مرحباً بكم في مدونة الأب الراهب كاراس المحرقي وهى تحتوي علي كتبه وعظاته وقداسات وألحان وقصص بصوته وبوربوينت من أعماله وصور متحركة وفوتوشوب من تصميمه وكثير من الخدمات المسيحية وتأملات روحية
الأخبار

السبت، 8 ديسمبر 2018

قديسون عاشوا في الدير المحرق - القمص بولس المحرقي


عاصرته فرأيته شيخاً وقوراً، وعندما كان في لبنان أرسلت له في طلب بعض المراجع من جامعة الكسليك (الروح القُدس) عندما كنت أقوم بأبحاث عن الأعياد السيدية الكبرى وأصلها، فاتصل بي على تليفون الدير يؤكد لي أنّه مهتم بطلبي، وبالفعل أرسل لي ثلاثة كتب! إنّه القمص بولس المحرقي الذي خدم في لبنان فشرفنا وصار موضع ثقة البابا شنودة الثالث الذي عندما أصدر قراراً بعودة الرهبان إلى أديرتهم بعد سبع سنوات خدمة، أرسل له أبونا بولس ليعرف موقفه فكان جوابه: ما يريده أبونا بولس فليفعله!
النشـاة
وُلِدَ موريس يوم الجمعة (5/1/ 1933م)، وعاش في شارع إسكندر حنا بشبرا، الوالد طلبة ميخائيل والأم جميانة (دميانة) والإخوة: رؤوف، سميرة، موريس، فوزية، أنسي، وقد شهدت طفولته أنّ أسرته تقية، ولذلك نشأ مداوماً على حضور القدّاسات ومواظباً على دروس مدارس الأحد.
تدرج موريس في التعليم بمدارس جمعية الإيمان القبطية بشبرا، حتى حصل على الشهادة الثانوية في سن الثامنة عشرة، بعدها درس أربع سنوات بمعهد المعلمين الخاص بالزيتون- قسم اللغة الإنجليزية- قبل أن يتم إنشاء كلية التربية في ذلك الوقت، وبعد أن تخرّج من المعهد عمل بالتدريس لمدة أربع سنوات.
الخدمة والتكريس
أصبح موريس مشتعلاً بالروح، ولذلك خدم مبكراً في ثلاث كنائس باسم السيّدة العذراء: مسرة، عياد بك، الفجالة كما خدم بجمعية أبناء القدّيسين بشبرا، وهكذا كل من أحب الله يصير مثل نهـر يسير متدفقاً، حاملاً في أعماقه الحب، وفي يده العطاء، وفي تعاليمه نور الإيمان، لينير الطريق أمام الضعيف والمسكين!
وفي أبريل (1959م) عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره، بدأت لؤلؤة البتولية تشع في قلبه وتملأ حواسه، فترك العمل وذهب إلى بيت التكريس بحلوان وقضى عاماً متفرغاً للخدمة.
فكرة الرهبنة وعلاقته بالقمص مينا المتوحد
بدأت فكرة الرهبنة عند موريس عندما حكى مدرس الدين في المدرسة، قصة راهب ذهب إلى قرية ليبيع عمل يديه من القفف، فقابل رجلاً ابنته متسلط عليها روح نجس، فدعاه إلى بيته ليشتري منه عمل يديه، فذهب إليه الراهب حاملاً القفف وعندما طرق الباب فتحت الفتاة فارتعب الروح النجس فلطمته على وجهه، فحوّل لها الخد الآخر، فلم يحتمل الشيطان تواضعه فصرخ وخرج منها، فأشعلت هذه القصة الحماس في قلب موريس فأحب الرهبنة، وبدأ يقرأ عن الرهبان وهو في سن الخامسة عشرة.
وفي ذلك الوقت لمع نجم القمص مينا المتوحد في سماء الرهبنة، فبدأ الشبان والخدام يتوافدون على مكان إقامته بالطاحونة ومعهم موريس، فكان لهم مرشداً ومعلماً، فأحبوا الرهبنة، وقد ظل موريس سنوات منذ أن كان طالباً بالمرحلة الثانوية يتردد على الطاحونة، وكان القمص مينا يرويه بنصائحه، وفي يوم صارحه بميوله الرهبانية، فرفض وطلـــب منه أن ينهي دراســته أولاً، فأطاع.
لم تعد حياة موريس خفية على أسرته، فزهده في العالم، وزياراته المتكررة للقمص مينا، واستقالته من العمل، ورفضه للزواج.. عوامل أكدت للأسرة رغبة ابنهم أن يصير راهباً، لكنهم رفضوا بشدة، وسعى والده جاهداً أن يُثنيه عن تلك الحياة التي يعرف مخاطرها، وأصبحت الأسرة كلها تقاوم هذا القرار، أما هو فلم يتزعزع أبداً!
الذهاب إلى منطقة وادي الريان
عاش موريس عاماً في بيت التكريس بحلوان، ثم انتقل بعد ذلك  إلى منطقة وادي الريان، حيث كان الأب متى المسكين يقيم مع بعض الرهبان، فألبسه زي الرهبنة وأعطاه اسم نحميا المقاري فعاش ثلاث سنوات (1962-1960م) ثم ترك المكان لبعض الخلافات بين الرهبان والبابا كيرلس، فقضي ثلاثة أعوام بين دير السيّدة العذراء بياض ودير سدمنت، تحت رعاية الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف.
الرهبنة والكهنوت في الدير المحرق
لم تكن حياة الشاب الروحاني مستقرة في تلك الفترة، فذهب للقاء البابا كيرلس بالكاتدرائية المرقسية بكلوت بك، فأرسله في يوم (25/11/ 1966م) إلى دير مارمينا بمريوط، مع القس متياس السرياني (نيافة الأنبا رويس)، فعاش هناك عاماً كاملاً، بين الصلاة والعمل، وقد شهد له القمص رافائيل أفا مينا قائلاً: عاش بالبساطة والطهارة والكمال والمحبة والغربة والمسكنة، أحبه الله والناس، وهو أيضاً أحب الله والناس، ولذلك نشعر أنّ محبته هذه لن تنتهي بعد وصوله إلى السماء بل تزداد ويتشفع فينا وفيكم.
وفي عام (1967م) أرسله البابا كيرلس إلى الدير المحرق، ففرح به القمص قزمان بشاي المحرقي رئيس الدير، وأعطاه حجرة في قصر الرئاسة ورهبنه من جديد باسم: الراهب بولس (Pauloc) المحرقي ومعناه: الصغير وقد كان متضعاً ومحبوباً.. وهذه أسماء الرهبان الذين تمت سيامتهم: بطرس، بولس، ديديموس، باسيليوس، مينا.
وبعد الرهبنة كلفه القمص قزمان رئيس الدير بخدمة الزوار والأجانب، ليشرح لهم معالم وتاريخ الدير، والإشراف على احتفالات الدير، وفي السادس من شهر هاتور (17/11/ 1969م) تمت سيامته قساً، بيد الأنبا أغابيوس أسقف ديروط.
الخـدمة في لبنان
بعد تجليس البابا شنودة الثالث في (14/11/ 1971م)، انتدبه للخدمة في لبنان والأردن وسوريا ليكون أول كاهن بالكنيسة القبطية يخدم في الخارج في عهد قداسته، وفي لبنان بدأ الصلاة في مزار للروم الكاثوليك، ثم اشترى قطعة أرض في سن الفيل ببيروت وبنى عليها كنيسة، دشنها البابا شنودة وتم الاعتراف بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية من قِبل الدولة اللبنانية، وفي الأردن بنى كنيسة، وهناك تم ترقيته قمصاً عام (1976م) بيد نيافة الأنبا باسيليوس مطران الكرسي الأورشليمي، ومن الأردن عاد إلى مصر سنة (1981م)، عندما قامت الحرب الأهلية في لبنان (1975- 1990م).
تعمير دير مار مينا بإبيار
في يوم (11/11/ 1981م)، ذهب القمص بولس المحرقي إلى دير مارمينا بإبيار بطنطا، في عهد نيافة الأنبا يوأنس، وكان الدير شبه مهجور ومهمل، تملأه نباتات الحلفا والثعابين والدبابير وأكواماً من الطوب والتراب.. فكان يخرج من قلايته بعد صلاة باكر، ويقف أمام بيت الخلوة ووجهه نحو الكنيسة، ويتكلم مع مارمينا شفيع المكان، فأرسل له الرب خداماً من الشباب المباركين، فخدموا معه بأمانة، وتم تعمير الدير، وكان يقيم القدّاسات، ويعمل القربان، وينظف الكنيسة ويعطر المذبح بالأطياب قائلاً: إنّ المسيح سيأتي على هذا المذبح فلابد أن يكون نظيفاً ولائقاً لاستقباله، وقد شهد كثيرون أنهم رأوا حماماً أبيض نورانياً فوق قباب الكنيسة الأثرية، وسمعوا أصوات التسبحة والقدّاسات في أوقات غير الأوقات الرسمية للصلاة فتعجبوا! وكانوا يذكرون أنّ في هذا المكان تعمّد البابا كيرلس السادس وزاره القدّيس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم وصلى فيه.
ظل أبانا بولس يخدم في دير مارمينا بإبيار حتى عام (1992م)، وعندما استقرت الأوضاع في لبنان عاد إلى الخدمة في الفترة ما بين (1993- 1999م).
رؤية القدّيسين
قال لي أحد رهبان ديرنا العامر: إنّ أبانا بولس قد رأي السيّدة العذراء ومارمينا والأنبا أبرآم، وروى لي القمص قزمان المحرقي الذي خدمه هذه الرؤية قائلاً: فى يوم (3/9/1999م) استيقظ أبونا وجلس على كرسي، فرأى العذراء مريم بمنظرها الحزين تحمل طفلاً على يديها، فقام وأضاء شمعة وكان هذا الوقت هو نفس موعد نياحة الراهب أغناطيوس المحرقي برصاص الجناة في مزارع الدير.
وأثناء دورة عيد الصعود في ديار مارمينا بإبيار، طلب من أحد الشمامسة أن يحمل أيقونة العذراء مريم مع أيقونتي القيامة والصعود، وخلال الزفة نزل منها زيت، وأثناء تعميد طفل رأى صلباناً ملأت جرن المعمودية.
أقوال للقمص بولس المحرقي
+ أطع الكاهن لأنّه مسئول عنك أمام الله.
+ لا ترفض عصا التأديب لأنّها للمنفعة.
+ آدم وحواء كانا في الفردوس، ثم سقطا والله دبر الخلاص، ونحن لابد أن نسير في دائرة الخلاص لنعود إلى الفردوس.. فلابد أن يكون كلامنا وأعمالنا يخدم الرجوع إلى الفردوس.
+ الاختلاء للامتلاء، إن لم يكن يومياً فليكن أُسبوعياً.
نياحــته
كان الأنبا أبراهام مطران الكرسي الأورشليمي (1991- 2015م) قد قام بسيامة كاهنين للخدمة في لبنان فرأى القمص بولس أن يعود إلى ديره، وقد كان! فعاد في يناير (1999م)، فسادت فرحة عارمة بين الرهبان لعودته، وبدأوا يتوافدون على قلايته يستمتعون بأحاديثه ويسترشدون به، وفي الدير اشتد عليه المرض فقد كان يعاني من أمراض كثيرة أخطرها قصور بالشريان التاجي، وكان الدكتور مكرم فهمي الأستاذ بكلية طب طنطا يمزح معه قائلاً: أنت موسوعة طبية، لأنّ ملفه الطبي كان من أكبر ملفات المرضى في عيادته.
وعندما ذهب إلى مستشفى دار الفؤاد، قرر الطبيب إجراء جراحة قلب مفتوح، ففشلت، وتم استئصال جزءاً من الأمعاء ولكن دون جدوى، فمكث أياماً في العناية المركزة عدة أيام وسط محاولات الأطباء الفاشلة، إلى أن تنيح بسلام في (7/3/2001م).
وبعد نياحته قالوا وكتبوا عنه الكثير، فكتب المطران جورج صليبا مطران جبل لبنان أروع الكلمات قائلاً: التحق أبونا بولس بزمرة الرهبان والآباء القدّيسين والكهنة، الذين يلبسهم الرب مجداً في السماء، أبانا بولس! أنت الآن تنعم في السماء، نم قرير العين، مطمئن القلب، مرتاح الضمير، فإن أعمالك الصالحة تشهد لك في هذا العالم، وراعي الرعاة ربنا يسوع يكافئك في السماء..

ليست هناك تعليقات: