مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

لأن للشـجرة رجـاء



لأن للشـجرة رجـاء
" لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ رَجَاءً إِنْ قُطِعَتْ تُخْلِفْ أَيْضاً وَلاَ تُعْدَمُ أَغْصَانُهَا، وَلَوْ قَدُمَ فِي الأَرْضِ أَصْلُهَا وَمَاتَ فِي التُّرَابِ جِذْعُهَا، فَمِنْ رَائِحَةِ الْمَاءِ تُفْرِخُ وَتُنْبِتُ فُرُوعاً كَالْغَرْسِ " (أيوب7:14-9)، تلك آية يتموّج بين كلماتها شعاع أمل يُنير الكون، حتى لا تتحوَّل الحياة إلى مِرآة كبيرة، ينظر فيها الإنسان فلا يرى سوى صورته الكئيبة وعلامات الحزن ترتسم على وجهه!
ولكن هل يوجد إنسان لم تنسج أصابع الألم نِقاباً من اليأس حول قلبه؟! مَنْ منَّا خَلتْ حياته من الكآبة وظلّت صفحةً بيضاء في كتاب الوجود؟! لا نُنكر أنَّ عواصف الخريف تُعرِّي الأشجار وتُسقط الأوراق لتُكفّن بها الأزهار! ويأتي الشتاء باكياً منتَحباً على ما قد صار! ولكن ما أن يأتي الربيع حتى يتنقّى الكون من وحل الشتاء وغبار الخريف.. وتظهر البساتين بأجمل حُللها: بيضاء وحمراء وخضراء وصفراء.. وعندما تغرُب الشمس تضُم الزهور أوراقها أمام أشعة المغيب، ولكن من أجفان الليل تتساقط قطرات الندى على تيجان الزهور، ويأتي الصباح فتفتح ثغرها مبتهجة: حمراء كالياقوت وزرقاء كالزمرّد، وصفراء كالذهب.. 
وفي مواسم الجفاف تموت الحياة في الأنهار! لا شك أنَّه منظر كئيب يضعنا وجهاً لوجه أمام الموت أو العدم! ولكن ما أن يأتي الفيضان حتى تعود الحياة إلى الأنهار من جديد، ويتموّج الهواء على سطح الماء! ونسمع خرير السواقي مُترنِّمة، وحفيف الأغصان مُتعانقة، وهمس الزهور مُتهللة..
والسماء كثيراً ما تتلبَّد بالغيوم ثمَّ سرعان ما تنقشع، فتظهر صافية تغمرها أشعة قوس قُزح بألوانها الزاهيّة، وتُزيِّنها النجوم بأنوارها البهيّة، وفي الصباح تتجلّى الشمس فتُعلن عن ميلاد يوم جديد يُعطي شعاع أمل حتى لا يحيا الناس متَّشحين بضباب الماضي وظُلمة القبور، بل ينظروا بعين الروح إلى المستقبل المُنير.
اُنظروا إلى دورة اليوم لتتأكَّدوا أنَّ الظلام ضعيف ولا يمكن أن يدوم، فمجرّد شعاع صغير يكفي أن يُضيء حجرة مُظلمة! لأنَّ النور أقوى من الظلام، أتتذكّرون قصة الخلق؟ ألم تكن الأرض خَرِبة وخاليّة وتغمرها ظُلمة حالكة؟ إنَّها بداية تُوحي باليأس! ولكن لا تنسوا أنَّ روح الله كان يرف على وجه الماء، ولهذا رفض الله الظُلمة وقال: " لِيَكُنْ نُورٌ فَكَانَ نُورٌ" (تك3:1)، وكلمة يرف في اللغة السريانيّة تعني: يحتضن، فالله منذ أن خلق الكون وهو يحتضنه كما تحتضن الدجاجة فراخها. 
إذاً فالأمل شعاع يملأ الكون، وقد عبد المصريون القدماء الشمس؟ لأنَّهم اعتقدوا أنَّها مصدر الأمل.. ولهذا رسموا الإله على هيئة قرص شمس، تخرج منه الأشعة، وفى نهاية كل شعاع يدٍ مفتوحة لتمنح الحياة! وهذه الشمس الماديّة ترمز إلى شمس أُخرى روحيّة أعني رب المجد يسوع الَّذي تنبأ عنه ملاخي النبيّ قائلاً: " لَكُم أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا " (ملا3:4) وها نحن نتساءل: ألم يُشرق علينا المسيح بنور حُبّه؟ ألم يمد إلينا يده على الدوام؟ ولماذا يمدّها؟ أليس لكي أطمئن عندما أقرأ عليها: " هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ " (إش16:49) فلماذا الخوف؟ لماذا اليأس إذاً؟! 
وعلى المستوى الروحيّ كثيراً ما تتسلّل إلينا الخطيّة بوجهها القبيح، فننظر من وراء نِقاب الشهوة، ونسهر الليالي مُحدِّقين في التراب، ملتحفين بالثلوج، وباكين على وهم نحياه، فما أن يُشرق الله بنور حُبِّه في قلوبنا، فسرعان ما نتوب فنقضي الليالي البيضاء ناظرين إلى السماء، مسامرين الفكر النقيّ، وبعد أن كنَّا نجلس كالحشرات حول المستنقعات المُلوَّثة، صرنا نحيا بجانب جداول المياه العذبة، وتحت الأشجار المُثمرة، ونسمع تغريد العصافير، ونُرنِّم على قيثاراتنا الروحيّة ترانيم البهجة والخلاص..  
قد تقول: كفى مثاليّة!! لا ترفعني على أجنحة الخيال!! بل قل لي: لماذا يُولد إنسان أعمى وآخر أخرس..؟! وكيف نُفسِّر آلام أُسرة تتحمّل مريض مشلول مدى الحياة؟! لماذا تتزوّج فتاة وغيرها لا تتزوّج؟! ولماذا تُنجب إمرأة ولا تُنجب أُخرى؟! ألسنا نقول: إنَّ الله محبّة؟ فلماذا لا يتدخّل ليمسح دموع البشر؟!
حقاً إنّ الشمس هى مصدر النور ولكنَّها ليست سبب الظُلمة، ولكن متى تُخيِّم الظُلمة على الأرض؟ عندما يغيب النور، ولا ينشأ المرض من قوى حيّة سليمة، ولا يعود سبب جهل التلميذ إلى الأُستاذ، كما لا يعود أصل البرد إلى النار، بل يتدخّل عنصر خارجيّ: الشخص الَّذي يبتعد عن النور، العامل المرضيّ، التلميذ الَّذي لا يصغي إلى المُعلّم، الشخص الَّذي يبتعد عن النار.
إذاً، كل المصائب التي تُصيب البشر تعود إلى الإنسان وليس الله، فالأخطاء البشريّة هى التي قلبت نظام الكون وغيَّرت الشرائع الإلهيّة، أمَّا الله فقد " صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيماً أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً! " (جا29:7)، وأعتقد أنَّ فرقاً كبيراً بين أن تُعطي رجلاً حذاءً ليتزحلق به على الجليد، وأنت تعلم أنَّه ربَّما يسقط ويُصاب بكسور، وبين أن تدفعه بيدك فيسقط على الأرض وقد يموت!!
والحق إنَّ من يُفكّر في الألم عليه أيضاً أن يُفكّر في التجسُّد وإلاَّ غرق في لُجّة الحيرة! فالتجسّد الإلهيّ يغمرنا بالأمل؟ لماذا؟ لأنَّه يُعلِّمنا أنَّ الله أحب العالم " حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ " (يو16:3)!
ومجرّد نظرة صامتة لجسد قدّوس لم يفعل خطيّة واحدة وهو مُعلّق على الصليب مُهاناً ومرذولاً! لهى كافية أن تحل كل معضلات الألم التي تؤرِّقنا، وتنفي عن الله تُهمة مسئوليَّته عن الألم، فإن قلت: ما ذنبي حتى أُولد مُشوّه أو مريض أو فقير؟ لكان جوابي: وما ذنب المسيح حتى يتألّم ويُصلب من أُناس خطاة؟! أليس الصليب يُمثّل مأساة القدّوس البريء، الَّذي انصبّت عليه التجارب بلا سبب " أبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ " (يو15:25)!

ليست هناك تعليقات: