مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

الجمعة، 7 ديسمبر 2018

إكليريكية الدير المحرق - الفصل الثالث عشر - المعلم توفيق مدرّس الألحان والتسبحة - الراهب كاراس المحرقي


عاصرناه فأبهرنا بقدراته، فقد جمع بين دقة الحفظ وجمال الصوت، واستلمنا منه ألحاناً فصرنا نفخر بأننا تلاميذه، وكنا نلتمس فرحته عندما نطلب منه أن يسلمنا لحناً كبيراً، فهو معطاء لدرجة يصعُب وصفها، ولديه حب للألحان قلما يتكرر، إنّه المعلم توفيق يوسف بشاي، ربيب الدير المحرق ومدرّس الألحان بالكلية الإكليريكية ومعهد ديديموس بالدير.
الميــلاد
رزقة الدير المحرق قرية بسيطة ازدادت شهرة بميلاد القديس يسطس الأنطوني، وذاع صيتها برسامة الأنبا أنتوني أسقفاً على أيرلندا، وارتفع شأنها عندما عرف الناس أنها مسقط رأس المعلم الكبير توفيق الذي وُلِدَ في (12/6/1917م)، وتربى في عائلة النخيلي، فوالده يوسف بشاي جرجس كان عاملاً بسيطاً بالربيتة (مخزن الغلال) بالدير المحرق، وأمه قونه ربّة منزل، وكان توفيق أصغر إخوته: ثاؤفيلس، فلتس، بطرس، بسطا، إسكندر سعيدة، شفيقة وتوفيق.
وفي سن الخامسة فقد الطفل توفيق بصره، فبدأ يتعلم في كتّاب القرية برزقة الدير، وحفظ المزامير على يد المعلم         سليمان، وتتلمذ في الدير المحرق على يد أعظم أساتذة الألحان، الذين تعجز الكلمات أن تصف مواهبهم مثل: القمص ديمتري والراهب جورجيوس والقمص داود ناظر الكنيسة، الذي كان يتلو الصلوات ويرتل الألحان والتسابيح عن ظهر قلب وقد سلّم المعلم توفيق القداس الباسيلي والتسبحة الكيهكية والسنوية.
وفي عيد القيامة المجيد عام (1925م)، قام نيافة الأنبا باخوميوس الأول رئيس الدير المحرق برسامته أغنسطس مع ثلاثة إخوة، وهو في سن الثامنة لموهبته ونبوغه.
بين سوهاج والدير المحرق
عندما فقد الطفل توفيق بصره وجد تعاطفاً كبيراً من أسرته، فأصر والده على تعليمه حتى يكون له مكانة في الكنيسة والمجتمع، ففي عام (1928م) ذهب توفيق إلى سوهاج مع أخيه بطرس، الذي كان يعمل مع نيافة الأنبا بطرس مطران أخميم وسوهاج (1920- 1951م) وهناك حفظ مردات القداس والتسبحة وألحاناً أُخرى من المعلم أغابيوس.
وعندما عاد إلى بيته في يناير عام (1931م) وكان عمره أربع عشرة سنة، طلب من القمص تادرس أسعد رئيس الدير المحرق (1930- 1936م) أن يزكيه للخدمة، فزكاه للخدمة في كنيسة مارجرجس برزقة الدير التي تأسست عام (1905م) فخدم بها من (1931- 1948م) بجانب تسليم الألحان للرهبان، وقد حفظ القداس الباسيلي خصيصاً ليسلمه لبعض الرهبان، فظهر نبوغه في حفظ الألحان وموهبته في تسليمها.
تسليم طلبة الإكليريكية
عندما أنشأ الأنبا باخوميوس الأول رئيس الدير المحرق (1896- 1928م) مدرسة لاهوتية لتثقيف الرهبان في العلوم الكنسية، كان المُعلّم جورجيوس المسئول عن تسليم الألحان للرهبان، وبعد نياحته تولى التسليم المُعلّم توفيق، الذي كان مقيماً في منزله بالرزقة  ويأتي إلى الدير لتسليم الألحان، حتى استقر في الدير ابتداء من عام (1948م) وبعد أن تحولت مدرسة الرهبان إلى الكلية الإكليريكية، ظل المعلم توفيق مدرّساً للألحان، بجانب تحفيظ المزامير ومردات القداس.. للطلبة في المدرسة، التي أسسها الدير برزقة الدير عام (1947م) أثناء رئاسة الأنبا باخوميوس الثاني (1947- 1962م).
العمل الأعظم
جاء بمجلة الكرازة الصادرة يوم الجمعة (16/9/ 1977م) السنة الثامنة والعدد السابع والثلاثين ما يلي: لمَّا كان معهد ديديموس بالقاهرة لم يستوفِ كل احتياجات الكنائس من المرتلين، لذلك سيُفتح فرع لهذا المعهد بالدير المحرق وتبدا الدراسة فيه من يوم الثلاثاء (18/10/ 1977م)، وقام المعلم توفيق بتسليم الألحان وحده، وتولى الراهب ديديموس المحرقي تعليم الطلبة المكفوفين طريقة برايل وبعد خمس سنوات تخرّجت أول دفعة وعددها خمسة، وتم تعيين أحد الخريجين الموهوبين وهو المُعلّم عياد نجيب للتدريس بالإكليريكية ومعهد ديديموس.
وفي (5/11/1986م) قام الأنبا ساويرس رئيس الدير المحرق، بتعيين القمص ميصائيل المحرقي مشرفاً على المعهد وكان يضم أربعة وعشرين طالباً، والآن يدرس الطلبة بجانب الألحان: الكتاب المقدّس واللاهوت الطقسي وتاريخ الكنيسة واللغتين: القبطية والعربية، والمكفوفون يتعلمون بطريقة برايل، وأصبح لدى المعهد مكتبة شرائط للألحان وماكينة لطبع الشرائط وكتب برايل وكمبيوتر.. ويلتحق بالمعهد طلبة حاصلون على البكالوريوس والدبلومات..  
تلمذته للمعلم ميخائيل البتانوني
أراد القمص سيداروس سعد الذي كان وكيلاً ثم رئيساً للدير المحرق مرتين (1929-1928م) (1937-1936م) النهوض بالألحان في الدير، فاستدعى المعلم ميخائيل البتانوني شهراً لتسليم الرهبان الألحان الكبيرة، فكانت أول زيارة له في نهاية (1936م)، فتعرّف عليه المعلم توفيق، وكانت الزيارة الأخيرة عام (1952م) فاستلم منه المعلم توفيق: أللي القربان، المزمور السنجاري، أللي نصف الليل، الهوس الكبير، طرح الفعلة، لحن الملخص السنوي (Ouwini af]ai) Ge afcaji (مزمور عشية سنوي)، تكملة مرد الإبركسيس الكبير، لحنNiromi  ، لحنTeoi`n\kanoc، لحنKuri`e `ele`hcon  الصيامي (يُقال بدل أرباع الناقوس في رفع بخور باكر أيام الصوم الكبير) لحن|iten ni`precbia   الكبير، لحنKata ni xoroc الكبير، تكملة Ajioc  الفرايحي، Eulogimenoc الكبير، لحن `nqotende، لحن Ebol \iten  Maria الكبير،:]ourh   وTai]ourh الحزايني.
وفي عام (1952م) ذهب إلى الإسكندرية مع ثلاثة مُعلّمين: بولس بالمنصور، منير بالمنوفية، وفريد بالقللي، حيث أقاموا شهراً لاستلام القداس الغريغوري القبطي من المُعلّم ميخائيل، الذي قال عام (1953م) للدكتور راغب مفتاح: لمواصلة الطريق استعن بالمعلم توفيق! فقد كان يعتبره خليفته في الحفظ والتسليم! ولذلك أراد أن يستعين به في القاهرة، لكنّ رئيس الدير القمص سيداروس رفض لحاجة الدير إليه! وأيضاً المعلم نصيف مدرّس الألحان لطلبة الإكليريكية بالقاهرة، طلب مساعدته فاعتذر مفضلاً البقاء في الدير، واعتذر أيضاً للدكتور راغب مفتاح والأستاذ شاكر باسيليوس وكيل إكليريكية القاهرة ومدرّس اللغة القبطية بها عند تدريس اللحان بالإكليريكية!
وقد حافظ المعلم توفيق على ألحان كادت أن تندثر استلمها من المُعلّم ميخائيل مثل: طرح الفعلة، لحن Teoi `n \ikanoc الكبير ولحن Ebol \itenMaria الكبير، وقام بتسجيلها، بالإضافة إلى ألحان أُخرى كثيرة خاصة بالدير المحرق.
علاقته بالدكتور راغب مفتاح
في عام (1950م) التقى المعلم توفيق بالدكتور راغب مفتاح- رئيس قسم الموسيقى بمعهد الدراسات القبطية- واتفق معه على تسجيل القداس الغريغوري قبطي، فمكث في القاهرة خمسة عشرة يوماً وعاد إلى الدير.
وفي سنة (1952م) قابله في المندرة بالإسكندرية، في حضور القمص مرقس جرجس، والدكتور يوسف منصور رئيس شمامسة الكاتدرائية المرقسية، الذي طلب منه تسجيل: القداس الغريغوري قبطي، الهوس الكبير، أللي نصف الليل، الطرح..
وظل المعلم توفيق من (1952- 1985م)، يقوم بتسلم الخورس ويلبي دعوة د/ راغب مفتاح مع كِبار المرتلين، لقضاء شهر من كل عام بالإسكندرية، حيث كانوا يقيمون في فيلا غصن الزيتون لتسليم خورس الكلية الإكليريكية..
وفي الإسكندرية كان يلتقي بمرتل الكاتدرائية الموهوب المُعلّم إبراهيم عياد جرجس، الذي يذكر حتى الآن أنّ المُعلّم توفيق قام بتسليمه لحن :]ourh الحزايني.
المعلم توفيق والبابا كيرلس السادس
عندما زار قداسة البابا كيرلس السادس الدير المحرق، قال المعلم توفيق Marousacf في وجود قداسته، وكانت هذه هي المرة الأولى التى يُقال فيها! وعندما سمع البابا تسبحة نصف الليل بالآداء الرائع للمعلم توفيق أُعجب به، وأثناء التسبحة، لاحظ المعلم توفيق أنّ أحد الموجودين يسبّح بنغمة لا تتفق مع نغمة رهبان الدير، فقال له: قل معنا! ولم يكن يعرف أنّه البابا، وبكل اتضاع رد البابا: حاضر!
وفي دير مارمينا بمريوط قابل قداسته فأمسك البابا بيده، وأثناء دخول قداسته الكنيسة داعبه المُعلّم توفيق قائلاً: سيدنا هتفضل ماسك إيدي أنا عايز أقول `k``cmarwot فتركه البابا وتقدم المعلم وقال اللحن! وقد كلفه البابا كيرلس في الستينيات بتحفيظ رهبان دير مارمينا، فكان يقضي بالدير ثلاثة شهور سنوياً، وهناك تقابل مع المعلم فهيم مرتل الكاتدرائية المرقسية بكلوت بك، فسلمه الآتي: تكملة لحن Ajioc الفرايحي ولحن |iten ni`precbi`a الكبير ولحن Ebol \iten Maria الكبير وصارت صداقة بينهما.
إعتـذاره عـن الرهبنـة
كان المعلم توفيق يعرف قدراته ولم يكن يتاجر إلاَّ بوزناته فقط، ولهذا عندما عرض عليه القمص قزمان بشاي رئيس الدير المحرق الرهبنة اعتذر قائلاً: أنا كثير السفر ورسالتي الأولى تسليم الألحان، ولكنه قَبِلَ أن يكون شماساً، فتمت سيامته بيد الأنبا أغاثون مطران الإسماعيلية وناظر وقف الدير المحرق دياكون عام (1975م) ثم أرشيدياكون (1980م).
الشغف بالقراءة
قرأ المعلم توفيق كثيراً في الكتاب المقدّس وحفظ أجزاء كاملة منه، كما قرأ في الكتب الكنسية وكتب الأدب.. وروى عن نفسه قائلاً: في شبابي لم أُعانِ من نقص وأشعر أنني مثل المبصرين فكنت عندما أسير أعرف مكاني ومن سلم عليَّ.. وعندما تعرفت على القمص تاوضروس المحرقي، قرأ لي كتباً لجبران خليل: المجنون، رمل وزَبَدْ، العواصف، الأجنحة المتكسّرة، الأرواح المتمرّدة، دمعة وابتسامة، يسوع ابن الإنسان، النبي..
وفي الأدب لميخائيل نعيمة: زاد الميعاد، المراحل..
وللمنفلوطي: بور وفرجيني، مجدولين، النظرات والعبرات..
وفي كتب العقيدة واللاهوت والطقس: عِلم اللاهوت ثلاثة أجزاء للقمص ميخائيل مينا، تنوير المبتدئين في تعليم الدين للقمص فيلوثاؤس عوض، اللآليء النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة للقمص يوحنا سلامة المحرقي، منارة الأقداس للقمص منقريوس عوض الله، أسرار الكنيسة السبعة وعزاء المؤمنين وسر التقوى لحبيب جرجس..
وفي تاريخ الكنيسة: الخريدة النفيسة للعلامة إيسيذوروس، تاريخ الكنيسة للقمص منسى يوحنا، مختصر تاريخ البطاركة إصدار أسقفية المنوفية، قصة الكنيسة القبطية لإيريس حبيب.
أقوى حنجرة قبطية
تلقى المعلم توفيق دعوة أثناء تحضير الباحثة نبيلة عريان لرسالة الدكتوراه عن الموسيقى المصرية الكنسية التي لم تتأثر بالنغمات الغربية والعربية، فذهب إلى جامعة عين شمس فطلبوا أن يستمعوا منه إلى الألحان الآتية: Pek`qronoc، :]ourh الحزاينيKeuperto  ، Ajioc الحزايني، Omonogenhc، وذلك لعمل قياس شدة الصوت، فأكد التقرير أنّه صاحب أقوى صوت موجود في الموسيقى الكنسية، فقوة صوته (5.43db)، وكان التالي من المرتلين الذين قاسوا صوتهم (5.26db).
مواقف في حياة المعلم توفيق
في إحدى حصصه لطلبة الإكليريكية، حضر طالب مريض فلما عَلِمَ طلب منه أن يذهب إلى حجرته ليستريح، وأبدى استعداده أن يذهب إليه في حجرته ليقوم بتحفيظه.
وكل من اقترب من المعلم يعرف أنّه لم يتقاضَ أجراً مقابل تسليمه الألحان! وكان منظماً ودقيقاً في مواعيده، وقضى معظم حياته في حجرة بسيطة بالدير!
هذا وقد وهب الله المعلم توفيق ذكاء حاداً، حتى إنّه كان يعرف الشخص إذا سلم عليه مرة واحدة، وكان يحفظ أكبر المدائح بمجرد قراءتها له مرتين!
نياحــته
بدأت الأيام تتقدم بالمعلم توفيق، لكنه لم يتوقف عن التسليم وصوتــه لـم يضعف، وأخيراً أُصيب بجلطـة في الشـريان التاجي في (20/1/ 2005م)، فتم نقله إلى مستشفى سانت ماريا بأسيوط فمكث بها خمسة أيام، ونظراً لخطورة حالته تم نقله إلى القاهرة في سيارة إسعاف مجهزة، فقضى خمسة أيام في مستشفى عين شمس التخصصي لتركيب جهاز منظم لضربات القلب، وبعد العملية أُصيب بجلطة في الشريان التاجي فتنيح  على أثرها يوم الأحد (30/1/ 2005م) بعد رحلة عطاء طويلة استمرت لأكثر من سبعين عامـاً.
هذا وقد تمت صلاة الجِنَّاز يوم الاثنين (31/1/2005م)، بحضور خمسة أساقفة: الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادي، الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي، الأنبا بيمن أسقف نقادة وقوص، الأنبا إسطفانوس أسقف ببا والفشن، الأنبا تيموثاوس أسقف الزقازيق ومنيا القمح، ومجمع رهبان الدير وطلبة الكلية  الإكليريكية ومعهد ديديموس، وكهنة ومرتلين كثيرين تتلمذوا علي يديه، وكهنة وشمامسة وأهل بلدته برزقة الدير المحرق..
وبعد الصلاة دُفن الجسد في طافوس الرهبان بالدير بعد أن عاصر ستة من الاباء البطاركة: البابا كيرلس الخامس، البابا يوأنس التاسع عشر، البابا مقاريوس الثالث، البابا يوساب، البابا كيرلس السادس، البابا شنودة الثالث، وعاصر أيضاً عشرة من رؤساء الدير المحرق: الأنبا باخوميوس الأول، القمص سيداروس سعد، القمص تادرس أسعد، القمص دانيال داود، الأنبا أغابيوس مطران ديروط وصنبو وقسقام، القمص أثناسيوس عوض، الأنبا باخوميوس الثاني، القمص قزمان بشاي، القمص برسوم إبراهيم المحرقي، والأنبا ساويرس.


ليست هناك تعليقات: