مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

السبت، 8 ديسمبر 2018

قديسون عاشوا في الدير المحرق - الأنبا باخوميوس أول أسقف للدير المحرق


كان اسمه قبل السيامة القمص بطرس الشامي- نسبة إلى الشامية مسقط رأسه بأسيوط- وصار مدة وكيلاً للدير المحرق، إلى أن قام البابا كيرلس الخامس بسيامته أسقفاً ورئيساً للدير باسم: الأنبا باخوميوس عام (1896م)، ليصير أول أسقف تمت سيامته على دير في تاريخ الكنيسة القبطية.
 وفاء وتقدير للقمص صليب وهبه
كان القمص صليب وهبه من كوم بدر بطهطا، وترهب سنة (1864م) وسيم كاهناً عام (1870م) وتشهد حياته أنّه كان مثالاً للتقوى والنشاط.. لذلك عُيّن وكيلاً ثم رئيساً للدير المحرق سنة (1884م) فاشترى1250 فداناً وقام بسيامة ستة وعشرون راهباً.. وأثناء رئاسته قام البابا كيرلس الخامس عام (1896م) بسيامة القمص بطرس الشامي أسقفاً للدير باسم: الأنبا باخوميوس وهي كلمة يونانية تكتب بالقبطي ( Pa'wm) ومعناها: نسر، فطلب القمص صليب أن يستقيل فرفض الرهبان لمحبتهم له، فكان الأنبا باخوميوس يباشر أعماله عندما يكون في الدير أو في مقر الدير بمنفلوط، ولم يقم بعزل القمص صليب حتى نياحته عام (1905م).
تأسيس مدرسة الرهبان
كان الأنبا باخوميوس بسيطاً ولكنه مَلَكَ عقلية المفكرين العظماء، وظهر سمو فكره من خلال معمار الدير الذي لا مثيل له في أديرتنا  وأيضاً من خلال تأسيسه لمدرسة الرهبان، فقد كان يؤمن بأهمية المعرفة للراهب وتأثيرها على حياته الروحية، ولذلك أنشأ لهم مدرسة لاهوتية، وأحضر معلمين أكفاء من المدرسة الإكليريكية بالقاهرة، وكانت الدروس تُلقى على الرهبان في الطابق العلوي بكنيسة مارجرجس حتى أنشأ القمص تادرس أسعد رئيس الدير مبنى خاص بالمدرسة، وقام بالتدريس في المدرسة علماء أجلاء أبرزهم: القمص يوحنا سلامة المحرقي مؤلّف كتاب اللآليء النفيسة، والقمص عبد المسيح نخلة، والأستاذ شاكر باسيليوس عالم اللغة القبطية الشهير..
حركـة إصـلاح
كان الرهبان قديماً يعملون بأيديهم في زراعة الأراضي وتربية المواشي وإعداد الخبز.. فأجهدهم العمل وجعلهم يبتعدون عن القلاية وينصرفون عن الحياة الروحية التي تركوا العالم من أجلها، فطلب الأنبا باخوميوس أن يتولى العمل اليدوي عمّال يتقاضون مرتبات شهرية، وحصر دور الرهبان على الإشراف فقط، فظهرت حكمته وخبرته، وانتعشت حياة الرهبان الروحية داخل الدير.
وكانت الاحتفالات التي تُقام أثناء مواسم الدير مصدر عثرة للرهبان، بسبب الأفعال المشينة التي كانت تحدث فيها، وكان بعض الرهبان يقومون بتأجير حجرة من القلاية للزوار ويسكن الراهب في الحجرة الأخرى مقابل عائد مادي، ففقدت القلاية قدسيتها وسادت الفوضى في منطقة القلالي، حتى إنّ القدّيس ميخائيل البحيري كان يعتكف في قلايته خلال أيام المواسم، فأمر الأنبا باخوميوس بإبطال هذه الاحتفالات من الدير، وعمل مرتبات للرهبان حتى لا يؤجرون  قلاليهم أو يطلبون مساعدة من أقاربهم أو معارفهم..
ويُذكر أنّ في عهد نيافة الأنبا باخوميوس وصل عدد الذين ترهبوا في الدير المحرق ثمانية وأربعين راهباً.
العمـل الأعظـم
كان الأنبا باخوميوس يؤمن بأهمية الحياة الصحية للراهب، فهي تقوده إلى العبادة بطريقة منتظمة، وتقودة إلى حياة نفسية مستقرة بعيدة عن الاضطرابات التي تحدث بسبب الأمراض كما أنها تجعله يستثمر وقته في أعمال مثمرة، وكل الذين أهملوا صحتهم أو تطرّفوا في نسكهم، قضوا حياتهم بين الأطباء والمستشفيات دون أن ينتفعوا شيئاً! لأنه لا يكلل أحد " إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِياً " (2تي2: 5)، ولذلك قرر بناء الدير على أحدث نظام صحي ومعماري فاستحضر خبراء أجانب لوضع التصميمات مثل سومرز كلاركSomers Clark  (1841- 1926م) مهندس كاتدرائية القديس بولس الرسول بلندن، وهو معماري وعالم وُلِدَ في مدينة برايتون بإنجلترا، وتخصص في دراسة العمارة والترميم الأثري، واجتذبه جمال مصر فظل يعمل فيها حتى وفاته، ومن أهم أعماله كتاب: الآثار القبطية في وادي النيل، الذي نُشر في أُكسفورد عام (1912م).
وفي عام (1910م) اشترى الأنبا باخوميوس قطعة أرض في مدينة أسيوط، أنشأ عليها مباني للإيجار انتهى العمل فيها سنة (1924م)، كما اشترى سنة (1919م) قطعة أرض للبناء في بلدة نزالي بالقوصية، هذا بالإضافة إلى شراء أرض كاروت، وقام بشراء عشرين ماكينة لري هذه الأراضي، وهو أول من أحضر ماكينة لرفع الماء بالدير، وقد أنشأ في الفترة ما بين (1907- 1910م)، مقراً لرئيس الدير يحتوي على عدة حجرات لاستقبال قادة الكنيسة وكِبار الشخصيات، وأسس أمامه مبنى الوسية، لإقامة المرافقين لضيوف القصر والعاملين بالحسابات الخاصة بالدير.
 وقد وصل الأنبا باخوميوس إلى براعة التخطيط والتدبير، عندما أنشأ خط سكة حديد بين الدير والجبل لنقل الحجارة بعربات تجرّها البغال، وذلك لبناء أسوار الدير سنة (1920م) على شكل أسوار أورشليم بارتفاع اثني عشر متراً، كما شرع عام (1926م) في بناء قلالي الرهبان التي تميزت بحجمها الكبير.
معجـزة
في كتابه عن الدير المحرق (ص116- 117) ذكر نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العِلمي، معجزة حدثت أثناء رئاسة الأنبا باخوميوس للدير المحرق فكتب ما يلي:
روى بعض شيوح الرهبان.. حدثاً رائعاً لم يحدث له نظير في جميع كنائسنا المصرية: ذلك أنّه في ليلة عيد القيامة المجيد في إحدى السنوات، وكانت الأنوار مطفأة والهيكل مغلقاً أثناء ممارسة الطقس الذي يمثل قيامة المسيح، وكان الأنبا باخوميوس الأول أسقف الدير المتوفى في (1928م) في هيكل كنيسة العذراء الأثرية ومعه بعض الرهبان من الكهنة والشمامسة، وبعد أن أخذ يرفع اللفائف التي على صورة القيامة، الواحدة تِلو الأُخرى، إلى أن وصل إلى الحنوط المدفون فيها الصليب المقدّس، مد يده ليبحث عن الصليب ولكنه لم يستطع أن يتوصّل إليه لأنه أحس بأنَّ يده ثقيلة، فهاله الأمر، وتحامل على نفسه ومد يده أكثر ولكن يده ارتعشت، فبكى لأنه رأى في هذا علامة على خطيئته وعدم استحقاقه وحاول للمرة الثالثـة، فإذا بـه يتوصّـل أخيراً إلى الصليب، وبغتة ينفجر من الصورة والصليب نور عظيم يملأ الكنيسة كلها في داخل الهيكل وخارجه، وكانت فرحة ليس لها نظير وتعزى الأسقف وانتعش الرهبان بفرح روحاني ومجدوا الله، ولازال الأحياء منهم يذكرون هذه الواقعة التى رأوها بأعينهم وكانوا شهوداً لها، وقد أكد لي اثنان من شيوخ الرهبان وهما المتنيح القمص أرسانيوس المحرقي والقمص بطرس واصف المحرقي، أنهما كانا في الهيكل مع الأسقف عندما ظهر هذا النور المجيد، ولا شك أنَّ هذه المعجزة حدث تاريخي يتيم، لم يحدث له قطعاً نظير في أية كنيسة أُخرى في العالم إلاَّ في كنيسة القيامة بمدينة إلهنا أورشليم، وقد أضافت هذه الكرامة دليلاً جديداً على قيمة كنيسة العذراء الأثرية..

ليست هناك تعليقات: