مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الثلاثاء، 17 فبراير 2009

يمكنك أن تو جه العاطفة


لا تخف من عواطفك


لا نُنكر أنَّ وسائل التربية الكلاسيكية، جعلتنا نتعامل مع العاطفة لا بالحوار بل بالهروب.. فقد علَّمونا أن نتحاشى كل التعبيرات العاطفية، ونحترس منها ونخشاها ونقمعها وإن استطعنا نلغيها..‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

دفعونا إلى الشعور
بأننا مذنبون إذا عبّرنا عن عواطفنا.. وقد كان الأفضل أن يعلمونا كيف نفهمها ونوجهها؟ فهذا يجعلنا نتنبه إلى كل ما يقيدنا ويحد من حريتنا، ويساعدنا أن نكون أحراراً وأُمناء في علاقتنا مع الآخرين.

إنَّ الوعي بالعاطفة يعني الانتباه إلى الحالات الداخلية التي يعيشها الإنسان، ودراسة ما يحدث له من انفعالات، فبمجرد أن ترصد الانفعال تكون قد اكتسبت أول قدرة، تستطيع أن تبنى على أساسها قدرة أخرى ألا وهى: السيطرة على الانفعال، فإن هذا سيوفر له درجة كبيرة من حرية الاختيار: هل يبقى في هذه العاطفة أم يجب أن يتخلّص منها؟

ولكنَّ العاطفة خدّاعة فكيف يستطيع الإنسان أن يكتشف ألاعيبها؟ من خلال ردَّات الفعل، فكل عاطفة لها علامات مُعينة تظهر على الجسد، فأعصابنا المضطربة، نظراتنا، حركاتنا، أقوالنا.. كلّها طُرق تستطيع من خلال مراقبتك لها وتحليلها أن تصل إلى الوعي العاطفيّ
.

إلاَّ أنَّ هناك عواطف دفينة بحيث يصعُب على كل إنسان إدراكها بسهولة، فقد تكرر كلمات كثيرة مثل: أب، أُم، حرب، حُب، جنس.. بلا سبب، ولكن لو تأمّلت في سبب التكرار، لوجدت أن هناك كبتاً أو مشكلة تؤرقك، وهى تبحث عن مخرج من خلال هذه الكلمات! أمَّا أفضل وقت لفحص العواطف، هو عندما تكون مضطربة، لأنَّ العواطف في تلك اللحظة تكون على حقيقتها، ولكي يقوم الشخص بفحص دقيق لعواطفه عليه أن يقوم بتدوين يومياته
.

إنَّ الورقة التي تدوّن عليها مشاعرك أشبه بالطبيب النفسانيّ، الذي يريحك لمجرد أن يسمعك، وقد تختلف الورقة عن الطبيب في أنَّها أقل رهبة منه، وهذا مطلوب في بعض الحالات، ولبعض الشخصيات الضعيفة، أو التي عندها مشاكل حساسة
ليس بسهوله إعلانها.

ارتبط بصديق حميم

ما من إنسان إلاَّ ويعرف آثار الكبت السيئة، ولهذا يحتاج كل واحد منَّا، إلى صديق حميم يفهمه ويثق فيه، ويستطيع أن يتكلم معه بصراحة. فما هى الصداقة؟ وما هى أنواعها؟ وما هى الأُسس التي تقوم عليها؟ وهل يمكن أن تقوم صداقة بين رجل كبير وشاب؟
وماذا نقول عن الصداقة بين الشبان والشابات؟

نستطيع أن نُعرّف الصداقة بأنَّها علاقة سامية تقوم على الصدق، وتظهر قيمتها في إخراج الإنسان من قوقعته الذاتية، لكي يهتم بغيره ويعمل على نموه ويسهر من أجل راحته.
ويتحدّث الفيلسوف " أرسطو " عن ثلاثة أنواع من الصداقة ألا وهى:

صداقة اللذة التي يبحث فيها الإنسان عن تمضية أوقاته في اللهو، وصداقة المنفعة التي يهدف الإنسان من وراءها الحصول على مصلحة شخصية، أمَّا النوع الثالث فهو صداقة المحبة التي تقوم على البذل والقيم الروحية
.
.

ونحن لا نُنكر أنَّ العثور على صديق ليس بالأمر السهل، لكننا نعترف بأنَّ الحديث إلى صديق، يساعد الإنسان على اكتشاف أفكاره المغلوطة، ألم يقل سليمان الحكيم: " عَلَىِ فَهْمِك لاَ تَعتَمِدْ " (أم3: 5).
أمَّا إذا صمت فمن المؤكد أن مشاكله ستبقى مُبهمة، ولا تنسى أنَّ من خلال كلامك وحركاتك..

يستطيع الصديق أن يعرف أشياء كثيرة عنك، ففي جو يسوده عفوية التعبير
، يسمح الإنسان لرغباته المكبوتة بالظهور من جديد! كما أن الإنسان مخلوق غير كامل، لا يستطيع أن يكفى نفسه بنفسه، أو يحيا الحياة بمفرده، ولهذا فهو في أشد الحاجة إلى آخر يقويه ويحل مشاكله.. فإذا وجدت الصديق وشعرت أن علاقتكما قد توطدت، صارحه
بما يُتعبك ولا تصمت، واطلب منه أن يقدم لك أعظم خدمة، ألا وهى: إظهار نفسك على حقيقتها، ولكن إحذر النفعيين والمُرائين!

والآن نقترب من السؤال الحائر: هل يمكن أن تقوم صداقة بين الجنسين؟ يُجيب على هذا السؤال عالم النفس " سكوت بيك " بقوله: إنَّ الرغبات الروحية والجنسية تكون متشابكة تماماً، لدرجة أنَّك لا تستطيع أن تستحث الواحدة دون الأُخرى، والباحثون في مجال كيمياء المخ قد لاحظوا أنَّ الرغبة الجنسية تنشأ من نفس نوع الكيمياء الروحية، ومع أنها تنشأ في قنوات مختلفة إلاَّ أنَّها تكون متوازية من الناحية الروحية والجنسية، ويفصلها جدار رقيق يكفى لأن يُحدث تناضج غريب، فيختلط نشاطهما
مثل منديل الورق عندما ينضح.

استغل طاقتك العاطفية

إنَّ كل إنسان يحمل في صميم تكوينه العديد من الطاقات: طاقة عاطفية، طاقة ذهنية، طاقة روحية.. أمَّا الطاقة العاطفية التي يتولّد منها الطاقة الجنسية فهى التي تربط بين الإنسان والآخر: الإنسان والمجتمع، الرجل والمرأة.. ولولا هذا العلاقة لأصاب البشر الجفاف، إذن فالطاقة العاطفية رأس مال ثمين أُعطي للإنسان ليستثمره أحسن استثمار
!

إنَّ الطاقة العاطفية هى التي تهبنا تذوق الفن والموسيقى والأدب والشعر وكل أنواع الجمال... فلو أن الإنسان استطاع أن يوجه طاقته هذه، لأبدع في شتى المجالات، فالقصر الجميل عبارة عن طاقة عاطفية تحوَّلت إلى عمل وبناء، ولهذا فإن الإنسان عندما يُبدد طاقته العاطفية بالانغماس في الخطية أو الإدمان... فإن قواه تتعطّل ويصير بلا فائدة، يتحوّل إلى إنسان عاجز، يكون عالة على المجتمع!

غذِ عقلك بأفكار بنّاءة

يتصور البعض أنَّ النزعات العاطفية أو الجنسية في الإنسان، هى نزعات اضطرارية قاهرة، لا يستطيع الفرد أن يتحكّم فيها، وهذا مفهوم خاطيء، فمن المعروف أن في المخ مركز يسمى " الهيبوثالموس " وهو خاص بالأحاسيس والمشاعر الجنسية، وعن طريق هذا المركز، يستطيع الإنسان أن يتحكّم في عواطفه ورغباته الجنسية.
وهنا يكمن الاختلاف بين الرغبة الجنسية، وبقية الأنشطة غير الإرادية في الإنسان، مثل حركة المعدة والأمعاء، وانقباضات القلب، والتنفس... التي تتحرك تلقائياً!

إذن فالنزعة العاطفية أو الجنسية في الإنسان خاضعة للإرادة والوعي، فلدى كل إنسان قوة تفكير، قادرة أن تُحوّل أفكاره السلبية إلى إيجابية تنتج عنها مشـاعر عاطفية بنّاءة! والحق إن قدرة الإنسان على التخيل تعد من أهم وأخطر وظائف العقل، ولكن للأسف الشديد فإن كثيرين يستعملون خيالهم بطريقة هدّامة، إذ يصورون أنفسهم على أنّهم عاجزين، خائفين، مرفوضي
ن.. ولهذا يعيشون في حيرة الماضي السلبية، ويتطلعون إلى المستقبل بطريقة سلبية أيضاً.

إن مبدأ ضبط العقل والمشاعر عن طريق إظهار الصور البنّاءة، يجعل الإنسان يتخلّص من اضطراباته العاطفية، بل إنَّ كثيرين من مرضى الاكتئاب استطاعوا أن يحصلوا على نتائج طيبة، عندما غيَّروا أفكارهم السلبية الحزينة بأفكار مفرحة.. ربما يظن البعض أننا نتحدث بأفكار بشرية، ولكن ألم يقل معلمنا بولس الرسول " تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ "
(رو2:12)، فأينما يذهب العقل يتبعه السلوك، فالعقل المتجدد يتبعه سلوك متجدد.

إملأ قلبك بحُب الله

أنَّ أي ارتباط عاطفيّ يتم في حالة هبوط نفسيّ أو روحيّ، عندئذ يستطيع أي مؤثر كائناً ما كان أن يؤثر عليه، أو يلعب بعقله أو قلبه الخاليّ من حُب الله، في مثل هذه الحالات ما أن تستضيء بالحُب الإلهيّ، فسرعان ما يتبدد بنورها ظلام العواطف السلبية، التي تسللت خلسة إلى قلوبنا
.

والحق إنَّ كل من يحيا مع يسوع بصدق يكتسب قوّة إلهية، يستطيع بها الانتصار على كل معوقات الحياة، وما يُقيّده ويحد من حريته، أمَّا من يسعى لضبط النفس عن طريق الفكر وحده دون الله فلن يُحقق شيئاً، لأنَّ الرب قال: " بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً " (يو5:15)، هنا يجب أن نفرق بين محبه نفسانية ومحبة روحانية، فالأولى انفعال بين إنسان وإنسان، كما أنَّها مؤقتة، ومتقلبة، ومتدنية، لأنَّها خاضعـة لسلطان الجسـد، أمَّا المحبة الروحانية فهى: دائمة، ثابتة، متسامية.

ليست هناك تعليقات: