مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الجمعة، 23 ديسمبر 2011

بابا نويل

و شخصية حقيقية واسمه القديس نيقولاوس، ونحتفل بعيد نياحته في العاشر كيهك..؟؟ وكان من مدينة مورا، اسم أبيه ابيفانيوس وأمه تونة. وقد جمعا إلى الغنى، الكثير من مخافة الله. ولم يكن لهما ولد يقر أعينهما ويرث غناهما. ولما بلغا سن اليأس، تحنن الله عليهما ورزقهما هذا القديس، الذي امتلأ بالنعمة الإلهية منذ طفولته.

ولما بلغ السن التي تؤهله لتلقي العلم، اظهر من النجابة ما دل علي إن الروح القدس كان يلهمه من العلم أكثر مما كان يتلقى من المعلم. ومنذ حداثته وعي كل تعاليم الكنيسة. فقدم شماسا ثم ترهب في دير كان ابن عمه رئيسا عليه، فعاش عيشة النسك والجهاد والفضيلة حتى رسم قسا وهو في التاسعة عشرة من عمره.

وأعطاه الله موهبة عمل الآيات وشفاء المرضي، حتى ليجل عن الوصف ما أجراه من آيات وقدمه من إحسانا وصدقات.. ومنها انه كان بمدينة مورا رجل غني فقد ثروته حتى احتاج للقوت الضروري وكان له ثلاث بنات قد جاوزن سن الزواج ولم يزوجهن لسوء حالته فوسوس له الشيطان إن يوجههن للعمل في أعمال مهينة، ولكن الرب كشف للقديس نيقولاوس ما أعتزمه هذا الرجل، فاخذ من مال أبويه مائة دينار، ووضعها في كيس وتسلل ليلا دون إن يشعر به أحد وألقاها من نافذة منزل الرجل، وكانت دهشة الرجل عظيمة عندما وجد الكيس وفرح كثيرا واستطاع إن يزوج بهذا المال ابنته الكبرى.

وفي ليلة أخرى كرر القديس عمله والقي بكيس ثان من نافذة المنزل، وتمكن الرجل من تزويج الابنة الثانية.

إلا إن الرجل اشتاق إن يعرف ذلك المحسن، فلبث ساهرا يترقب، وفي المرة الثالثة حالما شعر بسقوط الكيس، اشرع إلى خارج المنزل ليري من الذي ألقاه، فعرف انه الآسف الطيب القديس نيقولاؤس، فخر عند قدميه وشكره كثيراً، لأنه أنقذ فتياته من فقر. إما هو فلم يقبل منهم إن يشكروه، بل أمرهم إن يشكروا الله الذي وضع هذه الفكرة في قلبه.

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

أنشودة الميلاد


لقد ولِدَ أنبياء وملوك كثيرين.. لكنَّ السماء لم تزفهم كما زفت المسيح يوم ميلاده العظيم، فالملائكة أبت أن تترك رئيس جند السماء وحده، فتركت مسكنها ونزلت إليه لتُعلن عن بهجتها بميلاده العجيب! فأشرقوا بنورهم وشقوا ببهائهم الظلام، تقدّمهم الضياء وصار قدامهم اللمعان، فحوّلوا الليل نهار والأرض سماء، وأعلنوا أنَّ ابن الله جاء ليضئ على الجالسين في الظلمة، وليطرد بنوره السماويّ جيوش الظلام المعادية، وامتلأ الهواء المفعم بالغيرة والحقد والكراهية، امتلأ بذبذباتهم الروحية، وتمايلت الأغصان متهلّلة عندما عزفوا على قيثارات الحُب تسابيح المجد والسلام والسرور.


المجد لله في الأعالي

لقد مجّدت الملائكة الله الساكن في الأعالي، لأنَّها رأت شيئاً عجيباً لم تره من قبل، لنتأمل إلهاً قدوساً منزهاً عن كل شر وقادر على كل شيء، يترك الأحضان الأبوية والأمجاد السماوية... ليشترك معنا في الطبيعة البشرية، بادئاً حياته في حقارة المذود، ألا يستحق هذا الإسراف في التصاغر أن نتعجب ممجدين الله؟!
لقد رأت الملائكة الشمس تقف بواسطة يشوع بن نون، ولكن هاهم الآن يرون شمس البر خالقهم قد وضع في مذود حقير للبهائم! رأت العُليَّقة مشتعلة بنار ولم تحترق ، وهاهم يرون اللاهوت متحداً بالناسوت دون أن يمسه بأذية! قد رأوا عصا هرون اليابسة تُخرج أزهاراً، والآن يرون عذراء تحبل وتلد بغير زرع رجل! معجزات كثيرة وغريبة رأوها، ولكنَّهم الآن يقفون أمام أُعجوبة العجائب وسر الأسرار، الأمر الذي يستحق أن يهتفوا له قائلين: المجد لله في الأعالي!
غير أنَّ بيت لحم إحدى زوايا الأرض الحقيرة تُرينا مشهداً عظيماً يُذيع مجد الله، ففيها نلمس الضدين: الإله الأزليّ الغير محدود متَّحداً بجسد بشريّ! ومولود من عذراء لا في قصر بل في مذود للبهائم! فهل خسر الله بعضاً من عظمته في تنازله واتّضاعه؟ كلا! وهل خسر شيئاً من محبته في رأفته ورحمته وغفرانه؟ لقد غزا يسوع قلب الإنسان وامتلكه إلى الأبد بحُبّه وحنانه، وانتزع كبرياءه بتنازله واتّضاعه، فلولا تواضع المذود ومذلّة الصليب لَمَا عرفت أنَّ الله محبة فانجذبت بمحبته، ولولا تواضعهما ما جثوت على ركبتي أمام حقارة مذوده.
لا نُنكر أنَّ أيَّة مدينة تسمع بقدوم رجل عظيم تستعد لاستقباله، ولكن بيت لحم كانت تجهل أمر ملك الملوك يوم مولده، ولم تجهّز له مكان لائق بعظمته، وبينما كان الأغنياء يتنعمون في قصور طُلت جدرانها بالذهب، كان سيد الكون غريباً في عالم ملكاً له، وعندما لم يجد مكان بين الناس نزل ضيفاً على مملكة الحيوان، لأنَّه كان يعلم أنَّ الإنسان الذي على صورته خلقه سوف يهينه ويرفضه وبأيدي الأثمة سيصلبه ويُميته، ولكن ألم يأتِ أباطرة روما وفراعنة مصر وملوك العالم ليسجدوا له أمام مذوده؟
لقد تواضع ابن الله ونزل إلىّ ليرفعني إليه، ولهذا لا يسعني سوى أن أهتف مع الملائكة قائلاً بصوت ملؤه الحب : " المجد لله في الأعالي ".

وعلى الأرض السلام

كان السلام سائداً يملأ أركان الفردوس وذلك قبل السقوط، ولكن منذ أن دَخَلتْ الخطية العالم نُزع السلام، وملأ الخوف قلوب البشر، ألم يحيا الإنسان مع الله فرحاً، وماذا بعد السقوط؟ أصبح يخشى التطلّع إليه حتى إنَّه عندما ناداه " أيْنَ أَنْتَ؟ " قال آدم: " سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ " (تك10:3).
وبعد طرده من الجنة، شهر ضدّه سيف الكروبيم (تك4:3)، فاشتد قلق الإنسان وفقد طعم السلام، ولم يعد الله يُعلن ذاته إلاَّ في وسط لهيب النار، حتى إن بني إسرائيل لما رأوا الجبل مضطرماً عند ظهور الله في جبل سيناء قالوا لموسى: " تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ " (خر19:20).
وهكذا اعتقدوا أن رؤية الله لا يلحقها سوى الهلاك ولا سيَّما أن الله صرّح قائلاً " لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ " (خر20:33)، أتتذكرون قول منوح أبو شمشون " نَمُوتُ مَوْتاً لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللَّهَ! " (قض22:13).
ومع أن الله قد وضع ناموساً عادلاً، إلاَّ أنه زادهم خوفاً واضطراباً، لأنَّه كما قال مُعلّمنا بولس الرسول: " لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلاَ نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟ " (أع10:15)، حتى الذبائح التي تكفر عن الخطايا كانت تُذبح ، فكانت السكين متعطشة دائماً لسفك الدماء! وكل هذا إعلان عن زوال السلام حتى إنَّ الرؤساء كانوا يُنادون: " سَلاَمٌ وَلَيْسَ سَلاَمٌ " (حز10:13)، وقال إرميا النبيّ: " لَيْسَ سَلاَمٌ لأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ " (إر12:12) .
وظل الحال هكذا طوال مدة العهد القديم، فكان الجميع يرجون إتيان ملك السلام لكي يُعيد الطمأنينة إلى قلب الإنسان، وقد رأوه كثيرين بعين الإيمان من بعيد، مثل إشعياء النبيّ الذي قال: " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّا ًرَئِيسَ السَّلاَمِ " (إش6:9) .
أمَّا الأمم الوثنية فكانت لا تقل عطشاً عن اليهود، وذلك بعد أن رأوا ضعف آلهتهم، وعجزها عن تغذية أرواحهم ونزع الخوف من قلوبهم! إلى إن ظهرت ملائكة الرب من السماء، لتُعلن أنَّ كلمة الله قد نزل من السماء، ليُعطي الأمم خبز الحياة ليأكلوا ويشبعوا ويمتلئوا سلاماً.
قال ناحوم النبيّ: " هُوَذَا عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَا مُبَشِّرٍ مُنَادٍ بِالسَّلاَمِ " (نا15:1)، وقال زكريا النبيّ: " وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ " (زك10:9)، أما إشعياء النبيّ فيقول: " مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ " (إش7:52)، وعند دخوله أورشليم هتف الأطفال قائلين: " سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي! " (لو38:19).
ولأنَّ المسيح جاء لينشر رسالة السماء على الأرض، قال لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: " سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ، سلاَمِي أُعْطِيكُمْ " (يو27:14)، ويُعزّينا أحد الآباء بقول رائع يقول: " لمَّا فارق يسوع العالم ترك نفسه للآب وجسده ليوسف وثيابه للعسكر وأُمَّه ليوحنَّا، وأمَّا أولاده المؤمنين فترك لهم سلامه لا منصباً ولا غنىً ولا شرف، لمَّا أخطائنا فارقنا السلام ولمَّا أتى المسيح جاءت الملائكة تُعلن عن عودة السلام ".

وبالناس المسرة

لقد سُر الله بنا وأعلن محبته لنا بميلاد ابنه الحبيب! وهذا يدفعنا أن نقول مع مُعلّمنا بولس الرسول: " اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضاً افْرَحُوا " (فى4:4)، حقاً إنَّ التجسّد لا يمنع الجروح البشرية التي تُحزن قلب الإنسان، إلاَّ أن هناك جروحاً لا يُعالجها إلاَّ وليد المذود، أو تشفيها سوى الأيدي الطاهرة التي ثقبتها المسامير!
ولهذا يجب أن يفرح الخاطيء لأنَّ يسوع جاء ليلقى بخطاياه في بحر النسيان، وليترنم الحزين الباكيّ فقد ولد من يُعزّيه ويُحوّل دموعه إلى حبَّات لؤلؤ، وليُشبع الجائع لأنَّ خبز الحياة الحقيقيّ ولد في بيت لحم بيت الخبز، وليرتوي العطشان لأنَّ ينبوع ماء الحياة قد تفجر ليروى أرض قلوبنا القفرة!
المتألمون والمعذبون، المرضى والحزانى، البائسون واليتامى... ما أكثرهم في الكون! أناتهم تتعالى في كل لحظة وتشق عنان السماء، تتصاعد من الأكواخ والقصور، من الصحارى، من المستشفيات.. وراح الناس يتساءلون منذ القدم عن حل لمشكلة الألم! تعددت الحلول واختلفت المذاهب وتضاربت الآراء.. غير أن الإنسان لم يجد الحل إلاَّ عند مغارة بيت لحم حيث ولد المسيح، لكي يبدأ حياة هى في الحقيقة رحلة مع الآلام!
فمنذ أن ولد المسيح ومات على الصليب، وقد امتلأت عيناه من دموع الفقراء والمساكين، تغيّر وجه العذاب وأصبح الألم صليباً ذا جناحين بهما يطير الإنسان ليحلق في أمجاد السماء! فكم من دموع حُبست على ضفاف الجفون تحوّلت إلى حبَّات لؤلؤ على جبين المتألمين بعد أن عرفوا المسيح! وكم من أجساد قلّمتها أيدي الكرام الإلهيّ فجاءت بأجود العناقيد!
فيا كنيسة المسيح اذهبي إلى بيت لحم لتبتهجي، هيا أيها الشيوخ مع سمعان لتروا قديم الأزل قد ظهر ليسند ضعفكم! تعالوا أيها الرجال لتشتركوا مع يوسف النجار في خدمة سيده! وأنتن أيتها العذارى افرحن كما فرحت أُمه البتول! أيها المسيحيون افرحوا جميعاً كما فرحت السماء لأنَّ الباب المجد قد فُتح، وخرجت أشعة السماء منه لتملأ الأرض دفئاً روحياً واستقراراً نفسياً.
وأنت يا طفل بيت لحم، يا وليد المذود، حوّل أحزاننا إلى مسرّة، أرجع بصوتك الحنون الحياة إلى قلوبنا المائتة، وبلمس يدك الطاهرة النور إلى أجفاننا الممتلئة بالدموع، وأنت يا نجم بيت لحم، أشرق بلمعانك وقدنا إلى حيث يسوع مضطجعاً، لكي نهتف مع الملائكة قائلين:

المجـد لله فـي الأعـالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسـرة.

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

المغارة والمذود

المغـارة

عندما تحدث القديس لوقا الإنجيليّ عن ميلاد المسيح، لم يذكر المغارة وإنَّما تحدّث عن مذود (لو6:2)، لكنَّ المسيح ولد في مذود داخل مغارة. وتُعد أقدم شهادة للمغارة أتتنا من القديس يوستينوس النابلسيّ، وهو بمصداق لأنَّ أصله فلسطينيّ، فهو إذن شاهد عيان، قوله حجة وثقة، فقد كتب في عام(155م) هذه الكلمات: " ولما لم يجد يوسف منزلاً في بيت لحم، أقام في مغارة تقع قرب البلدة، وهناك وضعت مريم المسيح وأضجعته في مذود ".

وهناك شهادة أُخرى ترجع إلى بداية القرن الثالث، أدلى بها العلامة أوريجانوس
وذلك في رده على كلسُس الوثنيّ، فيقول: " أما بشأن ميلاد يسوع في بيت لحم فإذا أردنا برهاناً آخر بعد نبوة ميخا التي دونها في الأناجيل تلاميذ يسوع ، ففي بيت لحم المغارة حيث ولد، وفى المغارة المذود حيث لُف بالأقماط ".

وفى أواخر القرن الثالث يقول يوسابيوس القيصريّ المؤرخ الشهير، الذي كان من قيصرية فلسطين: " إنَّ سكان المكان يشهدون للرواية التى نقلها إليها أسلافهم.. ويدلّون على المغارة حيث وضعت مريم العذراء وليدها ".

فالرواية عن مكان ميلاد المسيح متواترة منذ القدم، ولهذا يقول مارِ يعقوب السروجيّ: " مغارة مفقودة صارت بيتاً، لذاك الذي تنازل ليفرغ المغائر والقبور من موتاهم، وكر مخوف حل فيه سيد العالمين، ذاك الذي السموات لم تضبطه أن يحل فيها، الحيّة التي عصتْ آدم وصار خبزها التراب، دخل الحكيم ليطلبها في المغائر والشقوق، شجرة الحياة نزل من المكان المرتفع الذي لعدن، وها في المغارة يبدد أثمارها على المائتين، الذي مثل الآب في الإشراق البهيّ، ها هو في المغارة يُلف بالأقماط ".

المــذود

ليس المذود الذي ولد فيه يسوع هو الرواق المزين الرشيق الهندسة، الذي شيَّده لابن داود رسَّامون مسيحيون وقد خجلوا من قذارة المذود الذي رقد فيه سيدهم! ولا هو المغارة النظيفة المزينة وقد راحت فيها الحيوانات في غيبوبة من الذهول، بينما الملائكة ينشرون أجنحتهم فوق سطحها، وقد جثا فى تقابل محكم الانتظام فريقاً من الملوك المتدثرين بمعاطفهم وآخرين من الرعاة بقبعاتهم، كما يتصورها عبثاً بائعي التماثيل! فقد تصلح هذا المغارة موضوع أحلام أحد الأشخاص أو عروسة بين أيدي الأطفال ولكنَّها ليست الموضع الذي ولد فيه يسوع!

إنَّ الزريبة هى مأوى البهائم، بل سجن البهائم التي تكدح في سبيل الإنسان، فهى خالية من الأعمدة المتوّجة بالزخارف، غارقة في العتمة، وتفوح منها روائح كريهة، هذا هو الموضع الذي ولد فيه ملك الملوك والذي يجب أن نفتخر به! لأنَّ يسوع ضرب لنا بحقارة محل ميلاده وعيشة الفقر التي عاشها وهو العظيم المالك كل شيء أروع الأمثلة عن التواضع والفقر الاختياريّ، وحفّز بذلك المساكين على الصبر محتملين ذلهم، والأغنياء على النزول إلى مستوى الفقراء ومواستهم!

لو أراد لولد في أعظم القصور، ولكن ما قيمة قصر يترمّد في زواياه جمر الحُب؟! ولهذا ولد المسيح في مذود حقير من أم فقيرة، ليكشف لنا سر العظمة الحقيقية، ويُعلن لنا أنها كائنة في الحياة الداخلية ذات المباديء السامية، لا في المال أو السلطة أو القوة، والذين يقولون غير هذا نفوسهم ضعيفة، وقلوبهم ملوثة، وضمائرهم سقيمة، إنَّهم يعيشون وهم العظمة لا حقيقتها، ولا يلبث لباس عظمتهم الزائف قليلاً حتى يتمزق فيكشف ما تحمله حياتهم الخفية من غش وفساد.. ألم يطرح عظماء أنفسهم تحت قدميه ويخروا ساجدين أمام مجده؟! وعندما ارتفع على الصليب ووصل إلى أقصى درجات الاحتقار ظهرت عظمته الحقيقية كإله السماء والأرض، الذي فزعت الطبيعة من منظره وهو عرياناً، حتى إنَّ الشمس لمّت إشعاعاتها والقمر هو الآخر لم يُعطِِ ضوءه!

نستطيع أن نقول: إن يوم ميلاد السيد المسيح هو عيداً للفقراء، لأنَّ ملكهم وسيدهم لم يرتدِ الثياب الأرجوانية، أو ينام على أسرة ذهبية، ولم يرضع ثدي أميرة.. وبهذا نالت البشرية أعظم دواء يشفيها من أخطر داء، الاتضاع الذي يقضي على الكبرياء!

أعرفتم الآن لماذا ولد السيد المسيح في بيت لحم! ففي مكان الحزن والدموع، ولد المسيح حيث بكى يعقوب راحيل، ليُعلن أنَّه جاء ليشارك المحزونين أحزانهم، باكياً ومتألماً عوضاً عنهم، وإلى مكان الحُب الذي تعطر هواءه بأنفاس بوعز وراعوث ذهب إله الحب ليكتب رسالته السامية عن المحبة على صفحات الحياة، وفى مكان الفقر ولد الطفل يسوع فى مذود حقير، ليكون أخاً للفقراء والمساكين وكل من نبذهم الجنس البشرى...!