مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الجمعة، 7 أغسطس 2009

سـمات الديانة المسيحية


ظهرت المسيحية وهى تحمل سمات لم تعهدها ديانة من قبل، فخيّمت بسموها على معاهد العلم والفلسفات وقصور العظماء والأغنياء، وأكواخ الصغار والفقراء.. فبهرت الجميع ببريق تعاليمها، وأثّرت عليهم بعظم مبادئها.. وأصبح لها سمات فريدة ميّزتها وساعدت على انتشارها، لعل أهمها الآتى:

العمومية

إن الديانة المسيحية تستطيع أن تنمو فى كل مكان وزمان، فترقى بجميع الأفراد والطبقات، متمشية معهم فى تطورهم وتجديدهم.

قد تنتشر ديانة لأن شعوباً كثيرة، ترى فيها منهلاًُ عذباً لارتشاف الإثم واستباحة الشر، بل وقد ينتشر دين ما على إثر ثورة قام بها أتباع هذا الدين، فأرغموا أعدائهم بعد تعذيبهم على قبول مبادئ دينهم الجديد، إلا أن مثل هذه الأديان سرعان ما تعجز بعد إنحسار موجة ثوراتها، عن الوقوف أمام عظمة الحق وجلال العدل، فلابد من أن يأتى الوقت الذى فيه تنكمش إلى حيث كانت قبل أن تنتشر.

أما المسيحية فسارت إلى الأمام ولازالت تسير، وها نحن نتساءل: أين الديانة المسيحية من ديانات العصور القديمة؟ كان الإله " زفس " لا يُعرف خارج حدود بلاد الإغريق، ولم يكن " جوبتر" له قيمة خارج أسوار روما، ومن العبث أن يعبد الهندى " براهما " بعيداً عن الهند، لأن هذا ينجس جسمه.. فإذا عاد إلى وطنه يجب أن يتطهر من نجاسته!! أما المسيحية فهى تعلّم بوجود إله محب هو أب لجميع البشر، وتبشر بإنسانية عامة، ووحدة مقدسة، ومحبة سامية.

الروحانية

لم تعرف الديانة القديمة إلا بمعابدها، وطغمات كهنتها، وتعقّد مراسيمها وطقوسها، أما الديانة المسيحية فيهمها الجوهر لا الشكل، وتهتم بالروح لا المادة، بالسمائى لا الأرضى، ولذلك فصلت المسيحية الدولة عن الكنيسة، فأعطت " ما لقيصر لقيصر وما لله لله " . فى العصور القديمة انتشر السحر والتنجيم والخداع والتدليس فى الهياكل الوثنية، فكان من يرغب دراسة الأدب القديم.. ذهب إلى أماكن أُخرى غير المعابد، فهناك فى أروقة أثينا وروما، وعلى مسافة بعيدة من الهياكل والمعابد، كانت حكمة سقراط وأفلاطون وأرسطو.. وهذا ما دعا أحد أفاضل اليونان أن يقول: تهبنى الآلهة الحياة والجاه، أما الروح الهادىء القنوع فهذا من شأن نفسى، أما المسيحية فهى ديانة روح وحق وحياة... والكنائس مقدسة، والتعاليم سامية لأنها إلهية..

التجديد
بظهور المسيحية ظهرت حياة جديدة وتعاليم جديدة، فامتزجت التعاليم الدينية بالمبادئ الأخلاقية والأدبية.. وأخذت من المزيج رحيقاً حلواً استعذبته شعوب الأرض.

ونحن لا ننكر مكانة الفلسفات القديمة ودور رجال الفلسفة فى الأدب والفضيلة، ولكن لم يرضَ المثقف يوماً الاقتراب من الجاهل، ولا الكبير من الصغير، ولا الغنى من الفقير، فالقانون الأدبى اليونانى كان يفرق بين الطبقات، فلا تتعجب إن قرأت عن كلسس Celsus - وهو أحد كبار رجال الأدب القديم - يطعن فى الآداب المسيحية بقسوة، لأنه وجد جماعة المسيحيين تتكون من رجال أُميين وعبيد وعمّال.. ليسوا أهلاً فى نظره للجلوس فى معهد علمى والتكلم باللغة اليونانية.

ولكن شكراً لله الذى جعل من الأُمى الجاهل، والعبد الذليل، والعامل الحقير.. عالماً حراً ماهراً.. فقد زوّد الجميع بقانون أدبى عملى، عجزت عن تطبيقه مجامع العلوم القديمة ومعاهد الفلسفة اليونانية!

ويبدو التجديد واضحاً فى مفهوم الحب! فعند قدماء اليونان والرومان، كان الحب يعنى التمرغ فى حمأة الإثم والتفرغ للشهوات الدنيئة. أما المسيحية فجعلت المحبة جوهر حياتنا، وأساس علاقتنا بالله، ودعامة الحياة الأُسرية.. بعد أن توجتها بالرحمة والتضحية..

التسامح

لم تنتشر المسيحية بقوة السيف والنار، ولم تجبر أحداً على اعتناق مبادئها وتعاليمها، بل انتشرت على أيدى رسل بسطاء، معظمهم صيادين.. ولكنهم قد اشتهروا بالرأفة والرحمة..

قديماً نصح ميسيناس- رجل روما الفذ- الإمبراطور أُغسطس، أن يتسامح فى كل أمر ماعدا الدين، فلا يصرّح لدينانة أجنبية بالدخول فى مدينة روما العظيمة، وفى نبذة تاريخية يقول شيشرون: " يجب ألا يُسمح لأحد أن يتعبد لآلهة لم يعترف بها القانون الرومانى "، ولكن مصالح أولئك وغيرهم قد باءت بالفشل، فظهرت المسيحية دون أن يعترف بها القانون، ولم تكن هناك سلطة بشرية تحميها، فقوة إلهنا الحى، وسمو تعاليمه هى التى جعلت المسيحية تكتسح بتعاليمها معاهد العلم، والمعابد..

وإن كانت الديانات القديمة استرضت الآلهة بالقرابين الحيوانية، فالديانة المسيحية كانت ولازالت قرابينها الثمار القلبية، والأعمال الروحية، فقام المسيحيون يكرسون قلوبهم وأجسادهم وأرواحهم " ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ " (رو1:12).

الأربعاء، 5 أغسطس 2009

قصة انتشار المسيحية


لما بدأ المسيح يكرز بالإنجيل، اختار من بين أتباعه إثني عشر رجلاً، ودعاهم رسلاً (لو6 :13) لأنه أراد أن يرسلهم إلى العالم، ولما أكمل عمله وقام من بين الأموات وكان على وشك الصعود، سلّم إليهم مأمورية الكرازة, ووكل إليهم أن يتلمذوا جميع الأمم (مت28 :19) ويشهدوا له إلى أقصاء الأرض (أع1 :8).

ولأن الإنسان ضعيف ومعرّض للزلل، أمرهم أن يمكثوا في أورشليم حتى يُرسل إليهم الروح القدس ليقوّيهم ويذكّرهم بالحق، ويعصمهم من الخطأ في تبليغ الرسالة, ويعدّ لهم القلوب, وامتثالاً لأمره (لو24 :49) (أع1 :5) مكثوا في أورشليم منتظرين إتمام الوعد.

ففي ختام خمسين يوماً من قيامته، كان الرسل مع جماعة من المؤمنين يبلغ عددهم (120) يصلّون ويسبّحون الله, وإذا بصوت كما من هبوب ريح عاصفة ملأ كل البيت حيث كانوا جالسين, وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أُخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا (أع2 :1-13) كما ملأهم الروح القدس بالمحبة والإيمان والشجاعة ومعرفة الحق.. (يو14 :26).

ومن ذلك الوقت لم نسمع أنهم بشروا في بلاد أجنبية بعد درس لغاتها, لأن الله قد أعطاهم قوة التكلم بالألسنة (أع2 :3،4)، كعلامة على أن روح الله يعينهم على الكرازة بأية لغة أينما ذهبوا, وأن بعضاً من الرسل إن لم نقُل كلهم أيدهم الله بالمعجزات الباهرة (أع3 :1-11) إلا أنهم عملوا هذه المعجزات باسم المسيح، وليس بقوتهم ولا تقواهم (أع3 :12).

وبعد ذلك ببضعة سنوات، اهتدى بولس إلى الإيمان بالمسيح بمعجزة عجيبة (أع 8) وأرسله المسيح رسولاً، وأيده بالمعجزات كباقي الرسل (أع14 :8-10).

وساعد الروح القدس الرسل في مناداتهم بالإنجيل وكتاباتهم, وعصمهم من الخطأ, وأرشدهم إلى الحق الذي أراد الله إعلانه للناس, فما كرزوا به، وما كتبوه، ليس كلامهم بل كلام السيد المسيح (مر13 :11) (يو14 :26) وعليه فجماعة الرسل صادقون في دعواهم بالرسالة من الله (1كو1 :1) (غل1 :1).

ثم إن قوة الله وفاعلية الحياة المقدسة، التي عاشها المسيح على الأرض، ظهرت تمام الظهور بكرازة الرسل لأنه لم يمضِِ وقت طويل حتى إن أُلوفاً كثيرة من اليهود (أع2 :41 و4 :4)، بل من نفس الكهنة اعتنقوا المسيحية (أع6 :7 و21 :20)، كما آمن من الأمم جماهير كثيرة انتقلوا من الظلمة إلى النور.

ومن المعلوم أن المسيح نهى عن استخدام الأسلحة لنشر الدين, ولذلك قال لبطرس عندما جرد سيفه ليدافع عنه " رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ لأَنَّ كُلَّ الذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ" (مت 26 :52).

وليس بفصاحة الكلمة جذب الرسل الناس إلى الإيمان بل كانت كرازتهم بسيطة معنىً ولفظاً (1كو2 :1-5) ولما كتبوا البشائر والرسائل, لم يستعملوا لغة عالية لا يفهمها إلا العلماء, بل كتبوا ما كتبوه بأبسط العبارات، مما يستطيع أن يفهمه الناس بغير عناء، لكى يحصلوا من أقرب طريق على رحمة الله فتُستأثر قلوبهم إلى الخلاص.

ثم إن الإنجيل لا يشجّع أحداً على إشباع شهواته الجسدية " أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الجَسَدِيَّةِ التِي تُحَارِبُ النَّفْسَ" (1بط2 :11), ولا يوهمه أنه بمجرد اعترافه بالمسيحية ينجو من عقاب الدنيا والآخرة مع إصراره على خطاياه (مت2 :21) (يو8 :34).

ولم يشتغل الرسل بين المتمدّنين فقط, بل اشتغلوا في كل البلاد.. وظهرت نعمة الله للعيان في تحويل الأشرار إلى صالحين، فكان المهتدون منهم يبثون بشرى الخلاص وأما اليهود الذين لم يؤمنوا فكانوا أول المقاومين للذين آمنوا, ثم نسج على منوالهم بعد ذلك الوثنيون, وأخذوا يضطهدون المسيحيين بقساوة بربرية.

ولكن رغم الاضطهاد العنيف، تقدمت المسيحية بالصبر والمحبة واللطف.. فخشَ أباطرة الرومان من سطوة الإنجيل على الوثنية التي يدينون بها, فأثاروا على المسيحيين اضطهادات عنيفة وابتدأت هذه النكبات في زمن الملك نيرون, الذي أعدم الرسولين بطرس وبولس, وأحرق كثيرين أحياء وجعل من أجسادهم مصابيح ومشاعل لإنارة بساتين قصره ليلاً!!

وكان الرومان في ذلك الوقت يتعبدون للأوثان ولملوكهم الأشرار!! وقد سعوا أن يستميلوا مواطنيهم المسيحيين إلى تلك العبادات المحرّمة، ولكنهم لم يفلحوا, فهجموا عليهم وساقوهم إلى قبورهم بميتات شنيعة، واستولوا على أملاكهم.

ويرجع الصدام بين المسيحية وروما، إلى أن الرومان لم يفهموا معنى قيام مملكة الله على الأرض، وظنوا أن المسيحيين يطمعون في إقامة ملكوت سياسي.

كما يبدو أن المسيحية استفزت كبرياء الرومان بدعاواها الغريبة فى ذلك الوقت، فقد نادت أن العالم سيحترق بنار ليفسح الطريق لسموات جديدة وأرض جديدة، وأن مدينة روما لا بد أن تسقط، وأن ملكاً سيأتي من السماء له يخضع المسيحيون، وأنه في وسط الخراب القادم سينعم المسيحيون بالسلام.

وبطريقة ما كان المسيحيون لا يتساهلون مع الديانات الأُخري، فالمسيحية لا تتساوي مع أي ديانة، بل هي تسمو فوق كل الديانات، وبدت هذه الروح كأنها عدائية، أضف إلى ذلك انعزال المجتمع المسيحي، فلم يكن مسموحاً لأي وثني مهما بلغ من الورع، ومارس تطهير النفس، عن طريق التصوف وطقوس ديانته القديمة، أن يكون عضواً في الكنيسة المسيحية ما لم ينبذ تلك الأشياء العزيزة عليه.

وكان المسيحيون يجتمعون ليلاً في اجتماعات سرية، وقد اتهمهم أعداؤهم بأنهم يرتكبون أبشع الجرائم في تلك الاجتماعات مثل إقامة ولائم للفسق وغير ذلك من الرذائل وكان كل ذلك لانعزالهم.

أضف إلى ذلك العناد الذي قابل به المسيحيون مطالب الإمبراطورية، وكان ذلك مثيراً جداً للحكام الرومان، وقد بدت شجاعة الشهداء أمام أعدائهم كنوع من التعصب العنيد وقد أشار الامبراطور أوريليوس إلى المسيحية مرة واحدة بتلك العبارة: عناد محض!!

ولم يقنع المسيحيون بالانسحاب من الممارسات الوثنية بل هاجموا الديانات الوثنية بشدة، لأنها تعاليم شياطين، وعبادة الإمبراطور نجاسة، ومن ثم وقعوا تحت طائلة الاتهام بعـدم الولاء للإمبراطور، والإجـرام في حقه، وهزأوا من القول بأن عظمة روما ترجع إلى احترامها للآلهة!!

وهكذا ظهـر المسيحيون ملحـدين من وجهة نظر الوثنيين، وحيث أن الديانة كانت مسألة ترتبط بسلامة الدولة وخيرها، فإن الإلحاد يمكن أن يستجلب غضب الآلهة على الدولة، فإذا مابدأت المصائب والكوارث تنهال على الامبراطورية، حتى ألقوا باللوم على المسيحيين، فقد أصبح المسيحيون هم كبش الفداء، عندما تقع الكوارث، فإذا حدثت مجاعة أو قام زلزال أو انتشر وباء، أو أي كارثة قومية، ترتفع الصرخات مطالبة بالقاء المسيحين إلى الأسود.

إلا أن هذه الاضطهادات المروّعة، لم تستطع أن تزعزع أساس المسيحية الصلد، الذي ثبت بقوة أمام هجمات الإمبراطورية الرهيبة كالجبل الراسخ, لأن ذراع القدير كان يحميها، وعنايته تشملها، وحقَّت عليها نبوة المسيح: " عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (مت16 :18).

وفضلاً عن كونها لم تتزعزع، امتدت وأزدهرت في وسط هذه البلايا, إلى أن تحوّلت معابد الأوثان في كثير من البلاد إلى كنائس مسيحية.

ومع أن المسيحيين قد غلبوا بصبرهم ولطفهم حتى عظمت طائفتهم, إلا أنهم لم يقاوموا مضطهديهم، ولم يرفعوا في وجوههم سلاحاً لا هجوماً ولا دفاعاً, سوى سلاح الصبر والإيمان !!