هو
الذي قام بتعميد الأم إيرينى وتنبأ بقداستها، ورأى الأنبا شنودة رئيس
المتوحدين أثناء خروجها من جرن المعمودية! ووقف بقوة ضد جبابرة أخميم مدافعاً عن
مدافن المسيحيين، فأجبر الجميع على احترامه، حتى إنّ النحاس باشا رئيس الوزراء
نعاه يوم وفاته، لكنه لم يأخذ حقه من الإكرام إلاَّ بعدما اكتشفوا أنّ جسده لم
يتحلل، إنّه الأنبا بطرس ربيب الدير المحرق، وأحد رهبانه الأقوياء.
الميــلاد
فى منتصف عام (1886م) وُلِدَ حكيم في طهطا من أبوين تقيين وكان والده إبراهيم عبيد
ميسور الحال، وزوجته ورثية زايد سيّدة تقية، وقد أنجبا ستة أولاد كان حكيم
الثاني بينهم: شنودة، حكيم، جرجس، حليم، إسحق، عبيد.
وينمو حكيم طفلاً جريئاً ولكنه ذاق مرارة الحرمان العاطفي، فقد
تربى يتيماً ولم ينعم بحنان أمه كثيراً، لأنّها ماتت وهي تلد مولودها السابع! فربتهم
عمتهم فردوس فى
خوف الله، ومن هذه العائلة خرج القمص عبد النور
المحرقي، الذي أصبح مطراناً باسم: الأنبا أغابيوس
مطران كرسي صنبو وديروط وقسقام (1929- 1964م).
وتمر السنون.. ويكبر حكيم ويلتحق بالمدرسة، ويحصل على الشهادة
الإبتدائية عام (1900م)، والإعدادية عام (1903م)، وقد كان يجيد اللغتين: الإنجليزية
والفرنسية.
الرهبنة
في الدير المحرق
لم تكن الحياة في عيني حكيم ذات
قيمة، فهناك حياة أخرى تطلع إليها، إنّها الرهبنة التي تمنى أن يتبارك بزيّها،
ويقضي حياته بين أسوارها، وقد
كان! فذهب إلى الدير المحرق، وسيم راهباً عام (1905م)، بيد الأنبا باخوميوس الأول
رئيس الدير، الذي أحبه وأعطاه اسمه قبل سيامته أسقفاً، فدعي الراهب بطرس المحرقي
ومعناه في اللغة اليونانية: صخرة، وقد كان بحق صخرة في إيمانه، وشخصيته
قوية، وصوته في الصلاة كان جهورياً يعلن عن قوته.
عام مضى على سيامته راهباً، صلى فيه وعمل بأمانة ونشاط، بعده سيم
قساً عام (1906م)، وقد درس بمدرسة الرهبان، وتخرج فيها وأصبح متعمقاً في الكتاب المقدّس
وعلوم الكنيسة اللاهوتية وطقوسها، وأيضاً ألحانها التى برع فيها وساعده على ذلك
صوته الجميل، وفي عام (1920م) تمت ترقيته قمصاً وكان عمره (34) سنة، فبدأ صيته ينتشر،
واسمه يتردد على مسامع البابا كيرلس الخامس
لقوة شخصيته، فاستدعاه ليكون سكرتيراً خاصاً لقداسته، وأصبحت سيامته أسقفاً شبه
مؤكدة.
الأسقفية
عندما خلا كرسي أخميم وسوهاج، استقر رأي البابا كيرلس الخامس
على سيامة القمص بطرس المحرقي، مطراناً فى ديسمبر عام (1920م) بنفس الاسم: بطرس (Petroc)،
ليرعى شعب أخميم وسوهاج، وهو أول من أدخل الكهرباء
إلى أخميم، فعندما كان يذهب إلى القاهرة لمقابلة
البابا كيرلس، كان يُعجب بشوارع القاهرة المضيئة، فأراد أن تكون أخميم مثلها فعمل
اتصالات وأحضر كابلات من البداري بأسيوط حتى أخميم وأنار المطرانية، وبعدها بدأ
الناس والحكومة وأصحاب المحلات يقلدونه، حتى أضاءت البلد بأكملها!
قوة شخصيته
كان نيافته قوي الشخصية وحكيماً، فعندما أراد غير المسيحيين
الاستيلاء على مدافن الاقباط بأخميم، ذهب إلى رئيس الوزراء النحاس باشا الذي كان
يعرفه جيداً، وأحضر منشوراً يُثبت أحقية الأقباط للمدافن، وعندما عاد إلى سوهاج
وضع المنشور على باب المطرانية، وطلب من الحكمدار أن يأتي بنفسه ويقرأ المنشور،
ومن وقتها لم يعتدِ أحد على المدافن.
كلف الأنبا بطرس مهندساً برسم المطرانية الجديدة وكنيسة
مارجرجس بسوهاج، وعندما بدأوا حفر الأساسات ذهب نيافته إلى موقع العمل وجلس يتابع،
فاتصل به حكمدار سوهاج تليفونياً وطلب منه وقف العمل، إلى أن يذهب إلى القاهـرة
ويأتي بتصريح البناء، فأصر الأنبا بطرس على إتمامه قائلاً: إنّه يبني كنيسة!
وعندما بنى كنيسة البطرسية (المطرانية) بنى فوقها كنيسة
المعلقة، وكان رئيس الاتحاد الاشتراكي في ذلك الوقت يكرهه جداً، فغضب منه وثار
عليه قائلاً: أنا قادم إليك ومعي الحديد لأقبض عليك وأقيدك بالكلبشات! فرد عليه
الأنبا بطرس ساخراً: كلبشاتك هعملها غوايش!
وعندما ذهب الملك فاروق لزيارة
محافظة سوهاج، وكان ضمن برنامجه زيارة دير الأنبا شنودة، ذهب الأنبا بطرس ليستقبل
الملك، وبكل جرأة قال له: أنا رجل كبير ورجلي تؤلمني، تفضّل معاليك تجوّل براحتك
في الدير وأنا أنتظرك، وجلس على كرسي أمام الباب حتى أنهى الملك زيارته وخرج!
تجربة
قاسية
انتقلت أسرة من القاهرة إلى سوهاج، بعد ترقية عائل الأسرة الذي
كان يعمل مدرساً في الثانوية العسكرية، لكنه عاد إلى القاهرة لأسباب لا نعلمها
تاركاً أسرته تعاني وحدها، فلم تحتمل الزوجة هذه المسئولية الجسيمة وقررت ترك
المسيحية! فلمّا سمع الأنبا بطرس زارها عدة مرات، فثار
الشعب عليه واتهموه
بالزنا! واشتكوه للحكمدار، وطالبوا بعزله في
الجرائد، فغضب الأنبا بطرس من شعبه وظل يصلي وحده لمدة عامين.
وفي يوم ذهب الأنبا بطرس لمقابلة قداسة البابا كيرلس الخامس في
القاهرة، فاتصل المحرضون بالحكمدار وأعلموه أنّ الأنبا بطرس في منزل السيّدة،
وطالبوه أن يذهب بنفسه ليقبض عليه متلبساً! فاهتز الحكمدار من هول الكلام وتصرف
بحكمة، فاتصل بالبابا وأعلمه بما سمع، فأعطى التليفون للأنبا بطرس فكلمه، وظهرت الحقيقة،
وعاقب الله من اتهموه باطلاً!
معجزات
للأنبا بطرس
تمجد
الله على يد الأنبا بطرس، فصنع معجزات شفاء كثيرة، وأنجبت سيّدات ببركة صلواته
وهذه بعض معجزاته التي حدثت في حياته، فقد ذهبت إليه سيّدة تطلب صلاته، لأنّ ابنها
مريض بالناسور وستُجرى له جراحة، فصلى من أجله وقال لها: إن شاء الله يُشفى من غير
عملية وكان اليوم مساء الجمعة، وفي ظهر السبت ذهبت السيّدة إلى المطرانية فرحة،
فسألها الأنبا بطرس ليطمئن على ابنها فقالت: لقد ذهبت إلى الدكتور لإجراء العملية لابني
ففوجيء باختفاء الناسور! فصمت الأنبا بطرس قليلاً، وبصوت ملؤه الفرح قال: ربنا استجاب!
+ روى لي الأستاذ رأفت القمص يعقوب كشاهد عيان هذه المعجزة
قائلاً: كنت جالساً مع الأنبا بطرس فحضرت سيّدة مسلمة عندها نزيف ولا تنجب، وإذا
حملت سرعان ما تفقد الجنين، فاقترح عليها شخص مسلم أن تذهـب إلى كبير النصارى
وتطلب منه أن يعمل لها حجاباً فقال لها: نحن لا نعمل أحجبة ولكننا نصلي، فوضع
الصليب على رأسها وظل ربع ساعة يصلي لها، وبعد عام حضرت إلى المطرانية ومعها قفّة
كبيرة، فيها فريك وخمسون بيضة وزوج حمام، هدية منها للأنبا بطرس بعد أن أنجبت.
نياحـته
قبل نياحة الأنبا بطرس طلب من أحد المقاولين بناء مدفن له فى
كنيسة السيّدة العذراء مريم، فتباطأ المقاول فتأثر وعاتبه قائلاً: نهايتي قد اقتربت
وأريد أن أكون بجانب العذراء أسرع في البناء، أما المطرانية الجديدة بكنيسة
مارجرجس بسوهاج، فأكمل بناءها وكان يقول: سأكملها ولكن لن أسكن بها! وقد كان!
فأُصيب بذبحة صدرية وانطلقت روحه في صباح يوم (21/12/ 1951م)، فنعاه رئيس الوزراء النحاس باشا ووزير الداخلية في الإذاعة! وحضر جنازته ما يزيد عن خمسين ألفاً من
المشيعين.
بعض
أقوال الأنبا بطرس
+ نحن رهبان
عاندنا مع أنفسنا ومع طبيعة جسدنا.
+ ينبغي أن يكون
بيت الكاهن أعظم بيت في القرية أو المدينة.
+ آخر شيء أُفكّر فيه هو إيقاف كاهن أو شماس.
جسده
لم يتحلل !
ﻓﻲ ﻋﺎﻡ (1987م) نشب حريق في جامع القطب، الملاصق لكنيسة السيّدة
العذراء بسوهاج، فهاج المتعصبون وادّعوا أنّ المسيحيين هم الذين قاموا بحرق الجامع!
فحرقوا الكنيسة كنوع من الانتقام وأخذ الثأر، وبدأت أعمال الترميم والتجديد لإزالة
آثار الحريق، وعندما وصلت الترميمات إلى قبر الأنبا بطرس، حاولوا إخراج ﺍﻟﺼندوق من
المقبرة فوجدوه ثقيلاً ﻣما ﺃﺛﺎﺭ ﺩﻫﺸﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ! وعندما أرادوا فتحه رفض نيافة الأنبا
ﺑﺎخوم أسقف سوهاج قائلاً: أنا ﺃﺳﻘﻒ وهو مطران، فإن أردتم فتح الصندوق فلنستدع الأنبا
مينا مطران جرجا، فحضر وقبل أن يفتح الصندوق ﻗﺎل: ﺣﺎﻟﻠﻨﺎ ﻳﺎ سيّدنا لنأخذ منك بركة
ﻭﻧﻘﻔﻞ الصندوق، وعندما فتحوا الصندوق وجدوا جسد الأنبا
بطرس كما هو بدون فساد، مغمض العينين وملابسه الكهنوتية كما هي! فهتف الأنبا مينا
قائلاً: عظيم هو الله في قدّيسيه، يحفظ أجساد مختاريه بدون فساد، استرح يا أنبا
بطرس وكل الذين ظلموك واتهموك، كل واحد منهم أخذ جزاءه ولك إكليل البر.. ﻭبعد أن
أنهى كلامه، قام الحاضرون بعمل ميطانية لنيافة الأنبا بطرس وأغلقوا الصندوق..
واعتبر الشعب أنّ ما حدث هو إكرام للأنبا بطرس الذي تعرّض للتشهير في حياته!
شهادة عامل مسلم لظهورات الأنبا
بطرس
عندما نشب حريق في كنيسة السيّدة العذراء وبدأوا أعمال
الترميم، أحضروا عم حسن ليقوم بتركيب الرخام، وأعطوه حجرة خاصة به ليضع فيها
مستلزماته، وفي يوم طلب من أبينا تادرس ترك المكان، فتعجب من كلامه وسأله عن السبب
فقال: القسيس أبو عِمّه تخينه وماسك شومه سوده في إيده، بيطلع كل يوم الساعة
الثالثة فجراً ويلف في الكنيسة، ففهم أبونا معنى كلامه وحجز له في فندق، وعندما
علقوا صورة للأنبا بطرس في المزار، رآها عم حسن فصرخ قائلاً: هذا هو الرجل الذي
يلف في الكنيسة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق