لو أردنا تعريف الفكر في عبارة بسيطة لقلنا: إنَّ الفكر نشاط عقليّ غير مرئيّ يجول في ذهن الإنسان، وهو لا يتوقف حتى أثناء النوم.
عناصر الفكرة
ولكي تكتمل عملية التفكير لا بد أن تتوفّر عدة عوامل، فما هي عناصر الفكرة؟ وماذا يلزمنا لبناء عملية فكرية تُنتج أفكاراً، أو أوهاماً وأحلاماً.. للإجابة على هذا السؤال سنضرب المثال التالي: تخيّل أننا ننظر سوياً من شباك غرفة تطل على النيل، ثم سألتك: ما هى أطول مدة يستطيع الرجل أن يبقى خلالها مُعلَّقاً في الهواء فو الماء؟أعتقد أنَّك ستتعجب من سؤالي! وفي الحال ستبادرني قائلاً: وهل يستطيع رجل أن يبقى معلقاً في الهواء؟ هذا غير واقعيّ! وأنا لا أستطيع أن أُفكّر في التخيُّلات!
من هذا الجواب الطبيعيّ، نستنتج أنَّه ليس بإمكاننا أن نُفكّر إلاَّ إذا كان هناك " واقع ".
ولكن هل وجود الواقع وحده كافٍ لتكتمل منظومة التفكير؟ ولهذا سأعود أسألك: إنَّي أسمع أصواتاً واضحة في الغرفة المجاورة، تُرى كم هو عدد الأشخاص الموجودين فيها؟ ولا تقل هذه المرّة إنَّ الموضوع غير واقعيّ। جوابك: حقاً إنَّ الموضوع واقعي، ولكني لا أستطيع الإجابة، لماذا؟ لأنّي لا أراهم، دعني أنتقل إلى الغرفة المجاورة وسأعدّهم لك.من هذا يتضح لنا أنَّ وجود الواقع لا يكفي لتكوين الفكرة، وإنَّما يجب أن يقع " الحس " على هذا الواقع لكي نستطيع البدء في التفكير. وإذا طلبت منك الآن أن تُعطيني أسماء الموجودين وتواريخ ميلادهم॥ لكان ردّك: لا أستطيع أيضاً فأنا لا أعرفهم، فمن أين لي بالمعلومات التي تطلبها؟
إذن لا يكفي وجود الواقع والإحساس به، وإنَّما نحتاج أيضاً إلى " معلومات " متعلّقة بالواقع، لكي نُفكّر فيه.
وإليك مثال آخر:وأنت سائراً في الطريق رأيت " شجرة " بلا ثمر، فلو سألتك عن نوع ثمرها لعجزت عن الإجابة، ولكن لو دققت النظر فيها ورأيت عليها ثمرة منسية، لأدركت في الحال نوع الشجرة، فتقول: إنَّها شجرة تفاح।
في هذا المثال توفّرت شروط التفكير وهي:
1- الواقع ( الشجرة)
2- الحواس (البصر)
3- المعلومات (ما تعرفه عن التفاح)
من خلال هذا المثال البسيط نستخلص الآتي: إنَّ للفكرة ثلاث عناصر أساسية ألا وهي:
الواقع
حيث لا فكر بلا واقع وكل معرفة بدون واقع هي خيال، فالواقع هو أساس الفكر، والفكر تعبير عن الواقع।
الحواس
فلولا حواس الإنسان لَمَا تكون الفكر، لذلك يجب أن نحس بالواقع أو أثره، لكي تتم العملية الفكرية।
المعلومات
وهي من أساسيات عملية التفكير، وبدونها تظل الأفكار مشوشة।
فلو أعطينا إنساناً عربياً كتاباً لاتينياً، دون أن تتوفر لديه أيّة معلومات تتصل بتلك اللغة التي يجهلها، وجعلنا حسّه يقع على الكلام بالرؤية واللمس، وقمنا بتكرار هذا الحس مئات المرات، فإنَّه لا يمكن أن يعرف كلمة واحدة من كلمات الكتاب، إلاَّ إذا حصل على معلومات تؤهله لمعرفة اللغة اللاتينية، فحينئذ يبدأ في تعلّمها فيتحدّثها ويفكر بها॥ ولنأخذ طفلاً ليس عنده أيّة معلومات، ولنضع أمامه قطعة ذهب وقطعة نحاس وحجراً، ونجعل جميع حواسه تشترك في حس هذه الأشياء، فإنه لن يدركها، ولكن إذا أُعطي معلومات عنها وأحسّها فإنّه يستعمل المعلومات ويدركها। نفس الشيء لو أحضرنا إنساناً من غابات إفريقيا، ووضعناه في غرفة بها كمبيوتر، ولم نعطه المعلومات الكافية عن هذا الجهاز الذي لم يره في حياته، فإنَّه لا يمكن أن يعرف حقيقته وطريقة تشغيله..
مستويات التفكير
إنَّ مستويات التفكير متعددة، ولكن العالم السويسريّ " بياجيه " أشار إلى أربعة مستويات رئيسية ألا وهى:
التفكير الحسّيّ
ومن الاسم نعرف أنَّه يعتمد على حواس الإنسان الخمسة، وهو يُعد أول مستويات التفكير، ومن خلاله يستطيع الطفل في عامه الأول، أن يعرف أُمه عندما يراها، ويلتفت عندما يسمع صوتها وهى تناغيه।
التفكير التقليديّ
ويظهر هذا المستوى من التفكير عند الأطفال، في الفترة ما بين سن (2- 7) وهو أعلى من التفكير الحسّيّ، وفيه نرى الطفل يُقلّد والده ومن حوله، سواء في طريقة كلامهم أو مشيهم॥
التفكير الملموس
وفي هذا المستوى يستطيع الفتى أو الفتاة فيما بين سن (8-11) سنة، حل المشكلات والتفكير فيها بشرط أن تكون الأشياء اللازمة للحل يمكن إدراكها حسيّاً، مثل رؤية الخرائط وأدوات التجربة॥
التفكير المعنويّ
وهو أعلى من المستويات السابقة، ويعتمد على معاني الأشياء وما يقابلها من ألفاظ وأرقام، دون اللجوء إلى الأشياء المحسوسة أو صورها الحسّية، ففي العمليات الحسابية مثلاً لا يتم استخدام أصابع اليد، كما أننا نستطيع أن نُدرك معاني كثيرة مثل: الحرية والعدل والمساواة.. دون الحاجة إلى رؤيتها، كما نُدرك العلاقة بين شيئين أو أكثر، مثل العلاقة بين تكاثف بخار الماء على الزجاج وبين برودة الطقس..