مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الأحد، 15 فبراير 2009

مشكلات عاطفية وعُقد نفسية


ما هى العقدة النفسية؟ هى مواقف أو ذكريات أو رغبات.. مشحونة بشحنة انفعالية مكبوتة داخل الإنسان، وغالباً لا يفطن الفرد إلى العقدة، كما أنَّه لا يعرف أصلها ولا كيف نشأت، وكل ما يشعر به هو آثار العقدة سواء في سلوكه أو شعوره، وتعد أشد العقد خطورة والتي يصعُب على الإنسان علاجها، تلك التي تكونت في الطفولة المبكرة.


القلـق


هناك ثلاث مشاكل عاطفية نُعايشها جميعاً، تختلف حِِدَتها باختلاف شخصية كل منَّا، أول هذه المشاكل هو القلق، ذلك الخوف من أمر لا نعرفه، وهو يختلف عن القلق الطبيعيّ الذي يُعد جزءاً من تكويننا النفسيّ، ولولاه لتوقّف نمو البشر، فالأُم تقلق على طفلها عندما يمرض، وهذا القلق يدفعها إلى العناية به..


ويُعد القلق من الظواهر الشائعة في عصرنا الحاليّ، وهذا القلق يأخذ أشكال متنوعة مثل: كثرة الكلام، عدم الاستقرار، كثرة الشكوى والتذمّر، سرعة الغضب، قضم أظافر اليد، امتصاص الأصابع.. وغالباً ما يُصاحب القلق الشديد رغبة الإنسان في القيام بسلوك عدوانيّ انتقاماً لنفسه!!


وإن كان يتعذر على المرء تتبّع أسباب تطور القلق، إلاَّ أنَّ علماء النفس يوماً بعد يوم، يزدادون وعياً لفترة الحمل وتأثيرها على الجنين، فعندما تكون الأُم حاملاً يكون دمها ودم الجنين في تواصل تام، فإذا تعرَّضت لأزمات نفسية، فإن تغيَّرات قد تحدث لها، كزيادة إفرازات بعض الغدد في الدم، وتسارع دقات القلب، وظهور العرق على الجبهة واليدين..


ولأنَّ الجنين يتلقى غذاءه من خلال اتصال دورته الدموية بدورة أُمه، فهو لذلك يشعر بتلك التأثيرات عينها، فمن خلال عضلات الأُم التي يشعر بها الجنين، يُسجّل كل هذه الخبرات ويحفظها في عقله، وفى جهازه العصبيّ النامي، فإذا كانت الأُم خلال فترة الحمل كله عرضة لتلك التأثيرات النفسية والتشنجات العضلية بسبب ألامها ومشاكلها، فإنَّ الطفل يشعر بأنّه آتٍٍ على عالم لا يوحي بالطمأنينة والثقة، وهذا هو القلق الذي ورثه قبل أن يولد!


ومن المعروف أنَّ الطفل سريع التأثر بالأيدي التي تحمله خلال الأشهر الأولى لولادته، فإذا تم إنزاله بشكل مُفاجيء فربَّما يُصاب بهزة عصبية، كما أن الصوت الصاخب يصيبه بهزة مماثلة، من شأنها أن تزيد شعور الطفل بالقلق، وقد يترسّخ هذا الشعور في عقله وأعصابه مدى الحياة.‍.إلاَّ أنَّ هناك مواقف كثيرة تؤدي إلى الصراع النفسيّ، من بين هذه المواقف: ا


لفشل، أساليب التربية الخاطئة، عاهات الجسم.. فهذه المواقف الإحباطية المُعوَّقة ينتج عنها سلسلة من الردود المُقلقة، وعندما تتكرر نجد أنَّ هذه المشاعر المضطربة تزداد تراكماً، ويظهر آثارها فى سلوك الفرد.


إن أهم أسباب القلق ثلاثة ألا وهى: الشعور بالعجز، الشعور بالعداوة، الشعور بالعزلة.


عقدة النقص


وهى آفة عاطفية تجعل الإنسان غير قادر على العمل بثقة، أو إحراز تقدم أو نجاح في الحياة، لأنَّه يشعر في قرارة نفسه أنَّه أقل الجميع، وليس لديه من المواهب ما يؤهّله للنجاح أو يدفعه للأمام!


إنَّ في داخله صوتاً صارخاً يُسلّط انتباهه على سلبياته وضعفاته، أمَّا مواهبه فلا يلتفت إليها! ولأنَّ المبتلى بهذه العقدة يشعر في صميم أعماقه أنَّه بلا قيمة، فهو لذلك يحاول أن يُظهر قيمته من خلال عدة مظاهر خارجية أهمها: الرغبة في التباهيّ، التظاهر بالقوة والشجاعة، تكلّف الوقار، السيطرة، العدوان، الكبرياء..


إنَّها مظاهر تعويضية يُغطي بها الإنسان ما يُعانيه، ويُعد المكياج الصارخ، وارتداء الثياب الخليعة لدى النساء، من أبرز مظاهر هذه العقدة.إنَّ عقدة النقص يرجع تاريخها إلى السنوات المبكّرة، عندما يتعامل الأهل مع الولد وكأنَّه شيئاً يملكونه، أو عندما يُحاولون إخضاعه باستمرار لأوامرهم دون أدنى حوار معه، ولا تحسّب لرأيه، وهم بذلك يزرعون بذور العقدة في أعماقه!ل


ا نُنكر أنَّه واجب حق على الأُسرة أن تُعلّم طفلها النظام والنظافة واحترام الآخرين منذ نعومة أظافره، ولكن تطبيق أي نظام بصرامة زائدة، قد يُحدث خللاً في توازنه العاطفيّ، فالطفل لا ينمو بالعقاب فقط، إنَّما يترقى الطفل وينمو بالثواب والعقاب معاً.


يجب أن يعرف الآباء أنَّ للطفل كيانه الخاص، شأنه شأن غيره من الكبار، فهو يُريد أن ينمو في الحياة، وهذا النمو لا يتم بتجاهل كيانه، أو بالأوامر المُطلقة، إنَّما بالحُب والإقناع والقدوة الحسنة، فالطفل مُقلّد أكثر منه مُفكّر، فإن أردت أن تُعلّمه كيف ينفخ في البالون؟ فلا تُعطيه لائحة تعليمات وتأمل منه استيعابها، يكفى أن تنفخ البالون أمامه وتفرغه من الهواء، ثم تطلب منه أن يقوم بنفس العمل.


عقدة الذنب


في أحيان كثيرة يسرف الوالدين في لوم الطفل وتأنيبه، وإشعاره بالذنب في كل ما يفعل، مما يؤدى به إلى تزمت واضح في تكوين ضميره، ويترتّب على ذلك أنَّ هذا الضمير المتزمّت الجامد، يُحاسب صاحبه على كل هفوة، كما يُسرف في أمره ونهيه، ومن ثم يصبح الفرد شديد الحساسية، يُحاسب نفسه بقسوة، ويتذمر على ما يفعله أو يفكر فيه، فهو يرى في أخطائه البسيطة ذنوباً لا تُغتفر، ويتملّكه شعور بأنَّه مذنب حتى إن لم يكن قد أتى شيئاً يستحق عليه العقاب.


ألا ترى كثيرين يثورون لمجرد فكرة عابرة تجول بخاطرهم؟! فما هو ذنبهم؟! وما جرمهم حتى يعذبوا أنفسهم هكذا؟!والواقع أن هذه الوسوسة العاطفية التي ورثناها جميعاً بدرجات متفاوتة، لا علاقة لها بذنب حقيقيّ – في حالات كثيرة – لأنّها تكوَّنت في سن كان اقتراف الذنب فيه من المستحيلات، ولكن لسوء التربية وقساوة الأهل، الذين يتَّخذون من أولادهم وسيلة لتفريغ شحنات غضبهم تحت ستار التربية المزيف! فيتكوّن لدى الفرد شعور عميق بالخطأ، ويُخيّم عليه هاجس الشعور باقتراف ذنب ما!


ولذلك يُصاحب هذه العقدة شعور طاغي بالحاجة إلى العقاب، قد يبدو ذلك غريباً! ولكن الإنسان الذي أُصيب بمثل هذه الآفة، غالباً ما يبحث عن عقاب لنفسه، سواء كان هذا العقاب عن وعي أو لا وعي!وفى أقصى حالات الشعور بالذنب يلجأ الشخص إلى إلحاق الأذى بنفسه، مُعلناً اقتراف خطأ أو ارتكاب جريمة، وهو من ذلك برّاء!وفى حالات أخرى يستفز غيره لا من أجل مضايقته، بل ليرد عليه بإهانة مماثلة، أو يلجأ إلى مصاحبة شخص يظن أنه سينزل به العقاب!وهناك من يلجأ إلى الزواج من ساقطة أو شريرة، ليس حباً فيها وإنما لتعاقبه على الدوام!!


ولا تتعجب إذا رأيت امرأة ترتبط برجل سكّير، ذاقت معه كأس الألم بكل ما يحمل من عذابات، ثم بعد موته أو انفصالها عنه ترتبط بسكّير آخر، قد يكون أشد قسوة وإيلاماً منه!! فمثل هذه السيدة المريضة لا تتأقلم إلاَّ مع رجل ينزل بها الألم! إذن فالوحوش البشرية لها من يهواها، ويُفضّل العيش معها، حتى وإن كان يعرف أنَّها ستلتهمه في النهاية!!


ومن الملاحظ أن عقدة الذنب تتجسّد في ما يسمى وساوس مشتقة من كلمة لاتينية تعنى "حصاة "، فمن المعروف أنَّ الحصاة إذا دخلت حذاء شخص ما، تجعله يشعر من وقت لآخر وهو يمشى، ببعض وخزات مؤلمة في قدمه، والإنسان الموسوس يشعر كذلك، وهو يسير في الحياة بآلام متقطعة، من شدة ذنب يتصور أنَّه اقترفه وهو لم يقترفه!!

ليست هناك تعليقات: