إنَّ كثيرين لا يقدرون على تحمّل الألم الناتج عن عدم ضبط العواطف المزعجة، ولهذا سرعان ما يقعون تحت تجارب العواطف القاسية، فتضعف شخصياتهم وتنهار مبادئهم..
وحينما تزول الضيقة عن الإنسان الضعيف، تترك فيه العاطفة الجامحة تشوهات خُلُقيّة ونفسيّة، فيجد نفسه عاجزاً عن الوقوف على قدميه، وعلى العكس من ذلك، نجد أنَّ الرجل الذي يتصدى لبركان العاطفة الطاغيّ، لا يخرج من حربه، إلاَّ أقوى صلابة وأشد عزيمة وأصلب عوداً.
ولكننا نتساءل: ما الذي يحدث للإنسان عندما تضطرب عواطفه ولا يستطيع أن يُُقاوم الانفعالات القاتمة؟ مؤشرات سلوكية كثيرة أهمها الآتي:
تبرير الذات
وهى وسيلة يلجأ إليها الإنسان ليؤكد لذاته أنّه لم يُخطيء، فقد اعتدنا أن نجعل من ذواتنا الأفضل دائماً في كل شيء! هنا يأتي دور الله في حياتنا، فالشخص المتدين كثيراً ما يأتي بالملامة على نفسه، ولا يخجل من الإقرار بخطأه أو ضعفه، كما أنَّ روح الله الساكن فيه، يجعله بمداومة يفحص قلبه ويتعرّف على سلبياته.
وعلى الجانب الآخر من التبرير الذاتى يوجد الاتهام المضاد، ولهذا كثيراً ما نسمع عبارات مثوارثة: لو لم تفعل ذلك.. ما فعلت هذا! أنت هو السبب في كل ما حدث! وكثيراً ما يشمل الاتهام المضاد تفسير دوافع الآخر: لقد فعل كذا لأنّه يريد كذا! وقد تكون هذه التفسيرات حقيقية، ولكن تفسيرات كثيرة تكون في غير موضعها، وهى ثمرة تفكيرنا المضطرب، وكثيراً ما يلقى الشخص ضعفاته على الآخر.. وقد يعتذر عن ذلك وقد لا يعتذر!
وهناك من يبرر سلوكه المنحرف بتلك الجرثومة التي يحملها في أعماقه أعنى " الشهوة " ولهذا عندما أراد أحد المتهمين الدفاع عن نفسه أمام المحكمة، إدّعى أنه لا يستطيع أن يُخالف ميول الشر التي فيه، والتي تسيطر عليه بقوة، فهو لذلك غير مسئول عن أفعاله! ولهذا لا يجب محاكمته وإدانته ! فلما سمع القاضي هذا الكلام أجابه مازحاً: وأنـا أيضاً ولدت ميّالاً للشر ولهذا سوف أحكم عليك بالسجن، استناداً إلى الواقع الأليم الذي وجدت فيه!!
الاكتئاب
إنَّها حالة يشعر فيها الإنسان بشيء من الغم أو عدم الرضى، وتكثُر تساؤلاته: لماذا؟ لماذا؟ والحق إنَّ الاكتئاب هو أحد الملاجئ النفسية، التي نلجأ إليها لنحمى أنفسنا من ألم ما، وعبثاً يحاول إنسان نصح المكتئب بألاّ يحزن، إنه نُصح مرفوض لأنَّ الإنسان في ضيقاته يجد في الحزن عزاءه!
ولا يقتصر الاكتئاب على من يعيشون في كهوف مُظلمة، أو الذين يترددون على أطباء نفسانيين، فأي إنسان معرّض للإصابة بالاكتئاب، فضغوط ومشاكل الحياة اليومية، والأمراض الجسدية، وفقدان الأصدقاء والأقارب.. عوامل تؤدى إلى خفض الروح المعنوية لدى الفرد، وتجعله فريسة للاكتئاب... نستطيع أن نقول:
إنَّ الاكتئاب صرخة في أعماق الإنسان، تنبهه إلى أنَّ هناك خطأ ما يجب عليه أن يعالجه! ولكنَّ الحكيم لا يدع الهموم تغمر حياته، فيصبح غير قادر على التواصل مع الآخرين، ألم يُعلن السيد المسيح حُزنه جهراً بقوله: " نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! " (مت38:26)
الغضـب
إنَّ أقوى عاطفتين في الإنسان هما: الحب والغضب أمَّا الغضب فهو عاطفة سلبية، مُدمّّرة، فما أبهظ التكاليف التي يدفعها أولئك المشتعلون غضباً، أتتذكرون قصة قتل قايين لهابيل؟
إنَّه انفعال كامن في القلب ومهيّج على ارتكاب القتل، أو السقوط في بئر الخطية، ولهذا عندما تضطرب عواطفنا، يُصاحب حديثنا ارتفاع في الصوت، وإرشارات بالأيدي، وإحمرار في الوجه..
ويتوقّف غضب الإنسان على جسامة الموقف، الذي أدى إلى اضطراب عواطفه، فإذا كان الموقف مثيراً ازدادت حِِِدة الغضب، ولكن أقل كمية من هذا البخور النجس تكفى لتدنيس الإنسان.
يكفى في ذم الغضب ما قاله يعقوب الرسول: " غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللَّهِ " (يع20:1) .
كثرة العمل
العمل هو قانون إلهي: " بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً " (تك3: 19)، وكما قال مُعلّمنا بولس الرسول: " إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضاً " (2تس3: 10).
فلو كان يكفى لنا أن نتمنى هذا الشيء أو ذاك، حتى نراه موجوداً أمامنا دون القيام بأي عمل، لمَا كان هناك معنى لحياتنا، وأصبحنا كائنات ضعيفة، فما معنى حياة تدور في عجلة الخلاء، وليس فيها هدف أو عمل على الإطلاق؟!
إلاَّ أنَّ كثرة العمل وعدم رغبة الإنسان في العودة إلى منزله، أو قيامه بواجباته نحو أُسرته.. تُعد من أخطر الوسائل الهروبية، أو الحيل الاصطناعية، إنّه قناع سميك من الأقنعة الكثيرة، التي يرتديها الإنسان، عندما يفشل في علاقاته أو تضطرب عواطفه..!
الإدمـان
وسواء لجأ الإنسان إلى هذا الأسلوب عن وعى أو لا وعى، بحثاً عن عالم أفضل جديد يشعر فيه بالحُب والحماية، إلاَّ أنّه سوف يعاني من تصرفه هذا، لأنّه سيظل كالطفل الذي يحيا في عالم الخيال، لكي يحمى فيه نفسه أثناء ساعات الخوف، هذا بالإضافة إلى نتائج الإدمان المُدمّرة التي نعلمها.
ومن أبرز مظاهر العيش في عالم الوهم أو الخيال، صورة واضحة ومنتشرة في مجتمعنا ألا وهى: تعليق الجنود صور الفتيات الجميلات في حجرات المعسكر، فهذا دليل واضح على أنَّ الجنود لم يقدروا أن يُشبعوا رغباتهم في عالم الواقع، فراحوا يلتمسون ذلك في عالم الخيال! والحق إنَّ الإدمان مأساة، لأنه يهلك النفس والجسد كليهما، ومما يضاعف من تلك المأساة أنَّ المدمن يعيش هارباً من الحياة، وكأنه عبر جسراً من عالم الواقع إلى عالم الخيال وأحرق الجسر وراءه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق