مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

السبت، 8 ديسمبر 2018

قديسون عاشوا في الدير المحرق - الأنبا لوكاس العلامة مطران منفلوط



لا يزال اسمه يتردد بين العلماء والمرتلين، فهو غزير المعرفة، ويجيد عدة لغات، وواعظ وكاتب قدير.. هذا بالإضافة إلى موهبته في الألحان الكنسية، وحتى الآن لا يزال صوته الملائكى المميز في القدّاس سبب تعزية لمن يسمعه، إنّه العالم الجليل الأنبا لوكاس أسقف منفلوط، تلميذ القدّيس العظيم ميخائيل البحيري.
ميلاد كامل في حارة السقائين
مع شروق الشمس يُسرع السقا بقربته ليملأها من نهر النيل، ثم يضع فيها العطور، ويتجول فى الشوارع ليبيع الماء للناس، إنّه منظر مألوف لمن عاشوا في حارة السقائين بحي عابدين، المكان الشعبي الزاخر بالذكريات ورائحة التاريخ، والذي شهد ميلاد كامل واصف جرجس في يوم (11/6/ 1900م) ليسقي النفوس العطشى من ماء الحياة العذب ويرويهم من نبع المسيح.
أيام تمر.. والناس تهرول إلى الكنيسة للصلاة، وتقديم التهنئة للسيّد واصف بك جرجس، ناظر كنيسة رئيس الملائكة غبريال بحارة السقايين فقد فرح الجميع بعماد ابنه كامل، الذي عاش كاملاً في الفضيلة والمعرفة ومحبة الله.
طفولتـه
نشأ كامل في بيت يلتقي فيه الفقراء والمحتاجون، فوالده كان من كِبار موظفي حكومة السودان، وأرخن كبير عرف الطريق إلى الكنيسة، يخدم ويصلي ويقرأ ويصوم.. فنشأ ينهل من تعاليم الكتاب المقدّس ويقرأ سير القدّيسين، فليس أجمل من أن يسبح خيال طفل وهو يقرأ سيرة قدّيسة تهرب من الزواج لتسكن الجبال، وشهيد يقطعون رأسه من أجل إيمانه بالمسيح، إنّها قصص مثيرة تحفظ نقاء الأطفال، وهذا ما حدث مع كامل الذي كان يصلي بفرح، وفي الأصوام يأكل في الغروب وهو في سن العاشرة، وأحب الوحدة متجنباً الخطاة فاستحق التطويب: " طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ.. لَكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ.. " (مز1: 2،1).
تجربة قاسية
وينمو كامل فصار مُبهجاً لكل من يراه، وعندما التحق بمدرسة الأقباط بحارة السقايين، لم تأخذه الدراسة بعيداً عن الكنيسة التي أحبها، وظهر نبوغه في حفظ الألحان ومع صوته الروحاني الذي يضاهي نغم الناي في رقته، أصبح كل من يسمعه يعترف بنبوغه، وأدرك والده هذه الموهبة، فسعى إلى أن ينميها فأحضر له المعلم فرج مرتل كنيسة الملاك غبريال في المنزل ليقوم بتسليمه الألحان والتسبحة ومردات القدّاس.
ست سنوات تمر على كامل في المرحلة الإبتدائية، ويأتي أول أيام امتحانات الشهادة الإبتدائية كخريف غاضب فقد ماتت الأم البارة، لقد كانت لحظات قاسية ولكنّه شعر كأنَّ أجنحة سماوية ترفرف حوله، فهدأ جسده وسكنت روحه، فأدرك أنّ الله يتلامس معه ولن يتركه حائـراً، فذهب إلى الإمتحـان طاعة لرغبة والده، فكان يُجـيب عـلى الأســـئلة وأُذناه ممتلئتان من صوت الأجراس الحزينة وعويل السيّدات ودموع الرجال! فصار اسم كامل يتردد على ألسنة الناس في الجلسات، وكلل الله تعبه فنجح بتفوق في الشهادة الإبتدائية.
سيامته شماساً
أربعة عشر عاماً تمر.. والألحان تنساب من فم كامل كسيمفونية رائعة خلت نغماتها من النشاز، كل من يسمعها ترتخي أوتار قلبه المشدود بهموم الحياة، وتمتليء عيناه بالرجاء، ويشعر بأنّ هذا الطفل الذي بينهم سيكون له شأن عظيم، وعمَّا قريب سيفوح بَخور فضائله بين الناس، وينتشر اسمه في كل مكان، لقد كان نبوغ كامل في الألحان وارتباطه بالكنيسة وممارسة أسرارها وطقوسها ظاهرة واضحة في حياته، فتمت سيامته إبصالتس Psaltos بيد الأنبا يوأنس مطران البحيرة، تُرى كم كان منظره جميلاً وهو يرتدي تونية بيضاء ويرتل بصوته الملائكي! لقد شعر كل من رآه أنّ من عينيه الطاهرتين يشعُّ بريق أمل عجيب!
فكر الرهبنة
لقد أصبح واضحاً أنّ الفضيلة تربّعت على عرش قلب كامل، وضاق العالم أمام طموحاته الروحية، ولم تعد الحياة تشغله، حقاً إنّه عاش في بيت قدسه الحب، ولكن ماذا ينتفع العصفور لو عاش في قفص قضبانه من ذهب؟! لقد تمنى كامل أن يتحرر من قيود العالم، ويطير ويرنم في سماء الروح، فقرر أن يترك العالم لأنّ روحه تريد أن تستقر في الدير، ولماذا يتردد وهو الذي في فجر حياته، رأي في رؤيا حمامة تهبط عليه فوق سريره، تخبره بأنّه سيرحل في يومٍ ما إلي برية قسقام! وظلت هذه الرؤيا ماثلة أمامه، وبمرور الوقت تزداد إشتياقات قلبه للرهبنة، فتأكد أنّ ما رأه حقيقة فقرر أن يتّخذ أصعب قرار وهو لا يزال فتى صغير!
الذهاب إلى الدير المحرق
" كَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحاً "ِ (تك2:39) وقد تم القول ونجح كامل بتفوق في دراسته الثانوية، وقد أتت الساعة لينطلق إلى عالم النور والحرية، فرفض أن يُكمل دراسته الجامعية، فهل يترك الأب ابنه يسير على طرق الحياة الوعرة؟! كيف يستطيع أن يُعانق النُعاس وابنه يريد أن ينفصل عنه؟ أسئلة كثيرة تزاحمت في ذهن واصف جرجس، لكنها لم تدُم طويلاً فقد وافق وشجعه، ولم يسكب قطرة من مرارة الحزن، واستحضر له خطاب تزكية من البابا كيرلس الخامس ليذهب كامل إلى الدير، وهو يعلم أنّ الشياطين ستتربص به تريد أن تخطفه، فهم أعداء الرهبان والكارهون للبتولية، والمعاندون لأصحاب المواهب.
وفي عام (1916م) بسط كامل جناحيه كملاك فوق الأمواج المزبدة بالخوف، وذهب الفتى إلى الدير المحرق، وعمره ستة عشر عاماً! لتبقى غرفته خالية إلاَّ من برد الهجر القاسي وسكنت الحركة في كل زوايا البيت، فهل يقدر على حياة الرهبنة؟ هل سينسجم مع الرهبان وهو صغير السن؟ أسئلة كثيرة تزاحمت في ذهن والده، لم يجد لها إجابات حاسمة فتركها إلى أن تُكشف له بمرور الأيام. 
دخل كامل الدير المحرق أثناء رئاسة الأنبا باخوميوس الأول، فعاش حياة الفضيلة وصار قدوة حسنة، ففرح به الرهبان ورشحوه لدى الأب الأسقف، فألبسه الزي الرهباني في عيد القيامة المجيد عام (1917م) باسم: الراهب عبد المسيح واصف المحرقي، لتنشد البلابل لحن الفرح، فقد انضم إلى سرب الأبرار قدّيس وعالم جليل، سيكون له اسم عظيم في كل مكان.
تلمذته للقدّيس ميخائيل البحيري
انطلق الراهب المبتديء ينهل من المعرفة، فالمخطوطات القديمة موجودة، وعلماء الدير وأساتذة الألحان الكنسية الكثيرون يساندونه، فتدرج في الفضيلة والمعرفة، وأصبح نبوغ الراهب عبد المسيح واضحاً للرهبان فأحبوه وزكوه للكهنوت، فازداد اتضاعاً وحكمة، ونما روحياً بفضل تلمذته للقمص ميخائيل البحيري.
الأسقفية
سنوات تمر.. ويصل القس عبد المسيح واصف إلى سن الثلاثين، والناس تشعر بالمجاعة الروحية في منفلوط، فالوعظ  والتعليم شحيح في أماكن كثيرة، إلى أن جاء الأنبا لوكاس ليغيّر معالم الخريطة الروحية فيها، فقد قام البابا يوأنس التاسع عشر (١٩٢٨-١٩٤٢م) بسيامته عام (1930م) مطراناً على أبنوب ومنفلوط باسم: الأنبا لوكاس (Loukac)، وهو النطق اليوناني للوقا ومعناه: منير، وقد كان الأنبا لوكاس شعلة منيرة في خدمته، وحكمته فاقت حكمة الشيوخ.
فضائله ومواهبه
تميز الأنبا لوكاس منذ صِغره بحبه للعفة، ليس عفة الجسد فقط بل واللسان أيضاً، فلم يعرف مجلسه استهزاء ولا سخرية ولا تهريجاً، وكانت ابتسامته رقيقة وضحكته وقورة، وكان كثير الصوم للغروب، ومحبّاً للصلاة، وفي القدّاس كان يصلي بنغم مميز ونبرة صوتية خاصة، وكثيراً ما كان يبكي بغزارة أثناء الصلاة.
وقد اهتم الأنبا لوكاس بالفقراء وأحبّهم، وهو الذي نشأ في بيت كان مسكناً للفقراء والمحتاجين، وقد عثروا في أوراقه الخاصة بعد انتقاله، على كشوف بأسماء كثيرة لأُناس بسطاء، كان يقدّم لهم المساعدات المادية.
وقد كان الأنبا لوكاس محبّاً للقراءة واشتهر بتعليمه الأرثوذكسي، وعظاته المؤثرة حتى أطلقوا عليه لقب: فارس المنبر، والعلامة، وأصدر موسوعة: التحفة اللوكاسية، شرح فيها الكثير من معاني الايمان وطقوس الكنيسة وكتاب: بلوغ المرام في حياة خليفة الأنبا أبرآم، عن سيرة أبيه الروحي القدّيس ميخائيل البحيري، وكان يجيد عدة لغات هي: القبطية، اليونانية، الأمهرية، الإنجليزية وبعض الفرنسية، أما المراكز التي شغلها فكثيرة.
موهبته في إخراج الشياطين
 كان شاب يسكنه روح شرير بالقرب من كنيسة أبي سيفين بمنفلوط وكان يقول عن نفسه: أنا ملك البحر! وكان الروح النجس يجعله ينزع كل ملابسه ويملأ طشتاً بالماء ويضعه فى مدخل البيت ويسبح كأنّه فى البحر، وكان هذا يسبب حرجاً وحزناً كبير لعائلته وأي شخص يأتي لزيارتهم، وفي يوم مرَّ الأنبا لوكاس من أمام منزلهم، فأخذ يصرخ بصوت عالٍ قائلاً: من الذي أتى بك إلى هنا يا لوكاس! وأخذ يرشه بالماء ويشتمه ويصرخ، والأنبا لوكاس لا يُبالي بألفاظه النابية بل استمر فى الصلاة، حتى خرج منه الروح الشرير وارتدى ملابسه، وصار إنساناً سوياً وتزوّج وأنجب!
نياحــته
وصل الأنبا لوكاس إلى سن الخامسة والستين، فبدأ الضعف يظهر عليه، وفي ليلة عيد الميلاد سنة (1965م) بدأ صلاة القدّاس وعند قوله: " نقرب لك قرابينك من الذي لك على كل حال ومن أجل كل حال "، ارتسمت علامات الموت على وجهه، واختنق صوته، لكنه أكمل التقديس ثم سقط علي أرض الهيكل مغشياً عليه وأكمل الكهنة القدّاس وانصرف الشعب وظل الأطباء يتابعون حالته.
وفي فجر الخميس (7 يناير1965م)، وبينما الشعب يحتفل بميلاد مخلص العالم، دقت الأجراس تعلن هذا النبأ الحزين، فكان انتقاله ميلاداً جديداً لروحه الطاهرة، وتمت صلاة الجِنَّاز يوم الجمعة (8/1/1965م)، بكنيسة السيّدة العذراء بمنفلوط بحضور سبعة أساقفة، ودُفن جسده في مقبرة الأساقفة بدار المطرانية، وتم نقله إلى دير الأمير تادرس الشطبي بمنفلوط وحتى الآن لم يرَ فساداً!
معجزات بعد النياحة
+ عانت سيّدة من سرطان في صدرها، فذهبت إلى دير الأمير تادرس الشطبي، ودخلت مزار الأنبا لوكاس، وصلت بحرارة تطلب شفاعته، فاستجاب لها الله بشفاعة قدّيسه العظيم، وشعرت المرأة أنّ دهوناً تذوب من على صدرها! ولم يعد للسرطان أثر!
+ أُصيبت سيّدة بنزيف حاد وقرر الأطباء استئصال الرحم، فذهبت لتنال بركة من جسد الأنبا لوكاس، إيماناً منها أنّ هذه البركة ستشفيها، فنزلت من البيت وهي في طريقها إلى المطرانية، تقابلت مع طبيبها فأعلمته أنّها ذاهبة لأخذ بركة من جسد الأنبا لوكاس قبل الدفن، فذهب معها، وقد كان! وشُفيت من النزيف في الحال، وحملت في نفس العام ووضعت مولوداً بتاريخ (3/10/ 1965م).
+ روى شخص قائلاً: مرض ابني الأمير فى سن الخامسة، فذهبت به إلى الطبيب، فأكد أنّه يُعاني من تضخم فى الكبد والطحال، فأخذته إلى دير الأمير تادرس الشطبي بمنفلوط، ودخلت المزار وطلبت من الرب أن يتحنن على الطفل بالشفاء طالباً شفاعة الأنبا لوكاس، وبعد الصلاة في المزار لمدة ثلاثة أيام حدث فى اليوم الأخير ليلاً، أن فاق ابني من النوم وهو يقول لى: أنا شفت أبونا إللي فى الدير (الأنبا لوكاس) ماسك صليب وضعه على بطني وقال لي أنت كويس! بعدها أخذته وذهبت لأعمل له أشعة، وتأكدت من خلالها أنّ الله عمل معجزة لابني بشفاعة الأنبا لوكاس.

ليست هناك تعليقات: