قد يبدو لمن أسرتهم لذة الخطية، وقيدتهم أغلال الإثم، أنَّ التخلّص من سلطان وعبودية الخطية أمر مستحيل.. لكنَّ الحقيقة إنَّ علاج مرض الخطية أمر سهل وبسيط، إذا وضعت خطاياك أمام الله معتمداً لا علي قوتك البشرية فقط، بل وعلي نعمته الإلهية أيضاً.
فالله قادر أن يُخلّصك ويحرّرك من هذه العبودية القاسية، لأنَّه سبق أن خلّص كثيرين من قبلك، بشرط أن تلتجيء إليه لأنّه قد قال: " لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً " ( يو5:15)، وفي نفس الوقت يكون لديك دافع أن تتخلّص من خطاياك.. ولهذا قال القديس أغسطينوس: إنَّ الله الذي خلقك بدونك لا يُخلّصك بدونك، فانت كائن حر تختار الطريق الذي تسير فيه بكامل حريتك وبملء إرادتك، ولهذا قال باسكال الفيلسوف الفرنسيّ، لقد خلقك الله من الألف لتصل أنت إلى الياء بإرادتك.
أمَّا أنت فإذا تركت الخطية فلا تتأسّف عليها، ولا تحاول الرجوع إليها مرّة ثانية، يكفي ما ذقته من عذاب، وتذكّر امرأة لوط عندما خرجت من المدينة ونظرت وراءها، ماذا حدث لها؟ صارت عمود ملح، وعبرة للذين ينظرون لشهوات الماضي، ولهذا أوصي السيد المسيح المُخلع بعد أن شفاه قائلاً: " هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضاًلِئَلَّا يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ " ( يو14:5).
وفي هذا الفصل ذكرنا إحدي عشرة وسيلة، للتخلّص من الخطية والتحرر من قيودها.. وأول هذه الوسائل هي:
حاسب نفسك
" فرجع إلى نفسه وقال.. "
(لو15:17)
إن أردت أن تتخلّص من خطاياك، فيجب أولاً أن تجلس مع نفسك وتحاسبها، لكي تدرك حالتك وتعرف أخطاءك، وفي أثناء محاسبتك لنفسك، حاول أن تستعرض حالات تعبك وأسباب قلقك، والأسباب التي أفقدتك سلامك، واسأل نفسك ما الذي ربحته من حياة الخطية التي أفنيت فيها حياتك وصحتك وشبابك؟
وحاول أيضاً أن تستعرض ضعفاتك وسلبياتك وخطاياك أمام الله، واعزم علي ترك الخطية، بكل رضا واقتناع، وتأكد أن الله سيباركك ويقويك..
ويجب أن تعلم أنَّ الشيطان إذا رأي عزمك وإصرارك، علي حوارك الذاتي سوف يقاومك بكل قوته، خوفاً من أن تكون هذه الجلسة سبباً في انفصالك عنه، لأنَّه بلا شك يعرف أنك إذا جلست مع نفسك، ستدرك سوء حالتك وما قد وصلت إليه من ضعف وقلق وعذاب ضمير.. وبالتالي ستفكر في التوبة والرجوع إلى الله مرّة ثانية، وبهذا ستفلت منه.
فالابن الضال عندما جلس مع نفسه وفكّر في حالته وما قد وصل إليه من إنحطاط، شعر بأمور عظيمة فأدرك حقيقة فقره وغني أبيه، ولهذا قال: " فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً! " ( لو 17:15).
كذلك شعر بجرم خطيته التي إرتكبها، عندما غادر بيت أبيه، وهذا دفعه أن يقول: " أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ وَلَسْتُ مُسْتَحِقّاً بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْناً. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ ( لو15: 19،18).
ويقيناً لو لم يجلس الابن الضال مع نفسه، ما كان قد وصل إلي حياة التوبة والإنسحاق، ولا كان قد رجع إلي أبيه، ولا كان قد خرج من قبضة الشيطان والبعد عن الأصدقاء السوء.. إلي حيث لبس الحُلة الجديدة والخاتم..
كل الذين تابوا بدأت توبتهم بجلسة مع النفس، أدركوا فيها فقرهم الروحي، وغني أبوهم السماوي الذي تركوه، فاجلس مع نفسك أيها الحبيب، وأعلم أن من يجلس مع نفسه ويصالحها أفضل ممن يصالح شعوباً، وكل من اصطلح مع نفسه اصطلحت معه السماء والأرض وتذكّر ما قاله أحد الآباء:
" إذا ما افرزت نفسك للتوبة، فكل يوم لا تجلس فيه ساعة بينك وبين نفسك، متفكراً بأيّ شيء أخطأت وبأيّ أمر سقطت لتقوم ذاتك فيه فلا تحسبه من عدد أيام حياتك ".
هذا وقد وضع لنا مار إسحق السريانيّ ، محاسبة النفس كقانون دائم لاستمرار الحياة الروحية، فيقول:" إذا هبط علينا روح الإهمال وبردت حرارتنا، نجلس بيننا وبين أنفسنا ونجمع أفكارنا، ونُميّز بدقة ما هو سبب الإهمال ومن أين بدأ؟ وما هو الذي يبطلك من الصلاة والعبادة؟ فإن كان الأمر يستحق التقويم قوّمه، وإذا كان يستحق القطع إقطعه، وإن لم تكن كفؤاً لذلك ولا يوجد مرشد لتستشيره من جهة أُمورك، فارجع إلي أول الطريقة التي بدأت بها وابدأ سيرتك كمبتديء، وأنت في وقت يسير ستمتليء حرارة وترتفع إلي الدرجة التي سقطت منها ".
فكر في نتائج الخطية
" لأن أجرة الخطية هى موت "
(رو23؛6)
لو كان آدم يعلم أنَّ الأكل من الشجرة، سيطرده من الجنّة.. ما كان قد أكل منها..
وقايين لو كان يعرف أنَّ بسبب قتله هابيل أخيه ستُلعن الأرض، ويكون تائهاً وهارباً منها، ما كان قتله..
ولو كان أبناء الله يعلمون أنَّ نظرهم إلي بنات الناس يقودهم إلي الشر الذي جعل الله يهلك العالم القديم بالطوفان، ما سمحوا لعيونهم أن تنظر إليهن، حتي لا يهلك العالم بسببهم..
ولوط لو كان يعلم أنَّ شربه الخمر، يجعل ابنتيه يتدنّسا معه ما شرب نقطة واحدة..
ولو كان جيحزي يعرف أنّ محبته للمال التي قادته إلي الكذب علي سيده إليشع، ستجعل برص نعمان يلصق به وبنسله، ما ذهب وراء نعمان ليأخذ منه شيئاً..
وكل شاب، لو علم أنَّ النظرة الشهوانية، تقوده إلي السقوط الفعليّ في الخطية، لسار مغمض العينين، وهكذا السكير لو كان يعلم مدي ضرر المسكر علي الجسم والعقل والمال.. لكان يقذف بكل كأس يُقدم إليه علي الأرض ويُحطّمه..
وكذلك الكذاب والشتّام والنمّام ومن يحلف... لو كانوا يعلمون جميعاً أنَّ خطاياهم هذه، ستؤدي بهم إلي قاع الجحيم وتفصلهم عن الله، والقديسين، لكان الجميع يطرحون خطاياهم، ويعيشون في البر والقداسة والتقوي..
إسأل نفسك بعد كل خطية تسقط فيها: ماذا ربحت وماذا خسرت من خطيتي هذه؟ ستجد الإجابة واضحة: إنّك لم تربح شيئاً، لأنّك إن كنت ستربح لذة وقتية ستخسر الله، الذي لذته تفوق كل لذة أرضية وشهوة جسدية..
يجب أن تعرف أنَّ الخطية لا تُعطي شيئاً، بل هى تأخز كل ما عندنا، وطريق الخطية إن كان يبدو مُزيناً، مليء بالأفراح واللذات الجسدية إلاَّ أنَّ نهايته بحيرة مليئة بالنار والكبريت، وكل من واصل السير فيه كان الموت نهايته، وربَّما يؤكّد كلامي هذا ما رواه أحد الأغنياء عن نفسه قائلاً:
" أنا رجل أعمال، من الخارج اعتبر في نظر الناس ناجحاً، ولكن في الداخل قليلون هم الذين يدركون سر تعبي، فقد كنت مشهوراً بعلاقاتي الجنسية والتي امتلكت حياتي، ولم أقدر أن أعيش بدونها ولو ليوم واحد، لقد وضعت كنزي في النساء حتي إن قلبي كان معهن دائماً، وهذا ليس بغريب فالانجيل يقول: " لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً " ( مت21:6)، لكن ماذا ربحت من حياة النجاسة التي عشقتها؟ من جهة أُسرتي لم أكن أشعر بسلام وسعادة وأنا معهم علي الإطلاق، فكنت دائم الخصام والشجار مع زوجتي التي قاست بسببي حتي إنَّها حاولت أن تنتحر مرتين، أمَّا عملي فكاد أن ينهار، فقد خسرت مرَّة ملايين الدولارات حتي كنت أبكي، وشعرت بأنني مثل اليتيم وليس لي أصدقاء ولا أقارب، وكنت أزداد يأساًَ يوماً بعد يوم، ولولا أن تدخل الله في حياتي لهلكت..".
إهرب من الأشياء الي تسقطك في الخطية
" فترك ثوبه في يدها وهرب "
قال الملاك للوط: " اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ، لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ، اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلَّا تَهْلَِكَ " ( تك17:19).
ومعلمنا بولس ينصح تلميذه تيموثاوس قائلاً: " أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا " (2تي22:2)، ويُعلل ذلك بأنَّ: " الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ " (1كو33:15).
أمَّا داود النبي فيقول: " طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ " ( مز 1:1).
والقديس أندراوس الدمشقيّ كان يُناجي نفسه قائلاً: يا نفسي إهربي مثل لوط من حريق الخطية، فرّي من سدوم وعمورة، إهربي من لهيب كل شهوة بهيمية ".
فحاول أن تهرب من الأشياء التي تُسقطك في الخطية، ولا تظن أن هذا ضعف، فالهروب من الخطية فضيلة وقوة.. لأنّه يدل علي أنَّ القلب من الداخل يكره الخطية، ولا يرغب التمرغ في وحلها.. كما أنَّه لا يريد معاشرة الخطاة وصحبتهم، وتذكر أنَّ هروب يوسف الصديق من امرأة فوطيفار، كان هو السبب في عدم سقوطه، ولولا هروبه لكان قد سقط وتدنّس وأغضب الله.
وهنا نتسائل: أيهما كان أقوي: شمشون الذي غلب الأسد وهُزم من شهواته، أم يوسف الذي غلبه إخوته لكنّه غلب شهواته ولذاته؟.. حقاً: لقد كان شمشون القوي ضعيفاً أمام شهواته.. بينما كان يوسف الضعيف قوياً لأنّه انتصر وغلب شهواته.. ولهذا فيوسف يُعد أقوي من شمشون، وقد انطبق عليه قول معلمنا بولس: " لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ " (2كو10:12).
يقول القديس أُمبروسيوس
" إنَّ شمشون القادر الشجاع غلب الأسد، لكنه لم يستطع أن يغلب هواه، وقطع وثق أعدائه لكنه عجز عن قطع شهوته، وأحرق أكداس الظالمين ولكن أحرقه لهب اللذة المحظورة التي أوقدتها فيه امرأة واحدة ".
قد تكون مسببات الخطية نابعة من داخلك، وكما يقول معلمنا لوقا البشير: " اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ " ( لو 45:6).
أو من حواسك التي تجمع مناظر وأحاديث تتعبك وتتسبب في سقوطك.. أو من أفكارك.. ولهذا يجب علي الإنسان أن يضبط نفسه ويتحكم في حواسه، كما قال القديس بولس الرسول: " َمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ " (2كو5:10).
وقد تكون المسببات من الشيطان الذي يستطيع أن " يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! " (2كو14:11)، وكثيراً ما يقدم أفكاراً خاطئة ليسقط البشر، كما قدّم للسيد المسيح في التجربة علي الجبل ثلاثة أفكار (مت4 )، أو يظهر في رؤية أو حلم، ولهذا يقول يوحنا الحبيب: " لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ " (1يو1:4).
وفي مواقف كثيرة تكون مسببات الخطية، من الأقرباء والأحباء.. فآدم آتته العثرة من حواء امرأته.. ويعقوب من أمه التي دبّرت له الحيلة.. وشمشون من دليلة التي أحبها.. وآخاب من إيزابل زوجته..
وما أكثر الأطفال في البيوت، الذين تأتيهم العثرة من والديهم، سواء عن طريق الشتائم أو الألفاظ القبيحة التي يسمعونها.. أو من مناظر اعتداءات الرجل علي زوجته التي يرونها..
فالأفضل أن تبعد عن كل الأشياء، التي تتسبب في سقوطك في الخطية حتي لا تؤثر عليك، واهرب من كل الذين يجذبونك إلي أسفل، ويفقدونك روحياتك.. ولا تُدخل نفسك في تجربة قد لا تستطيع أن تخرج منها..
ولا تظن أنك أقوي من شمشون الذي سقط، أو داود الملك، أو غيرهما.. فالخطية هي التي " طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ" ( أم 26:7).
وتذكّر ما قاله مار إسحق السريانيّ: " تحكّم قبالة مسببات الآلام فتهدأ منك الآلام من ذاتها "، كما قال أيضاً: " لا يتحرر الإنسان من لذة الخطية ما لم يمقط سببها من كل قلبه مقطاً نهائياً ".
والقديس دوروثيئوس يقول: " يجب علي الإنسان أن يقتلع، لا الشهوات فحسب بل وأسبابها، ويسمّد حاله بسماد التوبة، عندئذ يلقي البذار الحسنة، أي الأعمال الصالحة ".
أمَّا القديس باسيليوس فيقول: " إذا إدَّعي رجل أنَّ معاشرة النساء لا تضره، فهو إمَّا أن يكون ليس برجل، وإمَّا أنَّه لا يشعر بتأثير المُغريات ".
فهل وصلت للدرجة التي لا تتأثر فيها بالنسـاء ؟!
أعتقد أنها درجة القديسين الكـاملين ، فالأفضل لك
هو البعد عن كل المسببات التي تُسقطك في الخطية.
إطرح الخطية من بدء محاربتها لك
" لنطرح عنا كل ثـقل والخطـية المحيطة بنا،
ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا"
من السهل أن نطرح الخطية ونتخلص منها وهي لازالت صغيرة، فالأشياء في بدء نشأتها يمكن التغلب عليها بسهولة أكثر مما لو كبرت.
فمثلاً: الشجرة في أول حياتها تكون لينة، ولذلك يمكن أن تقوّم إعوجاجها أو تقلعها بسهولة، ولكن بعد فترة من الزمن إذا كبُرت لا يمكن بسهولة تحقيق ذلك، أيضاً الشبل الصغير ما أسهل أن تقتله، ولكن لا تستطيع ذلك إذا كبُر وصار أسداً.
وقد تغرق السفينة من ثقب صغير في أسفلها، كما تغرق من موجة كبيرة تصدمها، أو عاصفة تصادفها، وقد يمكن تفادي الرياح والزوابع، ولكن ثقباً صغيراً لا تلتفت إليه قد يعظم ضرره ولا يمكن إتّقاء شره.
قال البعض
" إحترس من الصغائر التي تظهر أنَّها أُمور هينة، لأنَّ الصغائر تُوّلّد الكبائر، ومعظم النار من مستصغر الشرر ".
لو تركت خطية واحدة ترعي في قلبك لأفسدته ودنسته، والذين استسلموا لخطية واحدة ولم يقاوموها في البداية، قادتهم تلك الخطية إلي الهلاك الأبدي، وفي هذا يقول معلمنا القديس يعقوب الرسول: " مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماًفِي الْكُلِّ " ( يع10:2).
يقول القديس دوروثيئوس
" إقطع الآلام دائماً وهي لا تزال صغيرة، قبل أن تتأصل فيك، وتقوي وتبدأ في إضعافك، لأنّك عندئذ تُقاسي منها الكثير، فإنّه يوجد فرق كبير بين جني ورقة عشب صغيرة، واقتلاع شجرة ضخمة من جزرها ".
فاحذر واحترس وبادر إلي اقتلاع الخطية وهي لا تزال عشب، ولا تتهاون في أية زلة مهما كانت صغيرة، وإلاَّ ستجد منها أخيراً سيداً قاسياً عنيداً، تضطر أن تسير أمامه كعبد مقيد زليل.
وإن كانت سفينتك جازت وسط البحر، وتفادت الصخور، وقاومت الزوابع والعواصف، فاحذر الريح اللينة، والأوحال القليلة، والقش الضعيف.
إمسك الثعالب الصغيرة واقتلها قبل أن تفسد كرمك، أمتْ تلك الانحرافات التي تظهر في باديء الأمر أنّها صغيرة، فتلك الزلات الصغيرة والعادات البسيطة التي لا تخشاها في أول الأمر، قد تنمو وتكبر وتتكاثر وتُوّلّد فيك خطايا لا يمكنك التخلص منها بسهولة! أليست الديدان الصغيرة التي لم تهتم بقتلها، قد تصير في يوم ما حيات سامة وأفاعي مميتة؟!
فانتبه أيها الحبيب إلي كل ما هو صغير، وحاول أن تتخلّص منه قبل أن يُقيّدك شيئاً فشيئاً، إلي أن تصير القيود الخفيفة سلاسل حديدية، يصعُب التخلص منها فيما بعد!!
إعرف قيمة جسدك وروحك
إنَّ أجسادكم هي أعضاء المسيح أفآخذ أعضاء
المسـيح واجعلها أعضـاء زانـية، حاشا "
عندما تعرف أنَّ جسدك هو عطية من الله، وديعة وسوف تُحاسب عليها يوم الدين لا تتجرأ وتفعل الخطية، لأنّها تُشوّه وتُتلف ليس أعضائك فقط، بل وأعضاء السيد المسيح أيضاً (1كو15:6).
لقد اختار الرب أن تكون أجسادنا مسكناً له، هيكلاً لروحه القدوس: أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ"(1كو6: 20،19) وكل من يعيش في الخطية يُهين هيكل الله.
وليست مسئوليتنا أمام الله عن أجسادنا، هي فقط التي تساعدنا علي ترك الخطية، بل أيضاً وحاجتنا إلي أجساد صحيحة، نستخدمها لفائدتنا في الحياة التي نعيشها عاملاً كبيراً، يجعلنا نطرح الخطية بسهولة.
أيضاً عندما نعرف أنَّ أيّ خطية مهما كانت، كافية لإحدار نفوسنا إلي الهوة السحيقة، حيث البحيرة المتقدة بالنار التي لا تطفأ والدود الذي لا ينام نطرح عنا الخطية، رأفة بنفوسنا الخالدة وحباً في خلاصها، حتي لانرسلها إلي الجحيم بل إلي السماء حيث الله والقديسين والأبرار، " فمجدوا الله في أجسادكم وأرواحكم التي هي الله" (1كو20:6)
تأمل في الله ومحبته
" هكذا أحب الله العالم حتي بـذل ابنه
(يو16:3)
عندما تتأمل في أُقنوم (الآب)، الذي خُلقنا علي صورته ومثاله في البر والقداسة، تجد ما يساعدك علي طرح الخطية، لتحفظ صورة الله التي خُلقت عليها، طاهرة، نقية، بلا عيب ولا دنس..
وعندما تُفكّر في أُقنوم (الابن)، الذي أحبنا وبذل ذاته لأجلنا، محتملاً آلامات وعذابات يصعُب وصفها، انتهت بسفك دمه الطاهر وموته علي عود الصليب، تهرب من الخطية التي سببت لفادينا الحنون كل هذه الآلام..
وعندما تنظر إلي أُقنوم (الروح القدس)، كعطية إلهية أراد الله أن تكن أجسادنا مقراًَ لسكناه (1كو19:6)، لا نطرح من قلوبنا كل خطية ودنس فقط، بل ونبكي بكاءً مرّاً علي خطايانا السابقة، التي جعلتنا نُحزن روح الله القدوس.
إذاً من يعمل الخطية لا يهين نفسه فقط بل ويهين الله، يهين (الآب) لأننا بالخطية نحتقر قداسته!!
ونؤلم (الابن) لأننا نحتقر محبته، ونرفض كل ما عمله وما احتمله لأجلنا!!
ونُحزن ( الروح القدس)، الذي لا يقبل أن يسكن في قلوب فاسدة قد دنستها الخطية!!
وفي الأبدية وما أعده الله للمؤمنين
" ما لم تر عين، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر
علي بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه"
مشكلة كثير من الخطاة أنَّهم لا يُفكرون في الحياة الأبدية، وما أعده الله لمُحبّي اسمه القدوس، وفي أورشليم السمائية، كما أنّهم لا يُفكّرون في طبيعة الحياة بعد الموت، إذ لا جوع ولا عطش ولا حر ولا برد ولا بكاء أو تنهد أو وجع أو مرض، ولا شهوات ولا ميول منحرفة، ولا غيرة ولا حسد ولا خصام، ولا ظلام لأنَّ الرب سوف يُنير طرقهم وقلوبهم، ولا جهل بل معرفة..
فإذا فكّر الخطاة في مجد السماء، أعتقد أنّهم لا يعيشون في الخطية لحظة واحدة، لأنَّه ما هي لذة الخطية لو قورنت بسعادة الأبدية؟! وما هي لذة الحياة مع إبليس لو قورنت بجمال الحياة مع الله؟! وما هى قيمة الأشياء المحدودة لو قورنت بالله غير المحدود؟! وهل تترك ما لم تر عين وما لم تسمع به أُذن.. وتبحث عن أشياء فانية لا قيمة لها؟!
قصــة
كان يوجد ملك يعبد الأوثان له مشير صالح لا يفتر عن عبادة الله، وكان يترقّب فرصة ليجتذب الملك إلي الإيمان.. فاتفق أن قال له الملك في يوم: هلم نتمشي في المدينة لعلنا نعثر على شيء نافع، وبينما هما يمشيان، أبصرا بصيصاً من نور ينبعث من ثقب ما، فأمعنا النظر فيه، فاهتديا إلي شبه مغارة في الأرض، كان يعيش بها رجل عيشة الفقراء، وعليه ثياب بالية، وأمامه امرأته تنظر إليه في بهجة وسرور، وتُحدّثه في هيبة ووقار..
أطال الملك ومن معه النظر في ذلك ساعة من الزمن، وتعجَّبوا من أنَّ الرجل وزوجته رغم فقرهما الشديد إلاَّ أنَّهما يتمتعان بهذا الفرح!! وبعد صمت طويل قال الملك لوزيره: من العجب أننا لم نذق لذة عيش مثل هذه مع أننا نتقلّب في رياض العز والنعماء.. فانتهز الوزير الفرصة وقال: ينبغي أن تعلم أيها الملك أنَّ عيشنا وإن كان يُظن عند الناظرين إنه محفوف بالنعيم والهناء.. إلاَّ أنَّ المساكن المموهة بالذهب والملابس الحسنة والنعيم العالميّ.. ليست بشيء لو قورنت بما أعده الله لنا في السماء، من المساكن التي ليست مصنوعة بالأيدي، والتيجان التي أعدها لمحبيه مما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر علي قلب بشر.. والذين سيتنعمون بهذه النعم ينظرون إلينا بعيون ملؤها الحزن والأسف..
فلمَّا سمع الملك هذا الكلام ذُهل وقال: ومن هم الذين يتمتعون بكل هذا؟ فقال الوزير: هم الذين فضلوا الأشياء الدائمة علي الفانية، فأراد الملك أن يعرف ماهية الأشياء الدائمة؟ فأجابه الوزير: هي مملكة لا تنقرض وحياة لا يعتريها فناء، وغني لا يُخشي معه فقر، وفرح لا يُمازجه كدر.. فقال الملك: وما هو الطريق الذي يؤدي إلي هذه الحياة؟ فقال الوزير: هو الإيمان بالإله الحق خالق السماء والأرض.. وبابنه يسوع المسيح الذي أحبنا وفدانا بأن مات على الصليب، وبالروح القدس الذي يرشدنا ويعزينا ويملأ قلوبنا بالمحبّة والفرح والسلام.
إلتجيء إلى الله الذي قال
" بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً "
لقد خلق الله الإنسان وكوّنه، بحيث أنَّه لا يستطيع أن يعيش بدونه، ولا يمكن أن تكفيه الممتلكات المادية وحدها، فلابد أن يكون له علاقة روحية مع الله.
فالسباحة في الفضاء، والهبوط على سطح القمر، والغوص في أعماق المحيطات.. هى وسائل ترفيهية مهما كان فيه من نشوة وإثارة، إلاَّ أنَّها لا يمكن أن تُشبع جوع الإنسان الداخليّ.. والحصول علي مركز مرموق، والسكن في فيلا فاخرة، ومشاهدة البرامج المسلية علي شاشات التلفزيون.. كل هذه ليست الحل لمشاكلنا، فلابد للإنسان من الله.
قال بوذا في نهاية حياته: " لا أزال أبحث عن الحقيقة "، ويمكن أن يُردد هذه العبارة عينها آلاف البشر، من الفلاسفة والعلماء والأغنياء، ولا يستطيع أحد أن يُجيب مثل السيد المسيح الذي قال: " أَنَا هُوَ َالْحَقُّ " ( يو6:14).
وقال هندوسي عريق في بلاد الهند، وهو يضع يده علي قلبه: إنّي أحتاج إلي شيء، نعم أحتاج إلي شيء هنا "، وهذه صيحة جميع الناس في كل الأوقات، أمَّا هذا الشيء فهو الله، فالحياة بدون الله تعيسة وفارغة ولا معني لها، بدون الله لا حياة ولا أمل في حياة، ولا نمو أو إخضرار.. إنَّما يعُم القحط قلوبنا.
عندما إنتشر الفساد في الغرب، وسادت الخطية، وسيطرت اللذة, وتملّكت الرفاهية.. وسيطرت علي الكثيرين، قال بعض المستهترين الملحدين: " لقد مات الله في القرن التاسع عشر "!! ولكن بعد أن اكتشفوا حقيقة الخطية المرَّة، وما يجنيه الإنسان منها عادوا فقالوا: " والإنسان قد مات في القرن العشرين "، فأعلنوا بذلك أنَّه لا حياة للإنسان بدون الله.
أمَّا الله فهو أب حنون " يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ " (1تي4:2)، وهو لا يسر بموت الشرير بل برجوعه عن طرقه فيحيا ( حز23:18)، والسبب في هذا: إننا جبلة يديه التي علي صورته ومثاله قد خلقها.
فالمرأة الخاطئة، والسامرية، ومتي الرسول، وزكا العشار، وموسي الأسود، وأغسطينوس، وبيلاجية.. وغيرهم كثيرين وكثيرات، قد جاءوا إليه خطاة، ملوثين بالإثم.. لكنهم في الحالقد نالوا منه نعمة الغفران، ومنحهم السلام..
إنَّ الله قادر أن يُخلّصك من سلطان الخطية، ويُحررك من عبوديتها، لأنَّه قادر وسبق أن خلّص كثيرين، ممن كانوا يعيشون في ظلام الشر والفساد.. وهو لا يزال إلي اليوم يحطم قيود الكثيرين، ممن تألموا تحت نير عبودية الخطية القاسية، بشرط أن تلتجيء إليه، ويكون لديك دافع أن تتخلّص من خطاياك.
يقول القديس أغسطينوس
" إنِّ الله الذي خلقك بدونك، لا يخلصك بدونك ".
أيّ أنّ الله علي الرغم من أنه قد خلقك بغير إرادتك.. إلاَّ أنَّ خلاصك لابد أن يكون بكامل إرادتك وبملء حريتك.
والله يستطيع أن يُخلّص في الحال لأنَّ قدرته فائقة!! فهو يستطيع بمجرد لمسة، أو كلمة.. فيده ممتدة في كل حين، لتلمس كل قلب يعيش في الدنس، لتطهره وتُعطيه خلاصاً فينال الحرية ويعيش في سلام..
كل هذا يحتاج إلي شيء واحد: " َادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي " ( مز15:50).. " ِاسْأَلُوا تُعْطَوْا، اطْلُبُوا تَجِدُوا، اقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ " (مت7:7).
فكل خطية يمكن طرحها بسهولة، للذين عرفوا الرب يسوع.. وأيقنوا أنه ليس بأحد غيره الخلاص ( أع 12:4)، وأسلموا قلوبهم لعمل النعمة الإلهية..
فزكا العشار كان قبل أن يعرف الرب، رجلاً قاسياً وظالماً، ومحبّاً للمال.. ولكن بعد أن رآه وتلامس معه، رأي الخطية في صورتها القذرة وكم هي خاطئة جداً؟! ولأنّه كان صادقاً في إيمانه، استطاع بسهولة أن يطرح من قلبه صنمه الذهبيّ، وخطيته المحبوبة.. ولذلك قال: " هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ " ( لو 8:19).
أما أنت فإذا تركت الخطية فلا تتأسف عليها، ولا تحاول أن تعود إليها مرّة تانية، لئلا تكون أواخرك أشر من أوائلك..
وتذكّر امرأة لوط كيف أنَّها عندما خرجت من المدينة، ونظرت وراءها – إلى شهوات المدينة - صارت عمود ملح.
وفرعون لمَّا ندم علي إطلاقه بني إسرائيل، وذهب وراءهم لكي يرجعهم إلى العبودية، غرق هو وجيشه في البحر الأحمر، فمات ودُفنت معه قسوته.
ولهذا أوصي السيد المسيح المُخلع بعد أنَّ شفاه قائلاً: " هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً لِئلا يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ " (يو14:5).
لا تخدعك ينابيع العالم فكلها جافة
" تركوني أنا ينبوع المياه الحية ، لينـقروا
لأنفسهم آباراً، آباراً مشققة لا تضبط ماء"
إنَّ العالم قد اخترع لنفسه ينابيع كثيرة للهو والمسرات، ولكنها كلها ينابيع جافة، كاذبة ومضلة، وهي أشبه بالسراب الذي يراه السائر في الصحراء ماء، وبعد أن يركض نحوه يتحقق أن ما رآه، إنَّما هو وهم وخيال.
فالعالم منذ أن وضع في الشرير، مملوء من السراب الخادع، والوهم الكاذب، وكم من نفوس سارت وراء خداعه، ولم تستيقظ إلاَّ بعد أن تألمت وأدركت حقيقة ضلالتها، فسارت في طريق الحياة الحقيقي، الخالي من الغش، فنجت ووصلت إلي بر النجاة، وكم من نفوس سارت وراء خداعه ولم تستيقظ، فختمت حياتها باليأس والهلاك.
من أمثلة الينابيع الجافة:
++ شهوات الجسد
كان سليمان الحكيم ملكاً غنياً ومقتدراً.. وقد ساعدته ظروفه علي التمتع بكل ما في الحياة، فيقول: " جَمَعْتُ لِنَفْسِي أَيْضاًفِضَّةً وَذَهَباً وَخُصُوصِيَّاتِ الْمُلُوكِ وَالْبُلْدَانِ، اتَّخَذْتُ لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ وَتَنَعُّمَاتِ بَنِي الْبَشَرِ سَيِّدَةًوَسَيِّدَاتٍ.. وَمَهْمَا اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ "، لكنه عاد وقال: " ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ! " ( جا 2: 8-11).
وعلي نهج سليمان لازال الكثيرون يركضون اليوم وراء شهوات الجسد، لكنهم للأسف يرجعون فارغين، لأنَّ من يركض وراء أيّ شهوة جسدية، لا يجني سوي مرارة النفس وأمراض الجسد وضياع المال.. هذا بالإضافة إلي ما يجنيه البنون من فقر وأمراض وسمعة رديئة..
فلا سعادة تجنيها من شهوات الجسد، سواء كانت تلك الشهوة نجاسة يرتمي الجسد في أقذارها.. أو استباحة يقود إليها ميل الجسد الفانيّ.. وهذا هو اختبار الخطاة عقب كل مرّة ينساقون فيها وراء أحلام الشهوة، فجميعهم يعترفون بأنّهم كانوا يركضون وراء سراب كاذب، عادوا منه وهم يحملون في نفوسهم مرارة الاختبار القائل: باطل الأباطيل الكل باطل.
++ الغني
ينبوع ثانٍ من الينابيع الجافة، يخدع الناس ببريقه!! وهذا أيضاً اختبره سليمان فيقول: " جَمَعْتُ لِنَفْسِي أَيْضاً فِضَّةً وَذَهَباً وَخُصُوصِيَّاتِ الْمُلُوكِ وَالْبُلْدَانِ " ( جا2: 8،7)، ولكن النهاية: باطل الأباطيل الكل باطل!!
ومع أنّ ينبوع الغني جاف وليس فيه ما يروي، إلاَّ أنَّ صنم التمثال الذهبيّ، صار معبود الكثيرين اليوم، وأصبحت الثروة هي نقطة إرتكاز آمالهم، ولأجل المال أهمل الكثيرون واجبات العبادة، وبسبب حب المال صار الإخوة أعداء!!
والحق إنَّ من يبحثون عن سعادتهم في المال متوهمون!! فها هو سليمان يعلن للجميع أنَّه سراب كاذب وينبوع جاف! فيقول: " مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ، هَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ ( جا 10:5).
فالمال وإن كانت تراه العين وتلمسه اليد، إلاَّ أنَّه عاجز عن أن يلمس القلب من الداخل، حيث مركز السلام الحقيقي والسعادة الحقيقية، كما أنَّ المال تذكرة سفر تستطيع أن تسافر بها إلي أيّ بلد في العالم إلا السماء، بالتوبة أولاً ثم أعمال المحبة... تستطيع أن تدخل هذا البلد العظيم.
++ التسالي
ينبوع ثالث من الينابيع الكاذبة الجافة، إلتجأ إليه سليمان عندما حاول إدخال السرور إلي قلبه، والوصول إلي السعادة، فيقول: " بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتاًغَرَسْتُ لِنَفْسِي كُرُوماً، عَمِلْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ وَغَرَسْتُ فِيهَا أَشْجَاراًمِنْ كُلِّ نَوْعِ ثَمَرٍ، عَمِلْتُ لِنَفْسِي بِرَكَ مِيَاهٍ لِتُسْقَى بِهَا الْمَغَارِسُ الْمُنْبِتَةُ الشَّجَرَ.. ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ! " ( جا 2: 4-11).
إن أفضل ما قيل عن ينابيع العالم، أو الشهوات المادية، أو ملذات العالم الفانية.. إنها لا تشبع ولا تُشبع، آلاماً تسبقها وآلاماً تلحقها، فكل شهوة يطيعها الإنسان، تلهب فيه شعوراً بالتعطش، إذ يطلب المزيد كالماء المالح الذي لا يروي، وفي نفس الوقت يُضاعف الشعور بالعطش.. وفي ذلك يقول السيد المسيح: " كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً " ( يو13:4).
سر في نور المسيح فيتبدد ظلام الخطية
" سيروا في النور مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام "
يُخبرنا الوحي الإلهيّ بأنَّ الأرض في بداية خلقتها كانت خربة وخالية ومغمورة في ظلمة حالكة (تك1: 2)، لكنَّ الله استطاع أن يُحوّل هذه الظلمة إلى نور عظيم (تك1: 3،4)، إلاَّ أنَّ البشر أحبوا ظلام الخطية أكثر من نور التوبة! لكنَّ الله لم يُسرْ بهذه الظلمة أيضاً، فدبَّر أن يُشرق بنوره الإلهيّ لكي يبددها، فأرسل ابنه الحبيب نوراً للعالم وقد تم المكتوب: " اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً، الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظَِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورًٌ " (إش9: 2).
لقد وُلِد المسيح نوراً للعالم واستطاع بأشعته السماوية البرّاقة، أن يجعل سُحب الظلام تتوارى وتهرب! فالظلام ضعيف ولا يستطيع أن يصمد أمام لهب صغير، ولكنَّه يُقاوم ولا يستسلم، آملاً أن يسدل ستاره الكثيف على الوجود، وإن كان يعلم أنَّه لن يقدر، إلاَّ أنَّه يشنّها حرباً على ذاك الذي يكرهه، أعنى النور، لأنَّه يكشف قُبحه ويبدده ويُعلن ضعفه! والسؤال الحائر هنا: إن كان الظلام ضعيفاً ومملاً ومخيفاً وضاراً.. فلماذا يعشقه الكثيرون ويفضّلّونه على النور؟! هل لأنَّ النور يفضح أعمالهم الشريرة بينما يخفيها الظلام؟!
قبل مجيء السيد المسيح كانت هناك أنوار كثيرة يتبعها الناس، بعضها أشعة من نور الحق، وبعضها شعلات كاذبة تتأجج ثمَّ تنطفيء تاركة الإنسان في ليل أشد سواداً، وإلى الآن لازالت هناك أنوار جزئية لا تُعلن كل الحق، وأنوار كاذبة تُضلّل البشر، والناس بالرغم من هذا يتبعونها! ويعتقدون أنَّها تكفي لإرشادهم في طريق الحياة! وهم بهذا لم يدركوا أنَّ يسوع وحده هو النور الحقيقيّ، الذي يُنير قلب الإنسان والذي يُضيء الطريق أمامه.
قديماً كان الله يحيا بالنسبة للأُمَميّ، إمَّا في عالم يسوده الظلام فلا يستطيع أحد أن يصل إليه، أو في نور لا يقدر أحد أن يدنو منه! ولكن عندما جاء المسيح وعم بنوره المسكونة كلها، استطاع الناس أن يروا فيه صورة الله.
لقد ذهبت الأشباح المخيفة وتوارى الظلام، فالنور قد جاء ليُضيء للجالسين في الظلمة وظلال الموت، وأيضاً لكي يتلاشى ظلام الموت، ذلك العدو اللدود للبشر الذي كان الناس يخشونه، وفى خوفهم قد أصبحوا طيلة حياتهم عبيداً له، فأشجع القلوب وأقواها كان يذوب عند ذِكر هذا العدو، ولكن بمجيء المسيح وانتصاره على الموت، أظهر لنا أنَّ الموت ليس هو نهاية الحياة الحقيقية بل بدايتها، فهل لنا أن نقول: إن متنا فذاك الموت يُحيينا؟!
إن قلنا إنَّ الله نور فالخطية ظلام، والنور والظلام لا يجتمعان معاً، شأنهما شأن الصباح والليل، فالصباح لا يلتقي بالليل إلاَّ لكي يبدده! ولهذا منذ بداية الخليقة " َفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَاراً وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلاً " (تك9:1).
والعجيب في قصة الخلق أنَّ الله لم يمحُ الظلمة، فلم يقل: لا تكن ظلمة، إنَّما قال: " لِيَكُنْ نُورٌ " (تك3:1)، فكان نور وبقيت الظلمة ولا تزال باقية كما هي، وقد علّمنا بهذا أنَّ أفضل وسيلة لمواجهة الظلام هي زيادة الأنوار، والحق إنَّ شمعة واحدة مُضيئة تكفي لأن تُضيء مساحة كبيرة من الظلام، فإلى هذه الدرجة الظلام ضعيف!!
لعل أهم بركات النور أنََّه يكشف لنا مدى قُبح الخطية، فإذا أتينا بثوب ملطخ ووضعناه في مكان مظلم، فإننا لا نرى ما فيه من أقذار، أمَّا إذا أُضيء المكان ففي الحال سنرى ما ستره الظلام..
وكم من نفوس عاشت وهى لا تشعر بعيب فيها! لأنَّ الظلام كان قد أعمى عينيها، ولكن ما أن واجهها نور المسيح فسرعان ما استيقظت وشعرت بخطيتها وثقل ذنوبها.. ألم يضطهد شاول الطرسوسيّ كنيسة الله ظاناً أنّه بهذا يُقدّم خدمة مرضية لله؟! ولكنَّه ما أن نظر نور المسيح حتى خر كالميت وشعر بأقذاره، فصرخ بصوت الطفل الرضيع، والتائب النادم وقال: " يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ " (أع9: 6).
والنور لا يكشف لنا قُبحْ الخطية فقط، بل ويُهدينا إلى طريق الله أيضاً، فالذي يمشي في الظلمة لا يعلم إلى أين هو يمضى، أمَّا الذي يمشي في النور فلا يتعثر، والعالم بلا يسوع لا يعرف إلى أين يذهب، أمَّا من يسير في نوره فيصل إلى الميناء بسلام.
بدون الله لا حياة ولا أمل في حياة، وبدون نور المسيح حتماً سنشكو من الظلام، ألم يقل إشعياء النبيّ: " ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ، نَنْتَظِرُ نُوراً فَإِذَا ظَلاَمٌ، ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ، قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى " (إش59: 9،10).
حقاً إنَّ بعض الملحدين قد أنكروا وجود الله، وجعلوا من الدين عرضاً من أعراض طفولة الشعوب أو قصور العقل البشريّ! ولكنَّ الإنسان مهما حاول أن يطرد فكرة الله من عقله، فإنَّ هذه الفكرة لابد من أن تعود إليه بصورة أُخرى، مادام العالم الذي نعيش فيه ناقصاً لا يستطيع أن يكتفي بنفسه! وهل نُنكر أنَّ كثيرين حاولوا أن يلغوا فكرة الله وبالتالي العبادة الدينية من حياتهم، لكنَّهم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاستعاضة عن الديانات القائمة بديانات أُخرى جديدة من صنع البشر! ألا يدل هذا على أنَّ الإنسان مخلوق غير كامل، وهو في حاجة إلى قوة أُخرى يسد بها ما في عالمه من نقص؟!
هل تُسمّى الحياة حياة إذا عاش الإنسان لشهواته ؟! إنَّها حياة عقيمة! تصير الحياة ذات معنى إذا عاش الإنسان من أجل هدف سامٍ، واعتقد أنَّ أسمى هدف هو الله! أمَّا إذا عاش الإنسان لشهواته فسوف يُشبه الحيوان، لأنَّ الحياة الشهوانية تُحطّم قيمة الإنسان، وأعتقد أنَّ الله في اليوم الأخير سيسأل كل من عاش لشهواته قائلاً: لقد خلقتك إنساناً فلماذا لم تُصبح إنساناً؟!
إنَّ من يزرع بذور الشهوة، ثمَّ يطمع أن يأكل ثمار المحبة الإلهية هو إنسان جاهل، لأنَّ بذور الشهوة لا تُثمر سوى الحقد والكراهية والخوف... وكيف يطلب إنسان شهوانيّ، أن يأكل ثمار الحُب الإلهيّ وهو لا يعي وجود الله؟! والعجيب أننا نُسمّيه إنساناً حيـاً! فإن كان مثل هذا حياً فمن يا تُرى ذلك الإنسان الذي يحق أن ندعوه ميتاً؟!
عندما تكون حرارة الروح مشتعلة، فإنَّها تملأ الجسد دفئاً روحياً، وتُعيد إليه نشاطه من جديد! ولهذا أوصى الآباء بأن نجتهد ونُشعل حرارة الروح فينا، مادام في جسدنا قوة وشهوة الطبيعة تعمل فينا، لكي نستبدل شهوة بشهوة، وتأخذ شهوة الروح الغَلَبة، وتنتصر على شهوة الجسد! فإذا اشتعلت شهوة الروح خمدت شهوة الجسد..
أحب الرب إلهك لتطرد من قلبك محبة الخطية
" المحبـة لا تسـقط أبداً "
(1كو8:13)
إن أحببت الله من كل قلبك، تستطيع بسهولة أن تطرد محبة الخطية من قلبك، لأنَّ من يُحب الله لا يجد في الخطية لذة علي الإطلاق، بل ينفر منها، لأنَّها خاطئة ولا توافق طبعه..
ويجب أن تعلم أن الله خلق الإنسان وهو يحمل في داخله غريزة الحب، فإن لم يُحِب الله سيحب الشيطان، وإن لم يُحِب القداسة سيحب حياة النجاسة.. فإن كنت تريد أن تتخلص من شهوة خطية تملكت عليك فلابد أن تستبدلها بشهوة أُخري أقوي وأفضل منها، ولا أظن أنَّ هناك أحلي من شهوة الحُب الإلهي.. ولهذا يقول ابن العبريّ: " من أحب أمر أبغض ما هو ضده، ولا يرغب التفكير في هذا المضاد ".
أمَّا مار إسحق السريانيّ فيقول: " الشهوة إذا تسلّطت علي النفس واستعبدتها، تُخرجها من حريتها وتجذبها لتكميل ما تأمرها به، ولا تنقلع من النفس إلاَّ بمحبة شهوة أُخري تُضادها، لأنَّ الشهوة بشهوة تبطل أيضاً، ومحبة بمحبة، وعادة بعادة تتغير.. "
ولا توهم نفسك بأنك تستطيع أن تجمع بين هاتين الشهوتين في وقت واحد، لأنَّ محبة الله لا تتفق مع محبة الشيطان " لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَ الإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاقٍ لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ " (2كو6: 14-16).
وإذا سألت كيف أُحِب الله؟ لقلت لك: إنَّ التفكير الكثير في الله، يلد محبته في قلبك، كما أنَّ محبته إذا تولدت في قلبك، تجعلك تفكر فيه بالأكثر، وكل من الأمرين يوصل إلي الآخر ويقويه.
ولو أكثرت التفكير في صفات الله أو أعماله أو معاملاته للناس، أو من جهة وصاياه وكلامه.. ستنشغل بالله كثيراً، ومشغوليتك به ستجعلك تفكر فيه بالأكثر، وتفكيرك فيه سيزيد محبتك وهكذا تدور الدائرة.
كما أنَّ تفكيرك في الله سيقدس فكرك، ويلد في قلبك مشاعر روحانية سامية، وفي ذلك تستحي أن تفكر في أيّ شيء خاطيء أو شرير، ويكون صعب عليك أن تخلط أفكارك المقدسة بأيّ فكر نجس أو حتي عالمي.
ويوصلك التفكير في الله إلي نقاوة القلب، فتتعود الصلاة الدائمة، وتشعر بأنك في حضرة الله باستمرار، وفي هذا الحضور الإلهيّ لا يجرؤ الشيطان أن يقترب إليك.. وبالتالي من الصعب عليه أن يُسقطك في الخطية..
يقول القديس يوحنا الحبيب: " هَذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً " (1يو 3:5)، وبهذا أعلمنا أن حفظ الوصايا الإلهية يُوّلّد في القلب محبة الله.
فالذي يحفظ وصايا الرب يقترب منه، ومن يقترب من الله يقترب من أخيه، ومن يقترب من أخيه من الصعب أن يُخطيء إليه.. وإليك هذا التشبيه:
تصور دائرة تخرج من مركزها خطوط، فبقدر ما تبتعد الخطوط عن المركز بقدر ما تفترق عن بعضها البعض، وبالعكس كلّما اقتربت من المركز تقاربت نحو بعضها البعض.. افترض أنَّ هذه الدائرة هي العالم، ومركزها الله، والخطوط هي حياة البشر، فإذا اقترب الناس من المركز عن طريق حفظ الوصايا، اقتربوا نحو بعضهم، وإذا ابتعدوا عن المركز (الله) متجهين نحو الأمور الخارجية، ابتعدوا عن بعض، وهذا يجعلهم يرتكبون الشر بعضهم نحو بعض.
فإذا أحببت الله وأشرق عليك الحبيب بشعاع من حُبّه، فكما يقول الشيخ الروحانيّ: لن تحتمل السكني بين الناس، بل ستلقِ عنك كل حُب جسداني، وتتغرّب عن كل شيء في طلب المحبوب، ستنفض كل لذة جسمية وتنبذ كل تمتّع بشريّ ستترك الأب والأم والأخ والصديق.. وتسعي وراء الغنيّ بحُبّه لأنّك ستدرك أن في قلبه حب كثير لك.
رثاء
للقديس مار أفرآم السرياني من أقوال متفرقة
للحث على ترك الخطية
أطلب إليك ألاَّ تفسد هيكل الله، ولا تحزن روح الله الساكن فيك، ولا تغم الملائكة المأمورين أن يحفظوك ليلاً ونهاراً.. فإن كانت الحيطان تكتنفنا والسقف يُغطينا والباب مُغلق علينا والظلمة مشتملة، لكن الفاصل النور من الظلمة لا يكتم عنه شيء من أمورنا..
قل لذاتك: لك زمان تصنع شهوات الجسد وأمياله، فماذا ربحت؟ هل زدت علي قامتك ذراعاً واحداً؟ أصرت سميناً؟ فما خزّنت لذاتك سوي طعام الدود، ها إخوتك الذين اتّقوا الله، تزينوا بالفضائل الحقيقية، وأنا أذهب إلي الظلمة، وهب الرب لي حياة وأنا أسخط بها عمداً..
أيها الشيطان الخبيث قد جعلتني عاراً للملائكة والناس، لأني صرت مطيعاً لمشورتك النفاقية، لأنك خطرت لي قائلاً: أعمل شهوتك مرّة واحدة ولا تصنعها أيضاً، وها هو الصغير صار لي هوة، الماء وجد ثقباً صغيراً فصنع هوة عظيمة واضحة للكل، لأنَّ عادة الخطية تقود إلي أشر حال..
فاكرهي يا نفسي الخبيث، والتصقي بالإله المتعطف علي البشر.. استحي يا نفسي من الآن وأسرعي في طريق الخلاص.. انهضي وتشجعي، لا تلبثي في الهوة لكيلا تُدفَعي كالجثة طعاماً لطيور السماء والوحوش، اركعي لملك المجد معترفة له بخطاياك، فإنَّ له رأفات كثيرة..
إلي متي تحتمل العدو النجس مكملاً بلا خجل مشيئته، فهو يتمني أن يزج بك في النار، هذا هو حرصه وهذه هي مشيئته، فهو يُحارب دائماً بالشهوات الرديئة.. فاهرب منه وأمقت مشوراته.. أبغض الخبيث وفر من الغاش، فإنّه قتال للناس مذ الابتداء وإلي الانتهاء.. فاهرب منه أيها الإنسان لئلا يقتلك..
تأمل يا أخي واختر الأفضل: أتبكي هنا علي خطاياك وتتضرع لتخلص بالتوبة؟ أم تبكي هناك في النار ولا ينفعك شيء؟ لأنّك إذا بكيت هنا تنال رحمة مع تعزية.. فعد إلي ذاتك.. واعرف أنَّه من أجلك نزل الإله علي الأرض ليرفعك من الأرض إلي السماء..
أيها المُحبّون انهضوا فقد جاء الملك السماويّ، ليعطيكم نياحاً وسروراً في الحياة الخالدة عوض تعب نسككم.. قوموا فشاهدوا مملكته التي أعدها لكم.. قوموا وانظروا المن الذي لا يشبع منه أحد..
تقدم إلي أب الرأفات معترفاً بخطاياك قائلاً: أيها الرب إلهيّ، الممسك الكل، قد أخطأت في السموات وقدامك ولست مستحقاً أن أُدعي لك ابناً.. ولا أن أُبصر علو السماء من كثرة آثامي، ولا أن أذكر اسمك العظيم بشفتي الخاطئتين، لأني جعلت ذاتي غير مستحق للسماء ولا للأرض..
أسألك يارب وأتضرع إليك ألا تطرحني من قدام وجهك، ولا تبعد عني لئلا أهلك، لأنَّ لولا يدك سترتني لكنت هلكت وصرت كغبار قدام الريح..
أسكب علي رأفتك كما سكبتها علي الابن الشاطر، ارحمني وسامحنى علي سيرتي الطالحة، كما سامحت الزانية والعشار.. ترأف علي كاللص.. إقبل توبتي أنا العبد البطّال فإني يائس من الكل، لأنّك ما جئت لتدعو صديقين بل خطاة إلي التوبة..
صل أيها الحبيب..واعترف.. لتقدم صلاتك كبخور قدام الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق