إنسان اليوم يمكن وصفه بصفات كثيرة أهمها القلق، فهو قلِق وهمومه كثيرة، وكثيراً ما يتساءل عن مصيره وعائلته وأمواله॥ في عصر سادت فيه السرقة والنهب، بل ساد الظلم والإرهاب..!! ملايين من البشر في أنحاء العام يتألمون من شدة الكبت، ومن كثرة مظالم لا تُحصى ولابد لهم أن يتساءلوا:
لماذا الظلم والطغيان ؟! لماذا الضغوط والصراعات ؟! لماذا الذل والقيود॥ إن كان الله خلقنا لنعيش أحراراً ؟! وثمة ألوف من البيوت المحطمة والمزعزعة، التي خلت جدرانها من الفرح، وقد صارت أشبه بمستشفى كبير للأمراض النفسية والعصبية يتساءلون: أين سطور الفرح في كتاب حياتنا ؟! هل تظل أنفسنا بين جدران مظلمة تتنفس هواءً مفعماً بالكراهية ؟! إلى متى نرتدي ثياب الفقر المبطنة بأنفاس الموت ؟!
إننا نحيا في عصر يتألم فيه الأبرار والخطاة على السواء॥عصر يذبح الشر الخير بسيف حاد علناً وعلى مرأى من جميع الناس.. وهذا دفع البعض أن يتساءلوا: هل رسالة الإنسان في الحياة أن يحيا بوجه حزين، مكتئب رغم ما في الحياة من متع، وما في الطبيعة من جمال، ورغم ما في الإنسان من رغبة في التمتع بكل ما في الطبيعة من جمال ؟! أين بذور السعادة التى وضعها الله في قلوبنا ؟! لماذا طُرحت على الصخر لتلتقطها الغربان وتذريها الرياح ؟!
وفي ظل المشاكل الاقتصادية المعقدة، نرى ملايين البشر يذبحهم الجوع ذبحاً، والبشرية في أماكن كثيرة تئن ثراءً وشبعاً وتخمة، ملايين يموتون جوعاً، وملايين غيرهم يموتون تعذيباً واضطهاداً، لأن الزعماء في أماكن كثيرة يسجنون الحرية ويقيدون الفكر ويقتلون الإبداع، وكل هذا يجعلنا نتساءل: أى عالم هذا الذي نعيش فيه ؟! إنسان يموت جوعاً وإنسان يمـوت شبعاً! إنسان يموت بالحرية وإنسان يموت بالعبودية !!
أسئلة كثيرة يطرحها المتألمين، وما أكثر البلدان التي تنتابها ويلات الحروب وفيها مؤمنون أتقياء يتساءلون: لماذا صارت الأرض كأنهار من الدماء ؟! لماذا يستبد الغنى بالفقير، والقوي بالضعيف ويريد أن يقضي عليه وينهب خيراته ؟!
هؤلاء وغيرهم يتساءلون:
لماذا.. لماذا.. لماذا...؟؟
قال شاب: أُريد أن أحيا حياة مسيحية مثالية، أواظب على الكنيسة، أُصلى، أخدم॥ ولكن كيف يتحقق هذا ؟! كيف أستقر روحياً وأنا غير مستقر لا فكرياً ولا نفسياً ولا جسدياً ؟! فمنذ أن تخرجت وحصلت على شهادتي الجامعية، وأنا دائم البحث عن عمل، أى عمل حتى ولو كان لا يناسبني، وكثيراً ما أتساءل: أليس من حقي أن أعمل ! أليس من حقي أن أتزوج ! أليس من حقي أن أتمتع بالحياة ! أليس من حقي أن أعبد ربي..!! إن تفكيري في مشاكل العصر قتل صلواتي وسلب تأملاتي وأضعف روحياتي وقضى على خدماتي !!
هنا فقط أدركت خطورة كلمة (لا أعمل)، التي صارت مصدر قلق للكثيرين، قد لا تظنها مشكلة، ولكن علماء النفس والاجتماع بدأوا يدركون خطورتها، وما ينتج عنها من قلق وعدم استقرار، وأيضاً من شر وفساد.. فانتشار البطالة زاد من حِِدة وقسوة الفراغ، وهنا أصبح الملل مشكلة جديدة وأيضاً كبيرة، فعندما تزداد نسبة البطالة، وعندما يوجد وقت فراغ أكثر، تكثر أبعاد مشكلة ( ماذا نفعل ؟ )، ماذا نفعل لنواجه متطلبات الحياة وتحديات العصر؟! ماذا نفعل لنشغل الفراغ ونقتل الوقت ؟! ماذا نفعل لنثبت وجودنا بين الناس ؟! فحيث البطالة هناك الفراغ والملل والفساد، فما من خطية إلا سببها الفراغ، وحيث البطالة هناك أيضاً تدهور في مستوى التعليم، وانحطاط قيمة الدارسين! فبسبب اللهث الجنوني وراء لقمة العيش، صار أصحاب الحرف ملوكاً جالسين على عروش تحملها ثرواتهم، أما أصحاب الفكر والمعرفة فصاروا أُجراء تحت قبضتهم، يتحكمون في مصيرهم كما يشاؤون، فتحقق قول سليمان الحكيم: " الجهالة جُعلت في معالي كثيرة والأغنياء يجلسون في السافل، قد رأيت عبيداً على الخيل، ورؤساء ماشين على الأرض كالعبيد " (جا10: 6،7).
إن كلمة متعلم تعني لا مركز ولا وظيفة، تعني اليوم
إنساناً عاطلاً لا يملك حتى نفقاته الشخصية، ويبقى
السؤال الحائر هنا: من هم الذين يبنون المجتمع ؟!
منذ سنوات مضت كانت نسبة الانحراف قليلة لو قورنت بهذه الأيام، فالزواج في سن مبكرة كان متاحاً للجميع، أما الآن فلم تعد الأمورهكذا، فحيث لا عمل لا مال، وحيث لا يوجد مال لا يكون أيضاً زواج، وهذه آفة ما أشر ضررها على الأسرة والمجتمع، فالبتولية الإجبارية، أعنى العزوبية، غالباً ما تقود الإنسان إلى الانحراف..
وهل ننكر أننا نحيا في عصر وصل فيه الانحراف إلى قمته! فشباب اليوم أكثر قلقاً وانحرافاً من أمس، والشابات أصبحن أشد قلقاً وانحرافاً منهم، فما أكثر القصص التي تُحكى هذه الأيام عن الشذوذ والخيانات والإدمان॥ قصص لم نكن نسمعها أو نقرأ عنها من قبل !!
قصـة
هل تصدق أن طالبة في الإعدادية تصبح مدمنة !! لا تتعجب فقد نشأت الفتاة في أسرة ممزقة، وهذا سر ضياعها، فالفتاة كانت تُقيم مع والدتها المُطلّقة، التي عادة ما تسافر للخارج تاركة لها سيارتها الفاخرة تتحرك بها أينما تشاء، وأموالاً كثيرة لتشتري ما يحلو لها من مأكولات وملبوسات، وشقة فاخرة تدعو إليها ما تُحِب من صديقات وأصدقاء، لقد عاشت الفتاة في حرية كاذبة، دون أن تفهم معنى الحرية، أو تملك مقومات الحفاظ عليها، فحدث في أحد الأيام أن تعرفت في النادي على (شلة) وأصبحت هذه (الشلة) لا تنفصل، في الصباح يلتقون في النادي، وفي المساء في أحدى صالات الديسكو، لكن يبدو أن (الشلة) قد ملّت الالتقاء في الأماكن العامة، فانتهزوا فرصة سفر والدة الفتاة للخارج وطلبوا أن يسهروا في شقتها، وبسهولة استجابت الفتاة وبدأت سهرتهم المشحونة بالفساد، وفجأة في منتصف الليل سُمع صوت طرق شديد على الباب، ففتح شاب فوجد ضابطاً ومعه حملة للقبض عليهم !!
لقد كانت (الشلة) تحت المراقبة منذ ظهورهم بشكل مريب في صالات الديسكو، وكم كان المشهد مذهلاً ومؤسفاً، إذ وجدوا شاباً يمسك بيد الفتاة يعطيها حقنة هيروين، وبعض أفراد (الشلة) يشاهدون فيلماً جنسياً، والبعض الآخر في أوضاع مخلة، فتم القبض عليهم وأودعت الفتاة في مؤسسة الأحداث.والآن من الجاني ومن الضحية في هذه الكارثة ؟!
++ إن الجاني هو أولاً : التمزق الأسري الذي أدى إلى انفصال الأب عن الأم، وإهتمام الأم بنفسها تاركة ابنتها دون أية رعاية أو رقابة، فالمال لا يعوض الأبناء عطف وحنان والديهم، وغالباً ما يقود إلى الانحراف خاصة في مرحلة المراهقة.
++ وهو ثانياً : ضعف الرقابة في الأندية على ممارسات الشباب داخلها، فقد أعلنت الفتاة أن بعض المسئولين عن الرقابة في هذه الأندية يبيعون السم لمن يريده من الشباب داخل الأندية।
++ وهو أولاً وثانياً وثالثاً : غياب دور الدين والقيم في حياة هؤلاء المخدوعين بوهم المخدر، فلو كانت الفتاة متدينة لكان الدين كفيلاً بحمايتها، وحماية غيرها من السقوط في بئر الإدمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق