مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الخميس، 29 يناير 2009

نتــائج الخطيـة


لا شك أنَّ للخطية نتائج كثيرة، ونتائجها سيئةً.. وتستطيع أن تتحقق من هذا لو تأملت حياة الخطاة، فما من إنسان يتمرغ في وحل الخطية إلاَّ ونراه دائماً قلقاً، مضطرباً، شخصيته مهزوزه، بلا سلام، دائم الخوف..


كما أنَّ عذاب الضمير يؤرقه، والحزن يتملكه وإن إدّعي الفرح واصطنع الابتسامة!! إذ كيف يفرح والفرح ثمرة من ثمار الروح القدس الذي فارقه (غل 22:5)؟! وقد يسعى الخاطيء أن يُسكّن ضميره ولكن إلى حين!! وهذا ما يدفع الخطاة إلى الهروب من أنفسهم، والتواجد وسط الناس بصورة شبه دائمة!!


وكثيراً ما نري الخطاة وأجسادهم تحمل أمراضاً.. تعلن عن إثمهم وحياة الفساد التي انغمسوا في ملذاتها، وهناك أمراض تنتقل عن طريق العدوى، وهى تُصيب الذين ينغمسون في تلك الحياة المبتذلة، ويُعد الإيدز من أشهر هذه الأمراض..


هذا بالإضافة إلي حالة التلف والفساد التي تخلفها لنا الخطية.. إذ تفسد قوتنا الذهنية، وأعضائنا الجسدية، وتُميت أحاسيسنا أو مشاعرنا الروحية..


يكفي أنَّ الخطية تجلب علينا غضب الله، فبسببها قد غضب الله علي العالم القديم أيام نوح وأهلكه بماء الطوفان، وغضب علي سدوم وعمورة فأحرقها بالنار والكبريت..


وكثير من النتائج الأُخري سوف نتحدث عنها.


الخوف وفقدان السلام


" سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأنّي عريان فاختبأت "

(تك 10:3)


لا شك أنَّ الخطية تجلب الخوف علي صاحبها، الخوف من المسئولين الذين سيُعاقبون هنا علي الأرض، والخوف من الله الذي سيُعاقب في يوم الدينونة، ولهذا تجد الخاطيء إذا شعر بزلزلة أو سمع صوت رعد أو صاعقة، يرتعب ويرتجف، بل إنَّ أوراق الشجر إذا تحرّكت تُخيفه، هذا ما يقوله أيوب البار عن الخاطيء: " صَوْتُ رُعُوبٍ فِي أُذُنَيْهِ " (أي 1:15).


ودائماً ما يهرب كما قال سليمان الحكيم: " اَلشِّرِّيرُ يَهْرُبُ وَلاَ طَارِدَ" (أم 1:28)، ولدينا علي هذا مثلاً وهو قايين، فعلي الرغم من أن الأرض لم يكن فيها سواه، إلاَّ أنَّه بعدما قتل أخاه هابيل قال: " إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهاً وَهَارِباً فِي الأَرْضِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي " ( تك 14:4).


لا نُنكر أنّ السلام كان سائداً يملأ كل أركان الجنة، وذلك قبل السقوط، ولكن منذ أن سقط آدم ودخلت الخطية العالم، نُزع السلام وملأ الخوف قلوب البشر، فبعدما كان الإنسان يحيا مع الله فرحاً سعيداً، أصبح بعد السقوط يخشي التطلع إليه، ولهذا نري آدم يختبيء من وجه الله في وسط أشجار الجنة، ولما ناداه الرب صرخ بصوت مليء بالخوف قائلاً: " سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ " ( تك 10:3).


لقد زحف إلي قلب آدم شيئاً جديداً بعد الخطية، لم يكن موجوداً فيه من قبل ألآ وهو: الخوف وفقدان السلام، وبعد طرده من الجنة، شهر ضده سيف الكاروبيم، فاشتد قلق الإنسان أكثر وفقد طعم السلام، ولم يعد الله يُعلن ذاته له إلاَّ في وسط لهيب نار، حتي إن بني إسرائيل لمَّا رأوا الجبل مضطرماً عند ظهور الله في جبل سيناء قالوا لموسي " تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ " ( خر19:20).


وهكذا اعتقدوا أنَّ رؤية الله لا يلحقها سوي الموت، ولا سيما وأنَّ الله قد صرح قائلاً: " لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ " (خر20:33)، ومع أن الله قد وضع للناس ناموساً عادلاً ومقدساً، إلاَّ أنَّ الناموس زادهم اضطراباً وخوفاً، لأنَّه كما قال معلمنا بولس الرسول: " لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ اللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ التَّلاَمِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلاَ نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟ " (أع10:15)، حتي إنَّ الذبائح كانت تُذبح بالسكين، فكانت السكين متعطشة دائماً لسفك الدماء، وكل هذا أعلن عن زوال السلام بين البشر..


والرؤساء كانوا ينادون: " سَلاَمٌ وَلَيْسَ سَلاَمٌ " ( حز10:13)، وإشعياء النبيّ يقول: " لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلَهِي لِلأَشْرَارِ " ( إش21:57)، وإرميا النبيّ يقول: " لَيْسَ سَلاَمٌ لأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ " ( إر 12:12).


وظل الحال هكذا طوال مدة العهد القديم، فكان الجميع يرجون إتيان رئيس وملك السلام، ليُعيد الطمأنينة إلي قلب الإنسان مرّة أُخري...


أمّا الأمم الوثنية فكانت لا تقل عطشاً إلي السلام عن اليهود، وذلك بعد أن رأت ضعف آلهتها، وعجزها عن تعزية أرواحهم، ونزع الخوف من قلوبهم.. لقد جرّبوا كل الديانات الكاذبة وعبدوا آلهتها، فوجدوها عاجزة عن أن تهبهم السلام والطمأنينة.


إلي أن جاء المسيح لينشر رسالة السلام علي الأرض.. ولهذا هتفت الملائكة يوم مولده قائلة: " الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ " (لو14:2).


وقبل الصلب ترك لنا سلامه إذ قال: " سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ، سلاَمِي أُعْطِيكُمْ، لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا " (يو27:14)، وهذا دعا معلمنا بولس الرسول أن يقول عنه: " لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِداً " (أف14:2).


وقبل معلمنا بولس الرسول سبق إشعياء النبي أن تنبأ عنه قائلاً: " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ " (إش6:9).


قال أحد الآباء

" فالآن بعد عودة السلام، ليطمئن آدم الخائف، وليهدأ يعقوب القائل: ما أرهب هذا المكان، وليحيا موسي المرتعب في سلام، لما أخطأنا فارقنا السلام، ولما أتي المسيح إلينا جاءت الملائكة تعلن عودة السلام، إذ قالت: " وعلي الأرض السلام ".



خيبة الأمل

" فأين إذن آمالي، آمالي من يعاينها "

( أي 15:17)


كان الابن الضال يعيش عيشة هنيئة، لا ألم أصابه من العيشة الرغدة مع أبيه، ولا ظلم وقع عليه من إخوته، ولا حُرم من عطف أو حنان أمه.. ولكنَّه تصوَّر أن السعادة مذخرة في حياة البذخ واللهو والمرح وسط الأصدقاء... فطلب من أبيه أن يعطيه نصيبه من المال، وقد كان هذا الطلب حسارة منه، فكيف يطلب ميرائاً من أبيه وهو لا يزال حياً؟!( لو12:15).


وولكنَّ أبيه لم يرفض فأخذ نصيبه وسافر إلي كورة بعيدة، ليحيا الحياة التي رسمها لنفسه.. وهناك أمضي أوقاته وسط أصدقاء السوء.. بين الخمر وسهر الليالي لإشباع شهواته، ولكن أية نتيجة وصل إليها هناك؟ خيبة الأمل..


هناك جني عوض الفرح حزناً، وعوض الراحة تعباً وشقاءً.. وعوض الغني فقراً واحتياجاً، وعوض السعادة بؤساً وآلاماً.. تغرّب عن بيت أبيه جرياً وراء سعادة تصورها، فوجدها كذباً وأحلاماً لا حقيقة لها.


وهذا أمر يفج قلوب الخطاة، إنّهم يتركون الله ويسعون وراء الخطية، أملاً في الحصول علي سعادة وهمية، وبعد أن يفنوا قواهم فيها، يشعرون أنّهم خسروا محبة الله، وفي الوقت نفسه لم يربحوا من الخطية شيئاً، وأنَّ مسرات العالم التي سعوا إليها، لم تكن إلاَّ آباراً مشققة لا تضبط ماء (إر13:2)، فتتألم نفوسهم وتحزن لخيبة الأمل التي سقطوا فيهاّ!!


ولابد أن الابن الضال تألم كثيراً.. بعد أن أكتشف حقيقة الخطية المرة وأنها لا تعطي، بل تأخذ كل شيء، فقد أخذت ماله، زاده، كساءه، حتي محبة أبيه خسرها، وأيضاً عطف أمه وإخوته، وفي النهاية فقد طهارته، وخسر سمعته وكرامته إذ أصبح الغني متسولاً وليس من يعطيه!!


ويسعى الخاطيء جاهداً للبحث عن كل ما هو جديد ومثير في عالم الخطية، وقد تخدعه شهواته وتضلله أفكاره فيضحي بكل شيء، ولكن دون جدوى، فنتائج الخطية ثابتة وهى لا تتغير لا بتغير الأشخاص أو بتنوع الملذات!


عذاب الضمير


" اشــفني يارب لأنَّ عظـامي قـد

اضطربت ونفسي قد انزعجت جداً "

( مز6: 3،2)

إنَّ عذاب الضمير هو السوس الذي ينخر في عظام الخطاة علي الدوام، ومهما حاول الخاطيء أن يهرب من الناس والعدالة الأرضية، فإنّه لا يقدر أن يهرب من عذاب ضميره، الذي هو أشر عذاب يُقلق الخاطيء ويزعجه.


يقول القديس أُغسطينوس

" سوف تهرب من الريف إلي المدينة، ومن الساحة إلي بيتك، ومن عتبة الباب إلي مخدعك ويظل الضيق يتبعك، وهل تهرب إلي مخدعك إلاَّ إلي سريرك، وإذا كان سريرك قلقاً عالقاً بدخان الشر، مضطرباً إثماً.. فلا يمكنك أن تفزع إليه بل تُطرد عنه، ثم تُطرد عن ذاتك ".


فلا عجب إذا رأينا من يتحدي الله وينغمس في الشر، يحيا في توتر قاتل لنفسه، وبحثه الدائم عن نشوات جديدة واختبارات مثيرة، تجعله دائماً في قبضة الخوف والشك والقلق وعذاب الضمير.


يقول ذهبي الفم

" تأمّل في عذاب أولئك الذين يشعرون بعظم خطيتهم ومرارة بكائهم، ثق بأنَّهم أشد كآبة من الذين يُطرحون في النار، اُذظر ماذا يفعلون؟ كيف يتألمون؟ كم يذرفون من الدموع؟ وكم يصعدون من الزفرات ليتخلصوا من عذاب الضمير؟ ".


الحــزن

" حياتي قد فنيت بالحزن "

( مز 10:31)

إنَّ كان الفرح هو ثمرة من ثمار الروح القدس (غل 22:5)، فالحزن ثمرة أيضاً ولكن من ثمار الخطية، لأنَّ الخاطيء إنسان مأسور روحياً، فمهما رأي وسمع لا يُسر ولا يفرح قلبه، مثل شعب بني إسرائيل أيام السبي، كانوا جالسين علي أنهار بابل، التي تحيط بها أشجار الصفصاف الجميلة، ومع ذلك لم تسرهم تلك المناظر الجميلة، بل نراهم وقد مزجوا مياه النهر بدموع الحزن والألم، وعوض أنغام الطرب علت أصوات البكاء، والسبب أن الفرح ليس له مكان في ظل العبودية (مز137).


وداود النبيّ بعد أن أخطأ امتلأ قلبه من الحزن، وكانت الدموع ثمرة هذا الحزن المفرط، فكان يُبلل فراشه بدموعه (مز6:6)، وصارت له دموعه خبزاً (مز3:42)، وقد مزج شرابه بدموعه.


والمرأة الخاطئة حزنت علي خطاياها جداً، حتي إنَّها غسلت رجلي المسيح بدموعها ( لو44:7).


ولا تُحزن الخطية الخاطيء وحده، بل تُحزن الله أيضاً، ولهذا بعد أن كثر شر الإنسان في الأرض، يقول الكتاب المقدس: " فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ " ( تك6: 6).


كما تحزن الخطية الروح القدس، ولهذا عندما طلب معلمنا بولس الرسول من أهل أفسس أن يطرحوا خطاياهم قال لهم: " وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ " ( أف 30:4).


المــرض

" ها أنت قد برئت فلا تخطيء

أيضاً لئلا يـكون لك أشر "

( يو 14:5)

كان المرض في العهد القديم إحدي الضربات، التي يعاقب بها الله الخطاة علي خطاياهم، وقد كان البرص مرتبطاً قديماً بالخطية وعقاباً لها ولهذا عاقب به الرب مريم أخت موسي، بسبب كلامها علي أخيها موسي (عد10:12).


كما عاقب به جيحزي، بسبب سعيه وراء نعمان السريانيّ، ليأخذ منه الفضة والثياب، ثم كذبه علي سيده أليشع ( 2مل 5: 27).


وأيضاً عُزيّا الملك بسبب تعدّيه علي وظيفة الكهنوت، ودخوله الهيكل ليوقد علي مذبح البخور (2أخ 26: 16-21)..


هكذا أيضاً مرض الفلج، ولهذا عندما شفي المسيح المفلوج قال له: " يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ " (مر5:2)، وبعد أن شفي المخلع قال له: " هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً لِئَلاا يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ " (يو14:5)، موضحاً أنّ الخطية هي السبب الأول لمثل هذه الأمراض، وقد كان لابد قبل الشفاء أن يغفر لهم خطاياهم.


ولأنَّ هذه الأمراض كانت ضربة من الله، لم يكن ممكناً لأحد أن يشفي منها إلاَّ بواسطة الله، ولهذا عندما أرسل ملك آرام إلي ملك إسرائيل يطلب منه أن يشفي نعمان السريانيّ من برصه، مزّق ملك إسرائيل ثيابه وقال: " هَلْ أَنَا اللَّهُ لِكَيْ أُمِيتَ وَأُحْيِيَ، حَتَّى إِنَّ هَذَا يُرْسِلُ إِلَيَّ أَنْ أَشْفِيَ رَجُلاً مِنْ بَرَصِهِ؟ " (2مل7:5)، هذا بالإضافة إلي الأمراض الكثيرة التي تُصيب الخاطيء كنتيجة طبيعية لتلك الحياة الملوثة التى يعيشون فيها، فالمدخن قد يصاب بالسرطان والزاني بالسيلان..


فالحقيقة إنَّ الخطية تتسبب في كثير من الأمراض، لكن ما هي قوة مرض الخطية إزاء مهارة الطبيب الأعظم، رب المجد يسوع الذي كسر السبت ليشفي يد مشلولة تعيد للجسد رونقه وجماله، وأوقف نزيف امرأة ليتجدد خصب جسدها من جديد، وأعاد لمُقعد أذله المرض ثمانية وثلاثين عاماً القدرة علي الحركة والعمل، هؤلاء غير المفلوجين الذين شفاهم، والعمي الذين أعاد إليهم النور، والبرص الذين طهّرهم من مرضهم الملعون..


فإن كان يسوع وقف أمام الجسد البشري، وقفة طبيب ماهر لا يُعادله فيها طبيب، فلماذا لا تتقدم إليه ليشفي أمراضك؟! فهو كما يقول مار أفرام السرياني: " ليس طبيباً قاسياً ولا عديم التحنن ولا فاقد الرحمة، ولا يستعمل دواءاً مضراً وكاوياً، من أجلك تجسد وتأنّس ليشفي جراحاتك الخفية، وبمحبة جزيلة يدعوك قائلاً: قوم وابرأ واطرح عنك ثقل خطاياك، فتقدم إلي طبيب أيها الخاطيء وقدم له الدموع، فهي الدواء البليغ الجودة، فإنّ الطبيب السماوي يريد أن يبرأ كل أحد بدموعه ".


يقول القديس إشعياء الأسقيطيّ

" الطبيب صالح لا يطالبني بأتعابه، لكن كسلي لا يسمح لي أن أذهب إليه لأستشيره، يأتي إلي بنفسه ليتعهدني فيجدني أستعمل أطعمة تزيد من تقيح جروحي، يناشدني ألاّ أستعملها فيما بعد، ولكن توبتي ليست صادقة، يرسل إلي أطعمة فيقول لي: كل منها لكي تشفي، لكن عاداتي الشريرة لا تدعني أتعاطاها ".


اليــأس

" قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً..

ثم مضـي وخنـق نفســه "

( مت27: 5،4)


قد يُخطيء إنسان، فيتسرّب القلق والحزن إلي قلبه وتتملكه الكآبة، فيتوهم أنَّ لا خلاص له! وهكذا تظلم الدنيا أمام عينيه، ويري العالم وقد أصبح آباراً جافة، وأرضاً يابسة، لا تروي نفساً عطشي... ثم يلتفت وراءه فيري أبدية مظلمة تنتظره، هى بحيرة متقدة بنار لا تطفأ ودود لا ينام، لا يري أمامه سوي اليأس، إذ يشعر أنَّه فقد كل رجاء في العالم الحاضر والحياة الأبدية!!


ولعل أعظم مثل ليأس الخطاة هو يهوذا الإسخريوطيّ، الذي بعدما أسلم سيده، لم يحتمل عذاب ضميره، الذي أتعبه جداً فندم علي خطيته، وذهب لرؤساء الكهنة ورد الثلاثين من الفضة قائلاً: " قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! " (مت4:27)، وأخيراً " مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ " (مت5:27)..


وقد ثبت إحصائياًَ أن أعلي نسبة انتحار علي مستوي العالم في البلاد الأكثر مدنية، وهي البلاد التي أباحت الشر وحللت الخطية، حتي إنهم صاروا يمارسون الجنس، في الشوارع والميادين العامة أمام أعين الناس وبلا أي خجل!! فكانت النتيجة أن تسرّب اليأس إلي قلوبهم، وكثيرون وصل بهم اليأس أن قالوا: لا علاج لأي شيء في الحياة، الموت هو العلاج التام لكل المآسي وخُتمت حياتهم بالانتحار!!


منذ القرن الثامن عشر ومع التقدّم العلميّ والرفاهية.. ابتعد الإنسان عن الله في الغرب، وساد تيار الألحاد والمادية، وأقام الغرب نظرية خالية من النبض الروحيّ، والتواجد الإلهيّ، وانتصب العلم إلهاً، والطبيعة معبداً، والإنسان سيداً وقائداً لمسيرة المادة، وظهر (نيتشه) الفيلسوف الألمانيّ الملحد وألّف كتاب أسماه ( مات الله)!! فيه سخر بالإيمان وبكل ما هو مقدس، لكن هل مات الله كما ألحد نيتشه؟! بالطبع لا، فحاشا للحياة أن يموت.


لكن نيتشه الفيلسوف هو الذي مات مجنوناً،

وبقي الله حياً، وسيظل هكذا إلي أبد الآبدين.


وأيضاً (سارتر) الفيلسوف الفرنسيّ المُلحد، قد عاش مع عشيقته متمرداً علي كل النظم الاجتماعية، فلم يعقد عق زواج ولم يعترف بهذه الأوراق، وأقام نظرية متكاملة عن الحياة بدون الله!!


ومات سارتر وماتت معشوقته سيمون،

وظل الله لا يشوبه تغيير ولا ظل دوران.


قال أحد علماء الغرب

" انتشر الفساد في الغرب وسادت الخطية وأصبحت نقطة ارتكاز وآمال الكثيرين، حتي قال البعض: لقد مات الله في القرن التاسع عشر، ولكن بعد أن اكتشفوا حقيقة الخطية المرّة وما يجنيه الإنسان منها قالوا: والإنسان قد مات في القرن العشرين ".


وهذا دليل علي أنّه لا سعادة يجنيها الإنسان من حياة الخطية، إنّما يجني ألماً ويأساً وموتاً..



غضب الله

" فصعد عليهم غضب الله وقتل من أسمنهم وصرع مختاري
إسرائيل في هذا كله أخطأوا بعد ولم يؤمنوا بعجائبه

( مز78: 32،31)


ليس هناك شيء يُهيّج غضب الله علي الإنسان أكثر من الخطية، فبسببها لعن الله الأرض التي خلقها وأحسن تكوينها، فقد قال لآدم بعد أن أخطأ: " مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ، بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ " (تك17:3).. كما لعن قايين بعد قتله أخيه البار هابيل: " مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ! " (تك 11:4).


بسبب الخطية أغرق الله العالم الأول بماء الطوفان (تك 8). وبسببها أيضاً أحرق مدينة سدوم وعمورة بنار وكبريت، وجعلها عبرة للعتيدين أن يفجروا (2بط 6:2).


وهل يُنكر أحد أنَّ الخطية هي التي جعلت الرب يضرب شعب بني إسرائيل في البرية، فسقط منهم في يوم ثلاثة وعشرين ألفاً، وذلك بعد أن زنوا مع بنات موآب (1كو8:10)، (عد1:25)، وبنو إسرائيل أليس بسبب خطية عخان بن كرمي هُزموا أمام عاي القرية الصغيرة ( يش 7).


ألم يغضب الرب علي أهل نينوى، لمّا صعد شرهم أمامه (يون2:1)، وأرسل لهم يونان النبيّ ليُنادي عليهم بالهلاك؟ وغضب علي قورح وداثان وأبيرام أيضاً، ففتحت الأرض فاها وابتلعتهم وكل ما كان لهم (عد16: 31-33)..



العار والخجل


" البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية "

( أم 24: 34 )


إنَّ من يتأمل في الكتاب المقدس يري أنَّ بر يوسف الصديق، رفع من شأن أمة بني إسرائيل وعظّمها في عيني فرعون، وكان سبباً في الرخاء الذي حل عليهم أيام المجاعة..


في حين لما أخطأوا انحط شأنهم، واستعبدتهم الشعوب وأذلوهم وعاشوا في خزي وعار، حتي إنَّ جُليات الجبّار كان يقف صباحاً مساء مدة (40 يوماً) يُعيّر الإسرائليين، ولم يكن هناك من يصده! بل عندما كانوا يسمعون كلامه، كانوا يرتاعوا ويخافوا بما فيهم شاول الملك نفسه (1صم17: 16،11،10).


وهنا ندرك بشاعة الخطية، وما تجلبه علي الإنسان من خزي وعار، ولهذا عندما قتل داود جُليات قال: " أنا سللت سيفه الذى كان بيده وقطعت رأسه و نزعت العار عن بنى اسرائيل " ( مز151).


وإذا أردت أن تعرف معني العار الذي تجلبه الخطية، اُنظر إلي السكّيرين والزناة ومدمني المخدرات.. لتعرف كم صاروا عاراً، لا لأنفسهم فقط بل ولأُسرهم والمجتمع!!


ولأنَّ الخطية تجلب العار، لازلنا حتي الآن نري في الأماكن المتشددة قتل المنحرفات اللواتي أسلمن أعضاءهن للنجاسة! لماذا؟ لأنهن جلبن العار لأسرهن ولوثن سمعتهن، ولهذا فضّل كثيرون الموت عن أن يتلوّثوا بعار الخطية، حتي إنّه قيل في المثل الشعبي: النار لا العار!! فعالجوا الخطية بخطية أشر!!


وكما تجلب الخطية العار، تجلب الخزي والخجل أيضاً.. فالخاطيء يخجل من نفسه ومن خطيته.. التي تقف أمامه في كل حين (مز51)، وتطارده صورتها في كل وقت كأنها سياط من نار، تلهب ضميره أينما ذهب!!


ماذا يحدث لو ضبط اثنان وهما متلبسان في خطية زني؟ في الحال يغطيان نفسيهما، ويضعا أيديهم علي وجوههما.. لماذا؟ لأنّ الخاطيء وإن كان يسعى للخطية، إلاَّ أنَّه لا يريد أن يراه أحد في هذا المنظر البشع المخجل.


ولا يخجل الخاطيء من نفسه ومن الآخرين فقط.. وإنَّما يخجل من الله أيضاً، فكثيراً ما نري الخطاة منكسي الرؤوس.. فلا يستطيعون أن ينظروا إلي السماء من شدة الخجل، لأنَّ خطاياهم أنزلتهم إلي المستوي الترابيّ، فكيف يتطلعون إلي الله البار، أو إلي السماء مسكن الأطهار!


وليست مبالغة إذا قلنا: إنَّ الخاطيء يخجل حتي من أعدائه.. الذين يشمتون به ويفرحون لسقطاته.. وغالباً ما يُشهّرون به في كل مكان أينما وجدوا، للإضرار به وتشويه سمعته..


كما أنَّ الخاطيء يخجل من الكنيسة وقُدسيتها.. ويخجل أيضاً من الهيكل والمذبح.. فالخطية هي الشيء الوحيد الذي يجعل الإنسان لا يحتمل أن يجلس في الكنيسة ولو لمجرد لحظات..



الجـوع


كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً "

(لو15:17)



النفس الخاطئة هي نفس جائعة، جائعة وإن امتلأت مخازنها بالأموال، ونالت كل مظاهر السعادة العالمية، هي جائعة من نحو التعزية وقت الأحزان، وما أظلم ساعات الحزن علي الأشرار، الذين بسبب بعدهم عن الله لا ينالون أية تعزيات وقت الضيق!!

ماذا فعلت الخطية في الابن الضال؟ هل أشبعته شيئاً من خيراتها؟ كلاّ! بل جعلته يهلك جوعاً.. حتي إنَّه عندما رجع إلى نفسه قال: " كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً! " (لو17:15).


هناك حقيقة يجب أن نعرفها ألا وهى: إنَّ الخطية لا تملك سوي الفقر والجوع والحزن والمرض.. وهذا ما يمكن أن تُكافيء به محبيها! وهذا ما أعطته للابن الضال الذي فقد كل شيء، كما أنَّ الأرض أصابها جوع، والناس منعوا عنه الخرنوب طعام الحيوان، الذي كان يشتهي أن يملأ بطنه منه ولكن دون جدوى!!


لقد شعر الإبن الضال بأنَّ خطر الهلاك يُهدده، وأنَّ الجوع سيقضي علي حياته، وهذا هو شعور كل خاطيء ترك مائدة الرب الروحية، وطعام الملائكة السماويّ.. من أجل التلذذ بحياة الخطية ومعاشرة الخطاة، والأكل علي موائد السكّيرين والزناة..


قال صاحب فندق مشهور

" لي كل شيء ماديّ يشتهي أن يصل إليه إنسان، وظننت أنّي قد بلغت إلي ما تسعي إليه نفسي، لكني اكتشفت أني متّخم وحزين بكل هذا، إذ لمَّا حصلت علي شهواتي بدت في نظري أقل مما كنت أظنها، أعتقد أنَّ الحياة أكثر من هذا بكثير ".


أليس هذا قمة الجوع الروحي، أن يملك إنسان كل ما

تشتهيه نفسه ويكون غير قادر علي إشباع نفسه ؟!


فالنفس الخاطئة هي نفس جائعة وستظل هكذا طالما تحيا في الخطية، والحقيقة التي يجب أن نعرفها، هي أنَّ ثمر شجرة الخطية لا يُشبع، وكل من يأكل منه سيظل دوماً جائعاً، فالمرأة السامرية التي أفلت زمام شهواتها، وتربّعت علي عرش الرذيلة، لم تشبع إلاَّ عند البئر عندما سقاها رب المجد يسوع ماء التوبة، فارتوت الشجرة التي جفت أغصانها، وأخرجت ثماراً لازلنا حتى الآن نأكل منه فتتعزى نفوسنا وتتهلل أرواحنا.


والمرأة الخاطئة - خاطئة المدينة المشهورة - أُسطورة الجمال التي قيل: إنَّ قائد الحامية الرومانية قدّم وزنها ذهباً هدية لها، وكان شعرها الغزير المسترسل حتي قدميها، يحمله في سلة من القطيفة خادم أينما ذهبت، لم يشبعها المال ولا عشق الأُمراء لها، ولا الرقص والسكر في الأفراح، إنّما اشبعها حب يسوع الذي ارتمت تحت قدميه وبللت رجليه بدموعها، ومسحتهما بشعر رأسها في بيت سمعان الفريسي..


لأنَّ الخطية لا تُشـبع وفي نفس الوقت لا تشبع،

يسوع وحده القادر على إشباع نفوسنا وأرواحنا.


التلف والفساد


" قد أكلوا يعقوب وأخربوا مسكنه "

( مز 7:79)


لا شك أنَّ الخطية عندما تتملك علي إنسان لا تُدنّسه فقط.. إنّما وتتلف أيضاً كل ما أعطاه الله من قوي روحية وأدبية.. وتخربها، فهي تفسد:


++ القوي الزهنية


يقول معلمنا بولس الرسول: " كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِراً، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضاًوَضَمِيرُهُمْ " ( تي15:1).


ومعني فساد الذهن: إختلاله وفقدان صفائه.. بحيث كل ما تراه العين لا يقبله الذهن علي صورته الطاهرة، ولهذا يقول معلمنا بولس الرسول: " لَيْسَ شَيْءٌ نَجِساً بِذَاتِهِ إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئاً نَجِساً فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ " (رو14:14).


وهذا ما يفعله ذهن الأشرار الذي أفسدته الخطية وأتلفته، فأصبح كالمنظار القذر الذي يري كل ما حوله نجس، حتي إنَّه يري الصورة الطاهرة وكأنّها نجسة! والكلمات الطاهرة يفهمها فهماً نجساً، والحوادث النقية يري فيها فصولاً كلها رجس وفساد..!!


++ الأعضاء


بالرغم من أنَّ الله قد خلق كل شيء طاهراً ومقدساً في الإنسان، إلاَّ أنَّ الخطية عندما تتسرّب إلي قلب إنسان، تشوّه الحقائق فتجعل هذه الأشياء الطاهرة دنسة فتختل وظائفها، فالعين تفقد نظرتها البسيطة، وتستبدلها بالنظرات الشريرة! والأُذن تميل إلي سماع العثرات وكلام الإدانة والنميمة! وهكذا اللسان وسائر الأعضاء.. تُصاب كلها بالبرص الروحي! وأفعالها تنادي أمام الكل ( نجس نجس).


++ الأحاسيس الروحية


لقد أوجد الله في الإنسان أحاسيس، يستطيع من خلالها أن يُميز بين الخير والشر، ولكنه عندما يخطيء يفقد هذه العطية! ولهذا قال الرب: " كَهَنَتُهَا خَالَفُوا شَرِيعَتِي وَنَجَّسُوا أَقْدَاسِي. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ, وَلَمْ يَعْلَمُوا الْفَرْقَ بَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ, وَحَجَبُوا عُيُونَهُمْ عَنْ سُبُوتِي فَتَدَنَّسْتُ فِي وَسَطِهِمْ " ( حز26:22)، حتي إنّهم يرتكبون الإثم ولا يرون في ذلك عيباً أو خجلاً!


ولهذا قال سليمان الحكيم: " الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ. أَكَلَتْ وَمَسَحَتْ فَمَهَا وَقَالَتْ: «مَا عَمِلْتُ إِثْماً! " ( أم20:30)، ومعلمنا بولس الرسول يقول: " اَلَّذِينَ إِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّ، أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ " ( أف19:4).


++ الميول الداخلية


فلا تصبح اشتياقاتها موجّهة نحو الله والفضيلة، لكن كل ميولها تصبح متجهة نحو الرذيلة، التي ينظرون إليها كمصدر فرح لهم، ولهذا يسعون إليها بكل جهد ونشاط.. فيعيشون ويميتون في نجاستهم، وعبثاً يحاول الأخرون إنتشالهم منها!


ومن نتائج الخطية الموت


وقد تحدثنا عن هذه النقطة باستفاضة في الفصل الأول، تحت عنوان (الخطية موت) فنرجو الرجوع إليها.


ليست هناك تعليقات: