لاشك أن الهدف الأسمى من الديانة هو التشبّه بالله من حيث فضائله، والحياة معه، والشخوص فيه، والاتحاد به، والتعلق بمحبته، وهو بهذا يسد احتياجات كثيرة فى الإنسان لعل أهمها:
حاجة الروح إلى العزاء
ما هو الإنسان ؟ وما هدفه فى الحياة ؟ أعتقد أن الوصول إلى قلب الله والتمتع بحبه.. هو أسمى هدف يمكن أن يصل إليه الإنسان فى هذه الحياة.
حاجة العقل إلى معرفة الحقيقة
لا ينكر أحد أهمية المعرفة، وما جلبه العلم من وسائل الراحة بواسطة الاختراعات، التى سمت بالإنسان وزادته ارتقاءً، وليس هناك من ينكر دور الأبحاث العلمية والأدبية.. التى لولاها لصار العالم برية قاحلة.. فالعلم أطال حياة الإنسان، وخفف آلاماً، وأفنى أوبئة، وأنار الليل، وبدد الظلام، وسهّل الاتصالات، وجعل البحار تفيض بما فيها من خيرات..
ولكن هناك أسئلة كثيرة.. إلى الآن لم يقدم العلم أجوبة عليها! فمن أنا؟ وما هو سبب وجودي؟ وإلى أين أنا ذاهب؟ ثلاثة أسئلة تؤرق عقل الإنسان الملحد والبعيد عن الدين!
والحق إن الديانة وحدها هي التي تقدم إجابات أكيدة، وسديدة، عن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الملحة، التي لا يتمكن الإنسان مهما فعل من حذفها أو تجاهلها! فأنا إنسان قد خُلق على صورة الله ومثاله، وقد وجد فى الحياة لكى يحيا مع الله ويتمتع بحبه، فإذا عاش مع الله ذهب إلى الأبدية حيث النعيم الدائم، وإن عاش للعالم من أجل تحقيق شهواته.. فسوف يذهب إلى الهلاك الأبدى.
كما أن العلوم الطبيعية التي تقوم على دراسة الظواهر وعلاقاتها مع بعضها البعض، ولا تهتم كثيراً بأسبابها، لا نرى فيها إلا تماوجاً بين التأكيد والنفي، إذ هي ترفض اليوم ما قبلته بالأمس، تعلّم بمادية الإنسان تارة، وتارة أُخرى بروحانيته، وثالثة بخلوده، ورابعة بفنائه الكلي.وهذا إنما يكشف عن عجز هذه العلوم، عن تقديم إجابات يقينية على أسئلة الإنسان القديمة / الجديدة.
حاجة الإرادة إلى فعل الخير
إن الإرادة في الإنسان تنزع بالفطرية إلى عمل الخير وهى لا تريد الشر، إلا إذا اعتبرته من قبل خيراً، فالإرادة في مسيرتها تجاه الخير، هي بحاجة إلى قواعد تساعدها على التمييز بين الخير والشر، وإلى عون يساعدها على فعل الخير وتجنب الشر، والحال إن الديانة وحدها هي التي تقدم للإنسان هذه القواعد وهذا العون.
وربما يستند البعض إلى الضمير للتمييز بين الخير والشر، إلا أنهم لا يدركون أن الضمير في واقع الأمر، يعلن فقط، إنه صوت لا سلطان له في أن يملي شيئاً على الإنسان، كما أن الضمير يمكن أن يُخطئ، وهو يتأثر بعوامل كثيرة..
وهناك من يقولون: إن قاعدة التمييز هي المصلحة الشخصية أو العامة، ولهؤلاء نقول: إن هذا المفهوم يجعل اختلاس مال القريب خيراً، إذا وجد فيه السارق مصلحته الشخصية، وإذا ما نشب نزاع بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، فمن ياتُرى يجبر الفرد على نكران ذاته، والتضحية بمصلحته الخاصة لصالح المصلحة العامة؟ أليس الله بمبادئه ووصاياه التي يعلنها من خلال الديانة ؟
وفئة أُخرى تقول: عاطفة الشرف هي التي تؤسس قاعدة التمييز! ويغيب على هؤلاء أن الشرف هو في الواقع قاعدة غير ثابتة، بل هي نسبية، ولا تفهمه الطبقات الخيّرة من البشر كما تفهمه الطبقات الشريرة؟ كما أننا لا نجد له مفهوماً واحداً في جميع المستويات الإنسانية أو الطبقات البشرية؟ فما يعتبره البعض أعمالاً صالحة في ذاتها، كالانتحار والثأر، هو في الواقع منافي للأخلاق، لأنه يجيز الشر على أنه خير.
وربما يسأل البعض: وأين نجد العون الذي يساعدنا على عمل الخير؟ فإنه لا يكفي أن نعرف أو نرى ذاك الخير، بل يجب أن نحققه في حياتنا، فمن يساعدنا على ذلك، في حين أن ضعفنا الذاتي وأهواءنا تعوقنا على تحقيق هذا الرجاء؟
ولسائل هذا السؤال نسأل: هل يأتينا ذاك العون من الآخرين؟ بالطبع لا، إذ أننا متساوين في كوننا ضعفاء، أيأتينا من القانون المدني؟ كيف يتحقق هذا وهو لا يتناول سوى الأعمال الخارجية؟ ولا يمكنه أن ينفذ إلى أعماقنا، حيث تتهيأ تلك الأعمال؟
إذاً وبلا أدنى شك هذا العون، لا يمكن أن ينحدر إلا من الذي وضع القاعدة الأدبية، أي الله، فهو الوحيد الذى يستطيع أن ينظم أعمالنا وعلاقاتنا، لأنه يرى مافي داخلنا أى أفكارنا ورغبات غير المرئية..
ولكن هذا يتطلب بالضرورة علاقة بين الله والإنسان، وهذه العلاقة هي ما نسميه الدين، الذى هو ضرورة ولاغنى عنه للإنسان.
حاجة القلب إلى السعادة
والحق إن الاختبار يدلنا على أن المتدينين يشعرون بسلام، حتى في أثناء بلاياهم، ويتصرفون تصرفات يحسدهم عليها الملحدون.
فالديانة إذن هي أُمنية الإنسان، وهى التى تسد حاجاته ما دامت الضرورة تدفعه للبحث عن الحقيقة والخير والسعادة.. التى لا يجدها إلا في علاقته طاهرة مع الله ..