مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الخميس، 25 مارس 2010

الصلاة والتأمل

إن تعريفات الصلاة ما أكثرها، ولكنى أقول مع القديس مار إسحق: " إن الحياة مع الله والانشغال فى الأمور الروحية يشار إليهما أيضاً بكلمة صلاة سواء كانت تلاوة مزامير وأقوال مقدسة أو تسبيحاً لله أو تذكّر لعنايته أو سجوداً أمامه.."


ولكن مهما قيل فى تعريفات الصلاة.. فإن مايهمنا هو دور الصلاة فى الحياة الروحية.


إن الصلاة تُلبس العقل قوة، وتقوى الإيمان والرجاء والمحبة، فيصمد الإنسان تجاه الضيقات والتجارب، لأنه عندما يقارن بين الأتعاب التى يقاسيها وبين الخيرات التي سيرثها، فإنه يستهين بالعذابات التى تأتى عليه، فالصلاة إذن تُرشدنا إلى السماء وتُزيل من قلوبنا محبة العالم..


بالصلاة نستطيع أن نستدرج النعمة الالهيةي" اطْلُبُوا تَجِدُوا اقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ " (مت7:7) وأعتقد أن كل من ذاق لذة الله سواء فى صلاة أو تأمل... فإنه ينسى الأرض وما عليها ولو للحظات، ولهذا يقول الشيخ الروحانى: محبتك غربتنى عن البشر والبشريات.


كما أن الصلاة هى التى تحوّل الإيمان إلى إحساس، أى تحويل الحقائق المجردة على مستوى العقل، إلى حقائق حية على مستوى القلب، فنحن فى الصلاة الربانية نقول: " أبانا الذى فى السموات "، لاشك إنها عبارة معزية، إلا أنها تصبح بلا جدوى لو أنها ظلت على مستوى اللفظ فقط!


فما قيمة الإيمان النظرى إن لم يتحول إلى إحساس وحياة، فيدخل إلى الوجدان كما دخل من قبل إلى العقل؟! ولعل هذا هو السبب الذى يدفع بالخدام المختبرين، إلى الخلوات والتأمل بعد الندوات وجلسات الإرشاد.. لأن المحاضرات لو تبعتها محاضرات... لتراكمت المعلومات على العقل من دون جدوى!


لقد ثبت أن الناس يسمعون كثيراً ويقرأون كثيراً.. فمتى تُبعث الحياة فى هذه الأفكار؟ إذا تحولت الفكرة إلى إحساس وحياة، فمجرد آية واحدة لو تحولت إلى إحساس لأحدثت إنقلاباً روحياً داخل الإنسان!


يقول مار إسحق: " الذي يتهاون بالصلاة ويظن أن له مدخل آخر للتوبة هو مخدوع من الشياطين "، فما هى علاقة الصلاة بالتوبة؟


إن الصلاة هى حديث عذب مع الله، ولأن الله قدوس، يجب على الإنسان لكى يدخل معه فى شركة روحية، أن يتنقى أولاً بالتوبة، لأن لا شركة للنور مع الظلمة (2كو14:6)، فالصلاة والتوبة مثل كفتى ميزان، كل واحدة تؤثر فى الأُخرى بما تحمله من أوزان.


الصلاة هى باب الفضائل، ولهذا فإن الإنسان العادم من الصلاة لا يمكن أن يمارس أية فضيلة، وإن تحدث عن الفضيلة يكون كالأعمى الذى يجادل على حسن الفصوص الكريمة والألوان الجميلة! تُرى ماذا سيكون شعورك لو أنك سمعت أعمى، يصف لك جمال القمر أو روعة النجوم؟!


إلا أن الصلاة ليست مجرد كلمات، تنطق بها أفواهنا عبر الأثير بل هى حياة، فالصلاة الحقيقية لانصل إليها إلا بعد جهاد.. وتعد الاهتمامات الدنيوية من أهم معوقات الصلاة، إنها من هنا كانت أهمية القناعة.


إنها تجرد العقل من الماديات ليسبح فى السمائيات، ألم يقل رب المجد: " اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ " (مت33:6)، وها معلمنا القديس بولس الرسول يقول: " وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عظيمة " (1تى6:6) تذكر هذه العبارة: كلما يصغـر العالم فى نظرك كلما تتزايد محبة الله فى قلبك.


كما أن الإفراط فى الأكل آفة من آفات الحياة الروحية، لأن معرفة أسرار الله لا تُدرك عندما يكون الإنسان متخماً، ولهذا قال أحد الآباء: " لا تثقل بطنك لئلا يتشوش ذهنك فيضطرب حين نهوضك فى الليل، وتنحل أعضاؤك وترتخى بكليتك، وتظلم نفسك وتتعكر أفكارك، فتصبح غير قادرعلى ضبطها أثناء قراءة المزامير، وهكذا تفسد طعم الصلاة ".


أما الأحاديث الباطلة، فهي كالغمامة التي تحجب عنا نور شمس البر، فتظلم النفس ولاتقوى على رؤية سيدها، ولهذا قال الشيخ الروحانى: " كثرة الكلام تولد الضجر للسامع والمتكلم"، قد نكون على صواب لو قلنا: إن كل من يقضى يومه فى أحاديث بطّالة فى النهار، سيشقى لسانه ساهراً الليل كله دون أن ينتـفع شيئاً!


ولكن ما هى علامات الصلاة المقبولة؟ أعتقد أن الصلاة النقية يجب أن تكون مقرونة بالأعمال الحسنة، فالوثنيون يصلون ولكن أعمالهم لا تتفق مع صلواتهم.


أما إذا اقترنت السيرة الحسنة بالصلاة فإن أثرها يكون كلهيب نار!كما أن فرح القلب بالتسبيح، وانحدار الدموع وقت التضرع من غير تعمد البكاء، علامات روحية تؤكد لنا قبول الصلاة.


إلا أن الصلاة لا تتوقف عند نقطة ثابتة، إنها كالترمومتر درجاته فى ارتفاع وانخفاض باستمرار ويبقى السؤال: ماذا نفعل فى حالات الجفاف الروحى، عندما نشعر بأن أنفسنا تختنق وتصير كأنها غارقة فى اللجة تلاطم الأمواج، ولا قدرة لنا أن نقرأ أو نعمل أو نخدم..؟ فى مثل هذه الحالات يرى مار إسحق إن الأفضل هو صد الهجمات بحيلة حكيمة مثل الحمامة الوديعة، وذلك بالتقاط لذيذ بألحان حلوة ذات لحن حزين يحرك المشاعر، ويجعل الجسد يسكب الدموع.. ففى الألحان كفاية لوقف اضطراب الأفكار.


والآن، بعد كثرة المشاكل والمشاغل كيف يستطيع من يحيا فى العالم أن يمارس حياة الصلاة؟ أقول:


إن الصلاة ليست مقصورة على ساكنى البرية، فالطبيب فى عيادته، والعامل فى مصنعه، والزوجة فى بيتها، والطالب سواء فى مدرسته أو كليته.. يمكن أن يكون عندهم سلام داخلى ويمارسون الصلاة بحب، فقد أعلن الله لأنبا أنطونيوس وهو فى البرية إنه يوجد فى المدينة طبيب معادل له، وهو يُعطى ما يوفره للمحتاجين، وطول اليوم يرتل تسبحة الثلاث تقديسات مع الملائكة!


وأنا أرى: إن أفضل صلوات تناسب ظروف العصر الحالى هى الصلوات القصيرة، إلى أن يتعود الإنسان على ذكر اسم الله، ثم بعد ذلك يبدأ فى ممارسة الصلوات الطويلة.


يروى لنا معلمنا لوقا، إن يسوع عندما اقترب من مدينة أريحا، كان أعمى جالساً على الطريق يستعطى (لو35:18)، فلما سمع أن يسوع مجتازاً صرخ قائلاً: " يا يسوع ابن داود ارحمنى ".


إنها صلاة قصيرة ولكنها تحمل معانى كبيرة، فما أن سمعها يسوع حتى وقف رغم الضوضاء المحيطة به! وأمر أن يُقدم هذا المتسول إليه، ويسأله يسوع: " ماذا تريد؟ " فيطلب أن يُبصر، وقد كان! تذكر دوماً أن صلاة قصيرة أوقفت يسوع! وهى إلى الآن تستطيع أن توقفه لو خرجت من قلب مملوء بالإيمان.


يقول القديس يوحنا الدرجى

" أجلد الأعداء باسم يسوع، لأنه لا يوجد سلاح أقوى منه، لا فى السماء ولا على الأرض ".


والحق إن صلاة يسوع، قادرة أن تُعطينا القوة لنقاوم كل فكر شرير، وكل إغراء يقاومنا به إبليس، وهكذا إذا قرع الشيطان أبواب قلوبنا وعقولنا.. يجد يسوع واقفاً معنا على الباب فيهرب خوفاً، لأنه لا يقدر أن يُقاوم ابن الله.


وإليك بعض التداريب على الصلاة القصيرة:


عندما يستيقظ الإنسان من نومه وهو لا يزال على فراشه يمكن أن يردد عبارة: " يَا اللهُ إِلَهِي أَنْتَ إِلَيْكَ أُبَكِّرُ" (مز1:63)، أو " هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ فلنَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيه" (مز118: 24).


فكون الإنسان يبدأ يومه بعهد الفرح، يكون له تأثير إيجابى على مشاعره وأفكاره اليوم كله، خاصة لو عرف أن الفرح الحقيقى هو فى الرب، كما أنه سيكون حريص فى تعاملاته مع الناس، لكى لا يفقد هذا الفرح، وهكذا يقل غضبه وانفعاله..


وعندما يغسل وجهه يردد عبارة " إنضح علىّ بِزُوّفَك فَأَطْهُرَ اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِـنَ الثَّلْجِ " (مز51)، فهذه الآية تجعله يتأكد أن النظافة ليست نظافة الوجه الخارجى فقط، بل هناك نظافة داخلية، يجب عليه أن ينلها..


وبينما هو يعمل يقول بمداومة، عبارة عميقة رغم بساطتها وهى: " يا ربى يسوع المسيح أعنى" وإذا مرض يضع كلمة " أشفنى " مكان " أعنى "، وإذا ضعف يقول: " ياربى يسوع المسيح أعن ضعف إيمانى"، وهكذا..


إنها الصلوات السهمية، التى تحدث عنها الآباء كثيراً، وقد مارسوها بعمق، واختبروا فاعليتها.. والتى من خلالها يستطيع كل إنسان أن يقضى يومه مع الله بفرح وحب بينما هو يعمل.


حاول مع الترديد أن تتأمل وتشعر بالصلوات التى تقولها، كما لو كانت نابعة منك، من قلبك، والأفضل لك أن تحفظ الصلوات لكى تصير فى داخلك، فهذا يساعدك أن تصلى فى أى مكان، دون أن يشعر بك أحداً.


مهم أيضاً أن تهيئ نفسك للصلاة، سواء بالصمت قليلاً، أو سماع ترتيلة معزية، أو لحن كنسى، أو قراءة جزء من الكتاب المقدس أو كتب الآباء.. ولهذا يقول مارإسحق: الصلاة يسبقها خلوة والخلوة يمكن التمرن عليها بالصلاة.


بالإضافة إلى كل ما سبق، يجب عليك ألا تنسى صلواتك الارتجالية البسيطة، لا من أجلك فقط، بل من أجل كل الناس، ومن بينهم أعدائك ومضطهديك والمسيئين إليك..


وتأتى أهمية الصلاة الارتجالية، فى أنها تعبّر عن حالتك الشخصية، بكل ما تحمل من ايجابات وسلبيات، أفراح وأحزان..

أما بعد الصلاة، فلا تُسرع فى الكلام غير المجدى، واللقاءات غير المثمرة.. وباختصار: حاول أن تحتفظ بمشاعرك الملتهبة وأفكارك المقدسة..


أقترح


أن تكون هناك أجبية عائلية، يتم تحفيظها فى الاجتماعات ومدارس الأحد، وتكون عبارة عن صلوات قصيرة ومزامير قليلة بسيطة، هذا بالإضافة إلى بعض التراتيل المعزية المشهورة، بجانب فصول من الإنجيل لا تحتاج إلى عناء فى الفهم أو التفسير.


أعتقد أن مثل هذا الاقتراح البسيط،

سيحيى الصلوات العائلية من جديد.

ليست هناك تعليقات: