مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الأربعاء، 30 مارس 2011

مرض اسمه الخطية

" كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ وَكُلُّ الْقَـلْبِ سَـقِـيمٌ
مِنْ أَسـْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ "
( إش 1 :5 ).

الخطية مرض روحيّ وأدبيّ من أخبث الأمراض وأشرها، إذ يفتك بالروح ويقضي على الحياة.. هذا المرض أصاب البشر فأذلّهم وأضنك قواهم.. وإن كان البعض يظنون أنَّ المرض لا يُصيب إلاَّ الجسد فيضعفه ويقضي عليه، لكن الحقيقة إنَّ المرض لا يكون بضعف الجسد فقط بل بالخطية أيضاً، ومرض النفس أشد من مرض الجسد، ومرض الروح أصعب من كلاهما!

الخطية بشعة والمرض عضال، يبتلي النفس فيشل طاقتها ويجعلها مستحقة للنار الأبدية، إنها الشر المرتكب طوعاً وجرثومة القصد السييء، ونحن إذ نفعل الشر طوعاً نرتكب الخطية لقد فعلت الخطية في النفس أشر مما تفعل أخبث الأمراض في الجسم، إذ شوَّهت جماله، وجعلت منظر الإنسان كئيباً، والذاكرة مرضت بالنسيان، والضمير قد صار في إنحطاط، والقلب فقد الشعور بالرحمة والإحساس بالله، وبعد أن كان هيكلاً لله جعلته الخطية مقراً لإبليس وجنوده يأتوا ويسكنون فيه إذ في قلوب الخطاة يجدون راحتهم.

قال أحد علماء الغرب:

" إننا نحيا في عالم يحترق بنار الخطية، وفي كل بلد يموت ألوف البشر وهم مشوهون بنار الإثم، وياليت الإنسان كما يبحث عن الحقيقة العلمية، يبحث أيضاً عن علاج وحل لأخطر مرض أصاب البشرية ألا وهو: مرض الخطية " .

إنّها مرض مؤلم، تؤلم الجسد إذ تُصيبه بالأمراض التي ربَّما تقضي على حياة الإنسان، وتؤلم الروح إذ تفقدها سلامها فتهيم هنا وهناك، لعلّها تجد مستقراً لها ولكن دون جدوىالأبناء تحمَّلوا آلام الفقر والأجساد المشوَّهة والصيت الرديء نتيجة خطايا الوالدين؟!

وما أكثر الأقارب والأصدقاء والأصحاب الذين تلطّخت سمعتهم، بسبب أصدقاء السوءهى مرض مؤلم وأيضاً مرض مشوّه، وتستطيع أن تتحقق من هذا لو نظرت إلى وجوه الزناة والسكّيرين، الذين يقضون لياليهم بين جدران مغلقة ومظلمة، وكم من أُناس تشوَّهت خلقتهم وقُطِعت أعضائهم وقضوا حياتهم في عجز تام، بسبب الأمراض الخبيثة التي حلّتْ بهم نتيجة حياة النجاسة التي تمرَّغوا في وحلها.

قصة

طُُلِبَ من أحد مُصوّري فرنسا أن يرسم صورة ترمز إلى حياة (الطهارة)، فانتقى طفلاً جميلاً ذا صورة ملائكية، له من العمر خمس سنوات، ورسم صورته وكتب تحتها (الطهارة).. وتمر السنون وبعد عشرين سنة، طُلِبَ من نفس الفنان أن يرسم صورة لتكون رمزاً لحياة (النجاسة)، فماذا فعل؟ ذهب إلى (خمَّارة)، وبعد أن جال ببصره بين الحاضرين، رأى شخصاً له عينان غائرتان كشمس المغيب وهى تُطفأ أنوارها، ووجهه مصفر كأوراق الخريف المتساقطة على بقعة مُلوَّثة من الماء، فاصطحبه إلى بيته بعد أن اتفق معه أن يرسم صورته نظير مبلغ من المال، وحدث أثناء الرسم أنَّهما تجاذبا أطراف الحديث، وكان موضوع حديثهما حياة الرجل المدمن، وبينما كان الرجل يسرد سيرته، انتفضت يد المصور حتى سقطت الريشة على الأرض، وذلك لأنَّه علم أنَّ الشخص الذي يرسمه الآن، لكي يُقدّم صورته كرمز النجاسة، هو ذلك الطفل الذي رسمه من عشرين سنة وكتب تحت صورته الطهارة! وكان سبب التغيير في منظره.. إنّما هو الخطية!!

أقول هذا ليس لتهبيط عزائمكم، أو إدخال اليأس إلى قلوبكم.. ولكن للقضاء على فكر شرير قد سيطر على أُناس كثيرين، يوهمهم بأن يحيوا شبابهم كما يحلوا لهم، فالكنيسة لن تغلق أبوابها في وجوههم متى عادوا إليها، والكاهن لن يمنع عنهم غفران الله، وجسد المسيح موجود كل يوم على المذبح.. وهذا ما يحدث بالفعل، ولكن من أعلمهم أنَّ حياتهم ستستمر؟! ألا يأتي الموت كلص في ساعة لا نعلمها؟!

يُحكى عن شاب أدمن الزنى، فكانت النتيجة أنَّه أُصيب بمرض في عينيه، فذهب إلى أحد الأطباء فلمَّا كشف عليه، أدرك أنَّ حياة النجاسة التي يتمرغ في وحلها هى سبب مرض عينيه، فقال له: أنا لا أعدك بأنَّ عينيك ستعود كما كانت، ولكن إن كنت تريد أن تبقى كما هى الآن ولا تزداد سوءاً، فعليك أن تبتعد عن حياة النجاسة التي تحيا فيها.. فلمَّا سمع الشاب هذا الكلام أطرق ببصره إلى أسفل ونظر بحزن إلى الأرض، ثم رفع عينيه في ذل واستصغار وقال والألم يتموج في كلامه: أيها الطبيب أيسر لي أن أتخلى عن بصري، من أن أتخلى الجنس الذي قد أصبح كل شيء في حياتي!! ومن هنا جاءت العبارة القائلة: أمام مرض الخطية يعجز الأطباء!!

والحق إنَّ الخطية والمرض يتشابهان في أشياء كثيرة، فعلى سبيل المثال نجد أنَّ المرض والخطية:

يُضعفان المُصاب بهما

فمادام المريض مُلقى على الفراش فقوته إذن لابد أن تكون في ضعف، وهكذا أيضاً الخاطيء، إذا تملَّكت عليه الخطية تُصيبه بضعف تام، وإلى هذا الضعف قد أشار مُعلمنا بولس الرسول قائلاً: " لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ " (رو6:5).

وهذا الضعف الذي يشمل الجسد ويتملك الإرادة.. يجعل الإنسان معرّض للسقوط على الدوام أمام أقل تجربة، فمجرد نقد يُثيره، وكلمة جارحة تُغضبه، ورؤية منظر فاسد يُسقطه في الزنى..

يشوّهان جماله

ما من مريض إلاَّ ونراه: إمّا فاقد نضارة الوجه، أو مشوّه الأعضاء، وهكذا أيضاً الخطية تشوّه جمال الإنسان، وتجعل وجهه كما لو كان صحيفة باهتة ملتوية، كُتب عليها بقلم معوج يسيل منه حبر شيطاني وبلغة واضحة ذات أحرف بارزة: خاطيء وشرير! لأنَّ إبليس عندما يحل في قلب إنسان، يطبع صورته القبيحة على وجهه، حتى إنَّ كل من يقترب منه ويتعامل معه ينفر منه! إلاَّ إذا كان مثله فالطيور على أشكالها تقع!

يؤلمـانه

المريض هو إنسان لا يعرف طعم الراحة، بل يحيا في آلام مستمرة وعذاب دائم، وهكذا أيضاً الخاطيء، ولهذا يقول مُعلمنا داود النبيّ: " تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي، أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي، أُذَوِّبُ فِرَاشِي " (مز6:6)كما أنَّ الخاطيء يحيا بلا سلام لأنَّه شرير، وقد ابتعد بأعماله الشريرة عن الله القدوس مصدر السلام، وإشعياء النبي يقول: لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلَهِي لِلأَشْرَارِ " (إش21:17)، وها نحن نتساءل: كيف يحيا إنسان بلا سلام ولا يتألم؟!

كلاهما يعُم تأثيره باقي الأعضاء

فالألم الذي يُصيب عضواً في الإنسان يؤلم الأعضاء الأخرى، والضعف الذي ينشأ عن مرض أحد الأعضاء، يشعر الإنسان بتأثيره على باقي الأعضاء، وقد أشار معلمنا القديس بولس الرسول إلى هذه الحقيقة بقوله: " فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ " (1كو26:12).

والخطية التي تُصيب عضواً واحداً يعُم تأثيرها الجسد كله، فالكلمة الرديئة التي يتنجس بها لسانك، لا تنجس الجسد وحده بل سائر أعضاء الجسد " فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ، هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ " (يع6:3)، وهكذا النظرة الفاسدة " إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً " (مت23:6).

يفقدان الإنسان شعوره

عندما يشتد المرض تكثر الأدوية، التي يمكن أن تجعل الإنسان يفقد شعوره في أوقات كثيرة، كما أنَّ المرض يجعل الإنسان دائم التكفير في ذاته ووسائل شفائه.. وهذا يجعله يتمركّز حول نفسه، مما يدفعه في مواقف كثيرة إلى فقدان الشعور بالآخرين، وعدم التعاطف معهم والسؤال عنهم..والخاطيء أيضاً يحيا بلا شعور، لأننا نراه يسعي نحو اللذة بكل طاقته، ولكي يُحقق شهوته قد يسرق أو يقتل أو يكذب..

وهذه كلها عوامل تعلن أنَّه فقد التعاطف مع الآخرين، حتى وإن ظهر أمام كأنَّه يُعطي فإنَّ عطائه ليس عن حُب لأنَّ لا يعرفه ولم يختبره، بل من أجل تحقيق أغراض دنيئة وشهوات خبيثة..

كلاهما يؤدي إلى الموت

المرض إنْ لم يُعالج حتماً سيؤدي بالإنسان إلى الموت، وهكذا الخطية أيضاً تقود الإنسان إلى الموت الروحيّ إذ تفصله عن خالقة، والموت الأبديّ إذ تلقي به في نار جهنم، وفي هذا يقول معلمنا بولس الرسول: " أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ " (رو23:6).

ومعلمنا يعقوب الرسول يقول: " الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتاً " (يع15:1).

وقد جاء في سفر حزقيال النبيّ: " اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ (حز20:18.

ليست هناك تعليقات: