مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الجمعة، 23 يناير 2009

نجاسة الخطية


" من أجل نجاسة تهلك والهلاك شديد "

(ميخا10:2)


الخطية شيء قذر إذا سقط علي ثوب الحياة لوّثه وشوّه جمال منظره، هي الفساد الذي نجّس صورة أولاد الله.. والدنس الذي حط من قيمة النفس الطاهرة العاقلة، وأنزلها إلي مستوي الحيوانات التي لا عقل لها ولا فهم.

والخطية نجاسة في أصغر صورة لها، وقد قال السيد المسيح له المجد: " إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ " (مت 28:5)، فإن كان
الزني نجاسة قذرة، فإطلاق الرجل الحرية لعينيه، لتنظر نظرات دنيئة هو أيضاً نجاسة قذرة، وإن لم يتعد الأمر النظرة، إذ في النظرة ما يكفي لتلويث العينين والذهن..

أيضاً استباحة المرأة لنفسها أن تلبس الثياب الخليعة، وسماح البعض منهن للذهاب إلي الأماكن الدنسة، تحت اسم المدنية ومجاراة الوسط نجاسة، وإن حاول البعض قدر استطاعتهم أن يبرروها!!


هكذا يري الله الخطية في السماء، وهكذا سجل لنا في كتابه المقدس، إذ قال له المجد مخاطباً حزقيال النبيّ: ” يَا ابْنَ آدَمَ, إِنَّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ لَمَّا سَكَنُوا أَرْضَهُمْ نَجَّسُوهَا بِطَرِيقِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ. كَانَتْ طَرِيقُهُمْ أَمَامِي كَنَجَاسَةِ الطَّامِثِ " (حز17:36).


وهكذا أيضاً يراها البشر، ألا تري الإنسان عندما يُخطيء، يكون محتقراً وسط كل من يعيش وسطهم؟! وأنَّ كثيراً من الآباء ينبذون أولادهم ويتبرؤن منهم لِما هم فيه من طياشة وفساد؟!


وليس الله والناس هم الذين يرون أنّ الخطية نجاسة، بل حتى النفس تراها أيضاً هكذا، ولنا في حياة داوود النبيّ مثل يؤكد ذلك، إذ بعدما استيقظ من سقطته وتأمل في ثوبه فرآه ملطخاً بأوزار الخطية، صرخ لوقته مشمئزاً من نفسه، ونادي الرب قائلاً: " طَهِّرْنِي بِالزُوّفَا فَأَطْهُرَ، اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ " (مز50).


وهكذا فعل إشعياء النبيَّ، عندما ظهرت أمامه صورة حياته القذرة، بإزاء قداسة الله، إذ صرخ قائلاً: " وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ " (إش5:6).


والخطية نجاسة واضحة، وإن كان الخطاة يلوثون أعضائهم بين جدران صامتة لا تتكلم، وفي ظلام الليل بعيداً عن عيون الناس، إلاَّ أنَّ جباههم التي تلوّثت بالخطية تتكلم وتخبر بكل ما يفعلونه في الخفاء، لأنَّ الحياة النجسة من الداخل، تظهرها لغة الشفاه وحركة العيون من الخارج " لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ! " (مت73:26)، وكما يقول الكتاب: " فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ " (لو2:12).


وإن كانت الخطية نجاسة فالخاطيء إذن يكون نجساً، فقديماً كان الله يضرب الخطاة بالبرص، فالأبرص أعتُبر نجساً بسبب خطاياه، ولهذا كان ينادي (نجس نجس)، حتى لا يتدنس أحد باقترابه إليه أو لمسه، فكل من يخالط الأبرص، كان يعتبر نجساً، وأي بيت كان يدخله أبرص كان يتنجس بكل ما فيه (لا46،45:13).

ولأنَّ البرص كان مرتبطاً بالخطية، فبُرء الأبرص منه، لم يدعَ شفاء بل تطهيراً، فعندما ضرب الله نعمان السريانيّ بالبرص وأرسل إلى أليشع النبيّ لكي يشفيه من برصه " َأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَلِيشَعُ رَسُولاً يَقُولُ اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الأُرْدُنِّ فَيَرْجِعَ لَحْمُكَ إِلَيْكَ وَتَطْهُرَ " (2مل5: 10).


ولم يقل السيد المسيح عن إبرائه للبرص إنَّهم يشفون، بل قال: " وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ " (مت5:11)، كما قال لتلاميذه حينما أرسلهم: " طَهِّرُوا بُرْصاً " (مت8:10).


والأبرص توسّل إلي السيد المسيح قائلاً: " يَا سَيِّدُ إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي "، يقول مُعلمنا متى الرسول: " فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: أُرِيدُ فَاطْهُرْ، وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ " (مت8: 2،3)، وتطهير المسيح للبرص دليل علي أُلوهيته، لأنَّه لم يكن أحد يستطيع أن يطهر البرص إلاَّ الله وحده.


يعلمنا الكتاب المقدس: إنَّ كل عضو يخطيء يتنجس، فيتكلم عن الشفاه النجسة قائلاً: " وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ " (إش5:6).

والأصابع النجسة، كما في قول النبي: " لأَنَّ أَيْدِيكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ " (إش3:59).

كما يتكلم عن العيون الشريرة، إنَّها تظلم الجسد كله فيقول: " وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً " (مت 23:6)..

وهذا يعني: إنَّ العضو الذي يُخطيء لا يتنجس وحده، بل هو يُنجس الجسد كله.. وهذا هو معنى قول معلمنا بولس الرسول: " كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِراً، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضاً وَضَمِيرُهُمْ " (تي15:1).

ومعلمنا يعقوب الرسول يوضح لنا أنَّ دنس اللسان فقط يدنّس الجسم كله فيقول: " فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ، هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ " (يع6:3).

ويهوذا الرسول في كلامه عن الاحتلام قال: " كَذَلِكَ هَؤُلاَءِ أَيْضاً، الْمُحْتَلِمُونَ، يُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ " (يه8:1).

بل إنَّ القديس بولس الرسول ، يذهب إلي أبعد من ذلك، فيعلمنا أنَّ الخطية لا تنجس العضو الذي يُخطيء أو الجسد فقط، بل هي تنجس أشياء مقدسة في الإنسان وتهينها، فتهين هيكل الله الذي هو جسده: " أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ" (1كو16:3،17) .

فالذي يُخطيء لا يفسد جسده إنما يفسد هيكل الله، والذي يزني لا يدنس أعضائه، بل يدنّس أعضاء المسيح: " أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ آخُذَ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! " (1كو15:6)..

ويدنّس دمه الطاهر الذي سُفك علي الصليب لأجل مغفرة خطايانا: " كَمْ يَكُونُ أَشَدَّ كَثِيراً ذَلِكَ الْعِقَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَدُوسُ ابْنَ اللهِ، إِذْ يَعْتَبِرُ أَنَّ دَمَ الْعَهْدِ، الَّذِي يَتَقَدَّسُ بِهِ، هُوَ دَمٌ نَجِسٌ، وَبِذَلِكَ يُهِينُ رُوحَ النِّعْمَةِ؟ " (عب29:10)، ويدنّس اسم الله القدوس " دَنَّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ بِرَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَ " (حز8:43).

وقد وصف السيد المسيح أيضاً خطايا الفم واللسان بالنجاسة إذ قال: " لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هُوَ الَّذِي يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ " (مت 11:15).


وأيضاً خطية كسر السبت اعتُبرت نجاسة، ففي سفر حزقيال النبيّ يقول: نَجَّسُوا أَيَّامَ سُبُوتِي كَثِيراً فَقُلْتُ: سَأَسْكُبُ غَضَبِي عَلَيْهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لأُمِيتَهُمْ " (حز13:20).

ومن جهة القتل يقول الكتاب: " لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ تَلَوَّثَتْ بِالدَّمِ وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ " (إش3:59).

وعن الزني يقول إرميا النبيّ: " وَدَنَّسْتِ الأَرْضَ بِزِنَاكِ وَعَهَارَتَكِ " (إر2:3).

كما أنَّ خطايا الكهنة اعتبرت تنجيساً للكهنوت، ففي سفر نحميا النبيّ يقول: " فَاذْكُرْهُمْ يَا إِلَهِي لأَنَّهُمْ دَنَّسُوا الْكَهَنُوتَ وَعَهْدَ الْكَهَنُوتِ وَاللاَّوِيِّينَ " (نح 29:13).

وفي سفر الرؤيا يمثل النفس بثوب أبيض، وبياضه يُحفظ بحفظ الإنسان من النجاسة، فيقول الله: " عِنْدَكَ فِي سَارْدِسَ قَلِيلِينَ لَمْ يُلَوِّثُوا ثِيَابَهُمْ بِالنَّجَاسَةِ هَؤُلاَءِ سَيَسِيرُونَ مَعِي لاَبِسِينَ ثِيَاباً بَيْضَاءَ " (رؤ4:3).

هؤلاء هم المؤمنون، أمَّا الخطاة، فيصفهم في سفر إرميا النبيّ قائلاً: وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ خَيْرَاتٍ لِتَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِ ثِمَارِهَا وَطَيِّبَاتِهَا وَلَكِنَّكُمْ عِنْدَمَا دَخَلْتُمُوهَا نَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيَراثِي رِجْساً " (إر7:2).


ولأنَّ الخطية نجاسة، فإنَّ الملائكة الذين قد خلقوا طاهرين، عندما سقطوا دعوا بـ " الأَرْوَاحِ النَّجِسَةِ " (مر7:6)، لأنَّهم تنجّسوا بالخطية، وفي نفس الوقت ينجسون كل الذين يخضعون لهم ولرغباتهم الشريرة.

أمَّا النجسون فلا يدخلون السماء،
لأنَّ السماء طاهرة وليس فيها شيء نجس،
وبالتالي لا يدخلها كل من تنجس بالخطية (رؤ4:3).
وهل يمكن للظلمة أن تلتقي بالنور؟!
أعتقد أن النور لا يلتقي بالظلمة إلاَّ ليبددها.

ليست هناك تعليقات: