كان
قوي الشخصية ولا يرهب إنساناً، أحب ديره وأخلص له وعمل من أجله، وعندما صار وكيلاً
للدير كان يخرج ليلاً ليراقب الخفر حتى لا يناموا أثناء حراستهم! وحتى الآن لازلنا
نتعزى بصوته الجميل وأدائه المميز في القدّاس، فقد جمع بين العمل الإداري الناجح
والحياة الروحية النقية.. إنّه الأنبا إسطفانوس مطران أمدرمان وربيب الدير
المحرق وأحد رهبانه الأقوياء.
الميـــلاد
فى يوم (22/2/1925م)
وُلِدَ بخيت بمدينة جهينة بمحافظة سوهاج، ورغم غنى والده فاكيوس إلاَّ أنّه أدرك منذ طفولته أنّ مملكة المسيح ليست من هذا
العالم، ولذلك عاش في الكنيسة ينهل من تعاليمها، مداوماً على صلواتها، وشغوفاً
بألحانها وطقوسها، فقام الأنبا مرقس
مطران أبوتيج بسيامته شماساً في سن الخامسة عشرة لينمو أكثر في النعمة والمعرفة،
ولكم أن تتخيلوا طفلاً بريئاً يترك عمله بالزراعة، ويعمل في النسيج حتى يجد الوقت
الكافي للصلاة وللذهاب إلى الكنيسة!
الهروب
إلى الدير المحرق
سنوات
تمر.. بين العمل والصلاة وحفظ الألحان، وعندما وصل بخيت إلى سن الثامنة عشرة،
أراد أن يغرد في سماء الرهبنة، وهو الذي وهبه الله صوتاً ملائكياً وموهبة فريدة في
حفظ الألحان، فرفض أب اعترافه القمص جرجس سعيد وانتهره بشدة، فلم يستجب لمشورته وهرب
إلى الدير المحرق عام (1943م)، فذهب إليه القمص جرجس وأعاده إلى البيت! وبعد
عام تكرر الهروب فذهب أب اعترافه مع والده إلى الدير فعاد معهما.
وفي
المرة الثالثة (1945م) هرب إلى أخميم مع زميله جميل للتمويه، على أن يقضيا
أسبوعاً ثم يذهبا بعده إلى الدير المحرق، فسبقه أخوه الأكبر عزيز إلى الدير وتقابل
مع وكيل الدير وطلب منه عدم السماح للشابين أن يمكثا في الدير إلاَّ بموافقة
والديهما، وعندما وصل بخيت فوجيء برفض رئيس الدير قبولهما.
الدعوة إلى الرهبنة
ظل
بخيت عامين يقاوم أسرته، مرة يتمرد على العمل وأخرى يعتزلهم ويجلس في العراء، ولكن
دون جدوى، فقد نسي أنّ " لِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ " (جا1:3) ولذلك عندما أراد الله أن
يذهب إلى الدير، حلم أخوه الأكبر عزيز بأنّ بخيت بصحبة مجموعة من رجال الشرطة
بزيهم المعروف ورتبهم وسلاحهم، وكان فرحاً فى وسطهم، فحاول أن يأخذه من بينهم فلم
يستطع، وحاول مرة تلو الأخرى ففشل من شدة دفاع رجال الشرطة عنه وحمايتهم له، وفي
الصباح روى عزيز للقمص جرجس ما حدث، فأعلمه أنّ هذه دعوة رهبانية، فعارضت الأسرة فتضايق
منهم، فمرض أخوه عزيز وتقيأ دماً من جوفه، ففزعوا من هول المنظر، وعندما طلب أخوه
الأصغر سعيد أن يتركوه ليذهب إلى الدير لطمه أخوه لبيب على وجهه، فتقيأ دماً!
فتركوه يذهب للدير فخرج ولم ينتظر رجوع والده من الحقل!
الرهبنــة
انطلق طالب الرهبنة بخيت في الدير، مصغياً لتعاليم الآباء
الشـيوخ ومنصتـاً لخبرتهم، متأملاً فـي الكتـاب المقـدّس، مواظبـاً عـلى حضور
الكنيسة، مصلياً في القلاية، فرشحوه للرهبنة فسيم بيد القمص أثناسيوس عوض رئيس الدير
المحرق (1946 -1947م) في (23/2/1947م) باسم: الراهب أغابيوس المحرقي،
وهو اسم يوناني يُكتب في اللغة القبطية (Agabioc)
ومعناه: حبيب.
وبعد
الرهبنة بمدة قصيره نال نعمة الكهنوت، ثم القمصية، فأدرك أنّ الألحان ليست كافية
للراهب، فهناك علوم كنسية أخرى لابد أن يكون ملمّاً بها، والدراسة المنظمة أكثر
فائدة للراهب فدرس بمدرسة الرهبان بالدير المحرق، ثم ذهب للدراسة بمدرسة الرهبان
اللاهوتية بحلوان عام (1951م)، وتخرّج في (1956م)، وأثناء الدراسة خدم في عدة
كنائس بالقاهرة والإسكندرية..
الألحان
في حياة القمص أغابيوس
كان القمص أغابيوس قد أحب الحياة الكنسية قبل الرهبنة،
واهتم بالألحان اهتماماً خاصاً، وعندما دخل الدير المحرق كان ينهل من هذا النبع
العذب دون شبع، خاصة أنّ الدير المحرق كان رائداً في الطقوس والألحان الكنسية،
نظراً لوجود مدرسة لتعليم الرهبان، ومرتلين كثيرين يقيمون بالدير يصلون ويسلّمون
الألحان للرهبان وطلبة الرهبنة.
وعندما دخلت الدير وسمعت لأول مرة، صلاة الصلح الكيرلسي
بصوت الأنبا إسطفانوس عندما زار الدير وصلى قداساً مع خورس الكلية الإكليريكية يوم
(26/10/1984م) بكنيسة مارجرجس، تعزيت بها وتسلمتها من أحد الآباء.
علاقته
بالبابا كيرلس السادس
بعد
البابا يوساب رُشّحَ ثلاثة قمامصة للكرسي البابوي: دميان المحرقي، أنجيلوس
المحرقي، ومينا البرموسي، وساند القمص أغابيوس القمص دميان لروحانيته
وحكمته وعِلمه وهيبته.. وحصل القمص دميان على أعلى الأصوات إلاَّ أنّ القرعة
اختارت القمص مينا ليكون بطريركاً، لكنه لم يتخذ موقفاً عدائياً من القمص أغابيوس،
بل بروحانية القدّيسين طلب منه أن يتولى الخدمة فى كنيسة مارمينا بمصر
القديمة خلفاً له، فبدأ خدمته وتوطدت العلاقة بينه وبين البابا كيرلس أكثر، فعينه وكيلاً
للدير المحرق عام (1962م)، لكي يعمل مع القمص قزمان رئيس الدير.
الأسقفية
كان الأنبا باخوميوس مطران أمدرمان قد تنيح،
فعرض البابا كيرلس على القمص أغابيوس سيامته على كرسي أمدرمان، لكنّه بكل حب اعتذر
وطلب من قداسته أن يقوم بسيامة صديقه القمص دميان، فوافق البابا وأسماه: الأنبا
توماس، الذي يعني التوأم إعلاناً على عمق العلاقة والمحبة التى ربطت القمص أغابيوس
والقمص دميان، وعندما حاول الأنبا توماس أن يأخذ معه القمص أغابيوس ليساعده في
الخدمة، رفض وبقى كما هو في خدمة كنيسة مارمينا.
أربع
سنوات
مضت على سيامة الأنبا توماس، على كرسي النوبة وعطبرة وأمدرمان وشمال السودان تنيح
بعدها، فلم يجد البابا كيرلس أفضل من القمص أغابيوس لكي يخلف توأمه الروحي فتمت
السيامة في (29/9/1963م) باسم: الأنبا إسطفانوس (Ectevanoc) وهو اسم يوناني
معناه: تاج، ورقي مطراناً في (26/9/1966م).
خدمات
كثيرة
اتسم
الأنبا إسطفانوس بالحزم الأبوي والبساطة والحكمة والإدارة.. وقام بانجازات كثيرة،
فبنى كنيسة لشفيعه مارمينا، وأقام القدّاسات اليومية حتى ولو كان بمفرده، دون وجود
كاهن يشترك معه، إيماناً منه بأنّ الصلاة هي مفتاح السماء لاستمطار مراحم الرب على
شعبه، وأجهد نفسه فى الافتقاد والخدمة والوعظ والتعليم...
وأنشأ
فصولاً لتحفيظ الألحان والتسبحة وتعليم اللغة القبطية.. كما اهتم باحتياجات الشعب
الاجتماعية والثقافية والصحية.. فأسس خدمة للفقراء، ومدارس من الحضانة حتى المرحلة
الثانوية، ودار مارمرقص للأيتام، وأندية بأمدرمان وعطبرة وبورسودان، وقد أصدر مجلة
الينبوع الحي أشرف على تحريرها، واشترى مطبعة بنفس الاسم، لتخدم احتياجات الكنائس
بالسودان من الكتب الطقسية كالخولاجي والأجبية والترانيم.. وبنى مستشفيات بأمدرمان
وعطبرة للعناية باحتياجات شعبه الصحية، وأنشأ مركزاً لتدريب الشباب على الآلة
الكاتبة والكمبيوتر، ومشغلاً لتعليم الخياطة والتطريز.
وبنى
مبنى خاصاً للمكرسات ملحقاً بالمطرانية، واعتنى بإنشاء أوقاف لكل كنيسة من الأراضي
والعقارات.. حتى يكون للكنائس مصدر دخل للخدمات والعاملين بها ولا يعتمدون على
التبرعات، وهي فكرة تشهد لعمق حكمته واهتمامه بالخدمة والمخدومين فى كل الإيبارشية،
وقد قام ببناء كنيسة على اسم مارمينا شفيعه، وهكذا قدم نفسه مثلاً لشعبه فى كل شيء
مردداً مع بولس الرسول: " لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَراً لِلْعَالَمِ لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ"
(1كو4 :9).
نياحـته
استمرت
معاناة الأنبا إسطفانوس المرض.. وعندما
قال: هسافر أول الصوم .. لن أصوم معكم هذه السنة.. تألم الشعب وقد كان! ففي عيد
شفيعه مارمينا يوم (24/11/1992م) فاضت روحه الطاهرة لتحملها الملائكة إلى الفردوس،
وقد كان موكب نيافته مهيباً، حضره جمع غفير من الناس بكافة طوائفهم، ووفد من قِبل
البابا شنودة الثالث للصلاة على الجسد، وفى الساعة الثامنة وأربعون دقيقة توقفت
الساعة الموضوعة على حائط الهيكل، بمجرد وضع الصندوق فى مدفنه، لتعلن عن نهاية
رحلة الغربة فى هذا العالم الفاني، لتبدأ قصة جديدة لشفيع في السماء.
معجزات
للأنبا إسطفانوس بعد نياحته
+
روت السيّدة فادية قيصر متى المقيمة بوَدْ مَدَنِي بالسودان قائلة: كان
كيرلس ابني يعاني من ألم شديد في عينيه يزداد أثناء الدراسة، فذهبنا به إلى اثنين
من كِبار الأطباء ولكن دون جدوى، فعرضناه في الخرطوم على طبيبين ولكن ظل الحال كما
هو، فصلّينا لرب المجد يسوع طالبين شفاعة القدّيسة مريم والأنبا إسطفانوس الذي كنت
أقرأ معجزاته، وأتشفع به أن يشفي ابني، وفي يوم أخذت منديلاً وذهبت للمزار ووضعته
على جسد القدّيس وطلبت شفاعته، ثم مسحت عيني كيرلس بالمنديل، وفي لمح البصر
زال الألم من عينيه وشُفي وصار يقرأ بلا ألم! ففرحنا ومجدنا الرب.
+
كانت فتاة يتسلط عليها روح نجس، ذهبت إلى أبينا أنطونيوس فاكيوس شقيق
الأنبا إسطفانوس، فطلب منها أن تمكث بالمزار، فباتت الأم والابنه المعذبة، وعند
الساعة الثالثة صباحاً استيقظت الفتاة والأم نائمة، وفجأة ترأى لها الأنبا
إسطفانوس كأنّه خارج من الصورة الموجودة بالمزار، وتقدم نحو الفتاة وهو يطرق بعصا
الرعايه على الأرض، وعندما وقف أمامها قال بصوت جهوري: اُخرج منها بقوة المسيح،
فبدأت تصرخ، فكرر القول فخرج منها الشيطان على شكل ثعبان واتجه إلى خارج المزار!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق