحث عن عمل، أى عمل حتى ولو كان لا يناسبني، وكثيراً ما أتساءل: أليس من حقي أن أعمل ! أليس من حقي أن أتزوج ! أليس من حقي أن أتمتع بالحياة ! أليس من حقي أن أعبد ربي..!! إن تفكيري في مشاكل العصر قتل صلواتي وسلب تأملاتي وأضعف روحياتي وقضى على خدماتي !!


هنا فقط أدركت خطورة كلمة (لا أعمل)، التي صارت مصدر قلق للكثيرين، قد لا تظنها مشكلة، ولكن علماء النفس والاجتماع بدأوا يدركون خطورتها، وما ينتج عنها من قلق وعدم استقرار، وأيضاً من شر وفساد.. فانتشار البطالة زاد من حِِدة وقسوة الفراغ، وهنا أصبح الملل مشكلة جديدة وأيضاً كبيرة، فعندما تزداد نسبة البطالة، وعندما يوجد وقت فراغ أكثر، تكثر أبعاد مشكلة ( ماذا نفعل ؟ )، ماذا نفعل لنواجه متطلبات الحياة وتحديات العصر؟! ماذا نفعل لنشغل الفراغ ونقتل الوقت ؟! ماذا نفعل لنثبت وجودنا بين الناس ؟! فحيث البطالة هناك الفراغ والملل والفساد، فما من خطية إلا سببها الفراغ، وحيث البطالة هناك أيضاً تدهور في مستوى التعليم، وانحطاط قيمة الدارسين! فبسبب اللهث الجنوني وراء لقمة العيش، صار أصحاب الحرف ملوكاً جالسين على عروش تحملها ثرواتهم، أما أصحاب الفكر والمعرفة فصاروا أُجراء تحت قبضتهم، يتحكمون في مصيرهم كما يشاؤون، فتحقق قول سليمان الحكيم: " الجهالة جُعلت في معالي كثيرة والأغنياء يجلسون في السافل، قد رأيت عبيداً على الخيل، ورؤساء ماشين على الأرض كالعبيد " (جا10: 6،7).

إن كلمة متعلم تعني لا مركز ولا وظيفة، تعني اليوم

إنساناً عاطلاً لا يملك حتى نفقاته الشخصية، ويبقى

السؤال الحائر هنا: من هم الذين يبنون المجتمع ؟!

منذ سنوات مضت كانت نسبة الانحراف قليلة لو قورنت بهذه الأيام، فالزواج في سن مبكرة كان متاحاً للجميع، أما الآن فلم تعد الأمورهكذا، فحيث لا عمل لا مال، وحيث لا يوجد مال لا يكون أيضاً زواج، وهذه آفة ما أشر ضررها على الأسرة والمجتمع، فالبتولية الإجبارية، أعنى العزوبية، غالباً ما تقود الإنسان إلى الانحراف..

وهل ننكر أننا نحيا في عصر وصل فيه الانحراف إلى قمته! فشباب اليوم أكثر قلقاً وانحرافاً من أمس، والشابات أصبحن أشد قلقاً وانحرافاً منهم، فما أكثر القصص التي تُحكى هذه الأيام عن الشذوذ والخيانات والإدمان قصص لم نكن نسمعها أو نقرأ عنها من قبل !!

قصـة

هل تصدق أن طالبة في الإعدادية تصبح مدمنة !! لا تتعجب فقد نشأت الفتاة في أسرة ممزقة، وهذا سر ضياعها، فالفتاة كانت تُقيم مع والدتها المُطلّقة، التي عادة ما تسافر للخارج تاركة لها سيارتها الفاخرة تتحرك بها أينما تشاء، وأموالاً كثيرة لتشتري ما يحلو لها من مأكولات وملبوسات، وشقة فاخرة تدعو إليها ما تُحِب من صديقات وأصدقاء، لقد عاشت الفتاة في حرية كاذبة، دون أن تفهم معنى الحرية، أو تملك مقومات الحفاظ عليها، فحدث في أحد الأيام أن تعرفت في النادي على (شلة) وأصبحت هذه (الشلة) لا تنفصل، في الصباح يلتقون في النادي، وفي المساء في أحدى صالات الديسكو، لكن يبدو أن (الشلة) قد ملّت الالتقاء في الأماكن العامة، فانتهزوا فرصة سفر والدة الفتاة للخارج وطلبوا أن يسهروا في شقتها، وبسهولة استجابت الفتاة وبدأت سهرتهم المشحونة بالفساد، وفجأة في منتصف الليل سُمع صوت طرق شديد على الباب، ففتح شاب فوجد ضابطاً ومعه حملة للقبض عليهم !!

لقد كانت (الشلة) تحت المراقبة منذ ظهورهم بشكل مريب في صالات الديسكو، وكم كان المشهد مذهلاً ومؤسفاً، إذ وجدوا شاباً يمسك بيد الفتاة يعطيها حقنة هيروين، وبعض أفراد (الشلة) يشاهدون فيلماً جنسياً، والبعض الآخر في أوضاع مخلة، فتم القبض عليهم وأودعت الفتاة في مؤسسة الأحداث.والآن من الجاني ومن الضحية في هذه الكارثة ؟!

++ إن الجاني هو أولاً : التمزق الأسري الذي أدى إلى انفصال الأب عن الأم، وإهتمام الأم بنفسها تاركة ابنتها دون أية رعاية أو رقابة، فالمال لا يعوض الأبناء عطف وحنان والديهم، وغالباً ما يقود إلى الانحراف خاصة في مرحلة المراهقة.

++ وهو ثانياً : ضعف الرقابة في الأندية على ممارسات الشباب داخلها، فقد أعلنت الفتاة أن بعض المسئولين عن الرقابة في هذه الأندية يبيعون السم لمن يريده من الشباب داخل الأندية।


++ وهو أولاً وثانياً وثالثاً : غياب دور الدين والقيم في حياة هؤلاء المخدوعين بوهم المخدر، فلو كانت الفتاة متدينة لكان الدين كفيلاً بحمايتها، وحماية غيرها من السقوط في بئر الإدمان.