مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الأحد، 13 فبراير 2011

المـراحــل العاطفيــة


الجنسية الأوديبية


ونقصد بالجنسية هنا الارتباط، وهو معنى أكثر شمولاً واتساعاً، من المفهوم الضيق للجنس الذي لصق بأذهاننا منذ الصغر. أمَّا الأوديبية فهو اسم مستعار من الأُسطورة اليونانية الشهيرة: " أوديب مَلِكاً "، لأنَّ مضمون هذه المرحلة العاطفية موجود في تلك الأُسطورة، التي أبقى عليها من الاندثار مؤلّف مسرحيّ كبير هو " سوفوكليس "، وقد صاغها " شكسبير " بأُسلوب جديد.

في هذه الأُسطورة نرى البطل اليوناني " أوديب " يقتل أباه الملك دون أن يعلم، وتزداد المأساة عندما يتزوج أُمَّه ويُنجب منها ابنة! فكانت النتيجة حدوث فساد فى الأرض فماذا فعل؟ جمع المنجّمون وسألهم عن سبب الفساد، فأعلموه بمأساته: إنَّه متزوج بأمه!! فلمَّا أدرك جُرمه وشعر بإثمه، ظل يجري هائماً على وجهه، وهو لا يعلم إلى أي مكان يريد أن يذهب، وبينما هو يجرى كانت ابنته " ألكترا " تتبعه، لأنَّها كانت متعلّقة به تعلّقاً شديداً!

هذا الارتباط الشديد دفع العالم النفسيّ " فرويد " إلى هذا التشبيه، إذ يرى أنَّ الطفل في سنواته الأولى يرتبط بأُمه ارتباطاً قوياً، وهكذا الطفلة في ارتباطها الشديد بوالدها.
وتُعتبر هذه المرحلة العاطفية شيئاً طبيعياً، يمر به كل طفل وطفلة في حياته، إلى أن يكتمل النضوج النفسيَّ، إلاَّ أنَّ خُطورتها تظهر لو أنَّها استمرت إلى ما بعد سن البلوغ، هنا تتحول إلى يُعرف في علم النفس بعقدة أوديب ".

وقد جسَّدت روايات كثيرة هذه العقدة، منها تلك التي تحدثت عن ابن أحب أُمَّه، الأمر الذي دفعه إلى الغيرة من أبيه! الذي تحوّل في نظرها من أب إلى حاجز بينه وبين أُمه! ويموت الأب بصورة مفاجئة ويزداد تعلّق الابن المرضيّ بأُمه، وتشعر الأم بمأساة ابنها وتُفكّر في وسيلة لعلاجه، فاختارت فتاة تُشبهها ثم خطبتها له، ولكن حدث في ليلة الزفاف، أن شعر الابن بخوف شديد دفعه إلى عدم الاقتراب منها، وذلك لأنَّه رأى فيها صورة أُمه! فاقترحت الأُم أن تنزل الزوجة إلى الشارع وتُغيّر مكياجها وتتحايل على زوجها لتسقط معه، ولكي ينكسر الحاجز النفسيّ الذي يفصل بينهما، ويوافق الابن وهو لا يعلم أنَّها زوجته، ولكن مشاجرة عنيفة حدثت بينه وبين آخرين أرادوا السقوط معها، وتعلم الأُم بالمشاجرة وتُسرع لتنقذ الموقف، ولكنها تُصاب في حادثة وتموت قبل أن تصل إليه، فلمَّا علم الابن بموت أُمه انفكت عقدته!

لا نُنكر أنَّها قصة خيالية، إلاَّ أنَّ واقع الحياة قد أثبت لنا، أن فتيات كثيرات يُفضّلن الزواج من رجال يشبهون آبائهن! أو من هم في نفس عمرهم وهم لا يدرون جوهر عقدتهم، إنَّها كارثة مصيرها الدمار!

الجنسية النرجسية

يُسمّى علماء النفس والتربية عشق النفس المرضيّ النرجسية، وذلك إشارة إلى الفتى اليونانيّ الشهير نارسيسوس الذي تروى أُسطورته: إنَّه نظر في الماء فرأى صورته، ولأنَّه كان جميلاً سقط على الماء وأخذ يُقبّل صورته، فكانت النتيجة أنَّه غرق في الماء ومات! وتزعم أُسطورة أُخرى أنَّه من شدة افتنانه بنفسه، ضعفت صحته وذبل جسده، حتى تحوَّل إلى زهرة النرجس! ومن ثمَّ يُستخدم لفظ النرجسية، للدلالة على الاهتمام الشديد بالذات والأنانية المفرطة، التي لا تُراعى وجود آخر سوى الذات !

ويتجلَّى هذا العشق الذاتي في بداية مرحلة المراهقة، ولهذا نجد المراهق يهتم بنفسه بصورة زائدة، سواء عن طريق الاستحمام الكثير، أو التزيّن، أو صفصفة الشعر.. وفى هذه المرحلة يزداد إقبال الفتيان على ممارسة العادة السرية كنوع من التلذذ الذاتيّ، إلا أن خطورتها تزداد لو استمرت إلى ما بعد الزواج! لأنَّ الزواج في أبسط معانيه خروج من الأنا وانفتاح نحو الآخر، فإذا ظل الإنسان متقوقعاً حول نفسه، محاولاً إشباعها بطريقة خاطئة، فإنَّ زواجه سوف ينهار!

كما أنَّ العادة السرية مثل كل الخطايا، لا يجنى منها الإنسان سوى إشباع ناقص، لأنَّ العمل نفسه ناقص، فالطرف الآخر الشرعيّ غير موجود، وهذا هو ما يدفع الشخص المُمارس للعادة إلى الإحساس بالذنب والشعور بالنقص.

وقد تدفع هذه الأحاسيس الإنسان إلى أن يتوقف عن ممارستها، إلاَّ أنَّ كثيرين يُكررون الفعل، على أمل أن يشغلوا فراغهم ويُشبعوا عواطفهم، فمن المعروف أن العادة هى طريقة الفتى للتنفيس عن رغباته الجنسية، وعما يصادفه في الحياة من قلق وتوتر، ولكن دون جدوى! وإن كان البعض ينظر إلى ممارسة العادة في الكِبر على أنَّها مرض، فهذا إنَّما يرجع إلى أنَّ الإنسان الذي أدمن هذه المُمارسة، يكون نموه النفسيّ قد توقف عند مرحلة المراهقة التي عجز عن تخطيها!

الجنسية المثلية

في فترة البلوغ ينشب صراع عنيف في نفس الفتى، سببه الخوف الشديد من أن تدفعه الغريزة القوية المتدفقة، إلى تكوين علاقة مُحرَّمة مع الجنس الآخر، فيميل الولد إلى التعلق بالأب والبنت بأُمَّها، إلاَّ أنَّ مكان العاطفة يظل شاغراً، ولا بد من ملئه بميل جديد، وهذا يدفع الفتى إلى الارتباط بزميل من نفس جنسه، وغالباً ما يكون هذا الشخص قويَّاً أو جذابَّاً أو متفوقاً في دراسته..

وقد يعجب الفتى بمُعلّمه وهكذا الفتاة بمعلمتها، فقد روت مُدرّسة أن طالبة شغفت بها لدرجة أنَّها كانت تبكى، إذا ما التفتت إلى طالبة أخرى وحدثتها، كما روت مُعلمة أخرى أن طالبتين قد زارتاها معاً، وكانت إحداهن مُتعلّقة بها تعلّقاً كبيراً، فحدث لمَّا أرادت أن تنصرف أنَّها أصرت أن تصحب معها زميلتها حتى لا تنفرد بمعلّمتها!

وهناك من يُعلل اندفاع المراهقين في بدء المراهقة إلى الميل نحو نفس جنسهم، إلى شعور المراهق بالضعف والنقص والخجل من الجنس الآخر، الذي ينظر إليه على أنَّه مخلوق مُخالف له، مجهول لديه، فيتّجه لذلك نحو أشخاص من نفس جنسه، كخطوة انتقالية ينتقل بعدها إلى الجنس الآخر.. إذن فالميل نحو نفس الجنس شيء طبيعيّ في مرحلة المراهقة، إنَّما الانحراف يبدأ عندما يصاحب الميل النفسيّ ميل جسدي، يدفع المراهق إلى الاحتكاك الجسدي بغيره إلى أن تتطور العلاقة بينهما إلى علاقة شاذة، قد يصعُب التخلّص منها!

الجنسية الغيرية

وتظهر بوضوح في المرحلة الجامعية، بعدما يكون الإنسان قد تحرر من الارتباطات العاطفية السابقة، ليرتبط بكائن من جنس آخر، وقد يخطئ من يظن أن هذا الارتباط حُبّاً، إنه ارتباط زائل. هذا وقد أثبتت لنا الحياة، أنَّ غالبية الذين ارتبطوا معاً في الكلية وتزوجوا فشلت حياتهم الزوجية.. لقد شعروا بأنَّ شعلة نار تتوهج في صدورهم ثم سرعان ما انطفأت، ولم يتبقَ منها سوى قليل من الرماد يشهد على هذا الحب الفاشل، وإن نجحت بعض الحالات فما أكثر الارتباطات التي فشلت!

إلاَّ أنَّ للجنسية الغيرية أهميتها، فمن خلالها يتعرف الفتى على الفتاة عن قرب، كما أنَّ الإنسان من خلال هذه المرحلة ينتقل إلى المرحلة التي يتوقف عليها مصيره، ألا وهى: " الأحادية الزوجية "، بعد أن يكون قد أدرك أن الحُب الحقيقيّ يستلزمه ثلاثة أشياء: شيء من العقل، شيء من القلب، شيء من الجسد، فالعقل يُقارن من جهة السن، الوظيفة، العائلة.. والقلب يشعر بارتياح.. والجسد له أهميته، فلا يعقل أن تتزوج فتاة شاب مريض بالسرطان.

الأحادية الزوجية

يُعد الزواج هو أمل كل فتى وفتاة يرغبان الاستقرار النفسيّ والعاطفيّ، إلاَّ أنَّ الزواج ليس سهلاً، فما أكثر المشاكل في حياة المتزوجين، فالأُسرة جزء من الحياة، ولهذا يجب أن تتحمل كل ما في الحياة من ضيقات وضعفات وسلبيات.. والحق إنَّ صعوبة الزواج ترجع إلى الفهم الخاطئ له، فالزواج ليس وظيفة غرامية أو اجتماعية، بل عملية تكيف وتوافق، ومن ثمَّ يستلزم كسباً بطيئاً يحتاج إلى وقت وكثير من الجهد والتنازلات.

أمَّا التوافق المطلوب بين المتزوجين فلا بد أن يتم في ثلاثة ميادين: العلاقة العاطفية، النفسية، الاجتماعية.
وحينما يقع في ظن الرجل أنَّ علاقته بزوجته تنحصر في الميدان الأول، ويتوهم أن زوجته ليست إلا وسيلة لتمتعه الجنسي، فحتماً سيكون الفشل هو ثمرة تلك العلاقة التي هى وحدها تكون عاجزة عن إشباع الرجل.

ليست هناك تعليقات: