ليس المذود الذي ولد فيه يسوع هو الرواق المزيّن
الرشيق الهندسة، الذي شيَّده لابن داود رسَّامون مسيحيّون وقد خجلوا من قذارة المذود
الذي رقد فيه سيِّدهم! ولا هو المغارة النظيفة
المزيّنة وقد راحت فيها الحيوانات في غيبوبة من
الذهول، بينما الملائكة ينشرون أجنحتهم فوق سطحها، وقد جثا فى تقابل مُحكم
الانتظام فريق من الملوك المتدثِّرين بمعاطفهم، وآخرون من الرعاة بقبَّعاتهم، كما
يتصوَّرها عبثاً بائعوا التماثيل! فقد تصلُح هذه المغارة موضوع أحلام أحد الأشخاص،
ولكنَّها ليست الموضع الذي ولد فيه يسوع!
إنَّ الزريبة مأوى البهائم التي تكدح في
سبيل الإنسان، خالية من الأعمدة المتوَّجة بالزخارف، وغارقة في العتمة، وتفوح منها
روائح كريهة، هى الموضع الذي وُلِدَ فيه ملك الملوك والذي يجب أن نفخر به! لأنَّ
يسوع ضرب لنا بحقارة محل ميلاده وعيشة الفقر التي عاشها وهو المالك كل شيء، أروع
الأمثلة عن التواضع والفقر الاختياريّ، وحفّز بذلك المساكين على الصبر محتملين آلام
فقرهم، والأغنياء على النزول إلى مستوى الفقراء ومواستهم!
مغـارة
بيت لحم
عندما تحدّث القدِّيس لوقا الإنجيليّ عن
ميلاد المسيح، لم يذكر المغارة وإنَّما تحدّث عن مذود (لو6:2)، لكنَّ المسيح ولد في مذود داخل مغارة، وتُعد أقدم شهادة للمغارة أتتنا من القدِّيس
يوستينوس النابلسيّ، وهو بمصداق لأنَّ أصله فلسطينيّ، فهو إذاً، شاهد عيان وقوله حُجّة،
فقد كتب في عام (155م) هذه الكلمات: " ولمَّا
لم يجد يوسف منزلاً في بيت لحم، أقام في مغارة تقع قرب البلدة، وهناك وضعت مريم
المسيح وأضجعته في مذود
".
|
وفى أواخر القرن الثالث يقول يوسابيوس القيصريّ
المؤرخ الشهير، الذي كان من قيصرية فلسطين: " إنَّ
سكان المكان يشهدون للرواية التى نقلها إليها أسلافهم.. ويدلّون على المغارة حيث
وضعت مريم العذراء وليدها ".
إذاً، فالرواية عن مكان ميلاد السيِّد المسيح
في مغارة، متواترة منذ القِدم، ولهذا يقول مارِ
يعقوب السروجيّ:
" مغارة
مفقودة صارت بيتاً، لذاك الذي تنازل ليفرغ
المغائر والقبور من موتاهم، وكر مخوف حلَّ فيه سيِّد العالمين، ذاك الذي السموات
لم تضبطه أن يحل فيها، الحيَّة التي عصتْ آدم وصار خبزها التراب، دخل الحكيم
ليطلبها في المغائر والشقوق، شجرة الحياة نزل من المكان المرتفع الذي لعدن، وها في
المغارة يُبدِّد أثمارها على المائتين، الذي مثل الآب في الإشراق البهيّ، ها هو في
المغارة يُلف بالأقماط ".
مغارة
الكريسماس
أمَّا
المغارة التي نراها اليوم في الكنائس، وأصبحت من التقاليد الشعبيّة للكريسماس، ابتكرها
" الراهب فرنسيس الأسيزيّ Francis of assisi
" وكان يهدف من إقامتها قُرب مدخل الكنيسة في قريته سنة
(1224م)، إلى توجيه العيون، وبالتالي القلوب إلى ما أحاط
بالميلاد العجيب من فقر،
فقد جاء فى سيرته:
إنَّه
كان يرغب أن يرى الطفل يسوع في فقره كما ظهر يوم ميلاده، فأقام مغارة فى غابة
" كريتشو "
ليُحيي ذكرى الميلاد بطريقة جديدة يبقى أثرها عالقاً بالأذهان، ومطبوعاً في القلوب،
وفي المغارة بنوا المذود وملأوه بالعلف، وحول المغارة ربطوا ثوراً وحماراً في هدوء
وخشوع، أمَّا المذبح الحجريّ فوضع في الوسط..
|
لقد أُعدَّ كل شيء بنظام وقبل أن يُقدِّم
الكاهن الذبيحة، دخل فرنسيس المغارة مرتدياً زي الشماسيّة
لأنَّه لم ينل درجة كهنوتيّة،
وسجد في خشوع، ولبث فترة يُصلِّي، وبعد انتهاء القُدَّاس، ألقى عظة مؤثِّرة لمست
قلوب الحاضرين، فخرج الناس وهم يبكون من شدَّة تأثُّرهم، وعادوا إلى بيوتهم فَرِحين،
لأنَّ يسوع وُلِدَ في قلوبهم من جديد
رموز
مغارة الميلاد
. يسوع
الطفل: وهو صاحب العيد ومركز كل شيء.
|
. الملائكة: يرمزون الى حضور الله الفعّال بين الناس، لرعايتهم
وخدمتهم.
. الرعاة: يمثِّلون
البسطاء ويذكِّروننا بالمسيح راعينا، الذي خرج من نسل داود النبيّ الملك
والراعيّ.
. المجوس: يمثِّلون
الكهنة القُدامى، الذين خضعوا للكاهن الأعظم، واعترافوا بلاهوته من خلال سجودهم
له.
. النَجم: يرمز
إلى النَجم الذي أرشد المجوس، إلى موضع السيِّد المسيح.
. البقرة: تُشير
إلى الطعام الماديّ، الذي لا غنى عنه للإنسان، لكي يحيا ليس لذاته فقط، بل
لله والآخرين.
. الحمار: وسيلة
النقل لدى عامة الناس قديماً، وهو أيضاً رمزاً لصبر المؤمنين واحتمالهم المشقَّات، في
سبيل الإيمان وخدمة السيِّد المسيح.
. الأغنام: وسيلة
للغذاء، ويستخدم الإنسان صوفها في الملابس من أجل السُترة والتدفئة، وهى ترمز
بشكل خاص الى الوحدة الضروريّة في جماعة المؤمنين، والتي تحافظ على دفء
الإيمان في قلوبهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق